الباحث القرآني
اَلْقَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[ ١٧١ ] ﴿يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وفَضْلٍ وأنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أجْرَ المُؤْمِنِينَ﴾
﴿يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وفَضْلٍ وأنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أجْرَ المُؤْمِنِينَ﴾ أيْ: يُسَرُّونَ بِما أنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وما تَفَضَّلَ عَلَيْهِمْ مِن زِيادَةِ الكَرامَةِ، وتَوْفِيرِ أجْرِهِمْ عَلَيْهِمْ.
قالَ أبُو السُّعُودِ: كُرِّرَ لِبَيانِ أنَّ الِاسْتِبْشارَ المَذْكُورَ لَيْسَ بِمُجَرَّدِ عَدَمِ الخَوْفِ والحُزْنِ، بَلْ بِهِ وبِما يُقارِنُهُ، مِن نِعْمَةٍ عَظِيمَةٍ، لا يُقادَرُ قَدْرُها، وهي ثَوابُ أعْمالِهِمْ. ثُمَّ قالَ: والمُرادُ بِالمُؤْمِنِينَ: إمّا الشُّهَداءُ، والتَّعْبِيرُ عَنْهم بِالمُؤْمِنِينَ لِلْإيذانِ بِسُمُوِّ رُتْبَةِ الإيمانِ، وكَوْنِهِ مَناطًا لِما نالُوهُ مِنَ السَّعادَةِ. وإمّا كافَّةُ أهْلِ الإيمانِ مِنَ الشُّهَداءِ وغَيْرِهِمْ، ذُكِرَتْ تَوْفِيَةُ أُجُورِهِمْ عَلى إيمانِهِمْ، وعُدَّتْ مِن جُمْلَةِ ما يَسْتَبْشِرُ بِهِ الشُّهَداءُ بِحُكْمِ الأُخُوَّةِ في الدِّينِ - انْتَهى - .
وقالَ ابْنُ القَيِّمِ: إنَّ اللَّهَ تَعالى عَزّى نَبِيَّهُ وأوْلِياءَهُ عَمَّنْ قُتِلَ مِنهم في سَبِيلِهِ أحْسَنَ تَعْزِيَةٍ وألْطَفَها وأدْعاها إلى الرِّضا بِما قَضاهُ لَهم بِقَوْلِهِ: ﴿ولا تَحْسَبَنَّ﴾ [آل عمران: ١٦٩] الآياتُ - فَجَمَعَ لَهم إلى الحَياةِ الدّائِمَةِ، مَنزِلَةَ القُرْبِ مِنهُ، وأنَّهم عِنْدَهُ، وجَرَيانَ الرِّزْقِ المُسْتَمِرِّ عَلَيْهِمْ، وفَرَحَهم بِما آتاهم مِن فَضْلِهِ، وهو فَوْقُ الرِّضا، بَلْ هو كَمالُ الرِّضا، واسْتِبْشارُهم بِإخْوانِهِمْ الَّذِينَ بِاجْتِماعِهِمْ بِهِمْ يَتِمُّ سُرُورُهم ونَعِيمُهم، واسْتِبْشارُهم بِما يُجَدَّدُ لَهم كُلَّ وقْتٍ مَن نِعْمَتِهِ وكَرامَتِهِ، وذَكَّرَهم سُبْحانَهُ في أثْناءِ هَذِهِ المِحْنَةِ بِما هو أعْظَمُ مِنَّةً ونِعْمَةً عَلَيْهِمْ، الَّتِي قابَلُوا بِها كُلَّ مِحْنَةٍ تَنالُهم وبَلِيَّةٍ تَلاشَتْ في جَنْبِ هَذِهِ المِنَّةِ والنِّعْمَةِ، ولَمْ يَبْقَ لَها أثَرٌ ألْبَتَّةَ، وهي مِنَّتُهُ، عَلَيْهِمْ بِإرْسالِ رَسُولٍ مِن أنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آياتِهِ ويُزَكِّيهِمْ ويَعْلِّمُهم الكِتابَ والحِكْمَةَ ويُنْقِذُهم مِنَ الضَّلالِ، الَّذِي كانُوا فِيهِ قَبْلَ إرْسالِهِ، إلى الهُدى، ومِنَ الشَّقاءِ إلى الفَلاحِ، ومِنَ الظُّلْمَةِ إلى النُّورِ، ومِنَ الجَهْلِ إلى العِلْمِ. فَكُلُّ بَلِيَّةٍ ومِحْنَةٍ تَنالُ العَبْدَ بَعْدَ حُصُولِ هَذا الخَبَرِ العَظِيمِ لَهُ - أمْرٌ يَسِيرٌ جِدًّا في جَنْبِ الخَيْرِ الكَثِيرِ. كَما يَنالُ النّاسَ بِأذى المَطَرِ، في جَنْبِ ما يَحْصُلُ لَهم بِهِ مِنَ الخَيْرِ. وأعْلَمَهم أنَّ سَبَبَ المُصِيبَةِ مِن عِنْدِ أنْفُسِهِمْ، لِيَحْذَرُوا، وأنَّها بِقَضائِهِ (p-١٠٣٧)وقَدَرِهِ، لِيُوَحِّدُوهُ ويَتَّكِلُوا عَلَيْهِ، ولا يَخافُوا غَيْرَهُ، وأخْبَرَهم بِما لَهُ فِيها مِنَ الحِكَمِ لِئَلّا يَتَّهِمُوا في قَضائِهِ وقَدَرِهِ، ولِيَتَعَرَّفَ إلَيْهِمْ بِأنْواعِ صِفاتِهِ وأسْمائِهِ. وسَلّاهم بِما أعْطاهم مِمّا هو أجَلُّ قَدْرًا وأعْظَمُ خَطَرًا مِمّا فاتَهم مِنَ النَّصْرِ والغَنِيمَةِ، وعَزّاهم عَنْ قَتْلاهم بِما نالُوهُ مِن ثَوابِهِ وكَرامَتِهِ، لِيُنافِسُوا فِيهِ، ولا يَحْزَنُوا عَلَيْهِمْ، فَلَهُ الحَمْدُ كَما هو أهْلُهُ، وكَما يَنْبَغِي لِكَرَمِ وجْهِهِ، وعَزَّ جَلالُهُ.
ثُمَّ قالَ ابْنُ القَيِّمِ: ولَمّا انْقَضَتْ الحَرْبُ، انْكَفَأ المُشْرِكُونَ، فَظَنَّ المُسْلِمُونَ أنَّهم قَصَدُوا المَدِينَةَ لِإحْرازِ الذَّرارِيِّ والأمْوالِ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ لِعَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ: ««اخْرُجْ في آثارِ القَوْمِ فانْظُرْ ماذا يَصْنَعُونَ، وماذا يُرِيدُونَ، فَإنْ هم جَنَّبُوا الخَيْلَ، وامْتَطَوْا الإبِلَ، فَإنَّهم يُرِيدُونَ مَكَّةَ، وإنْ كانُوا رَكِبُوا الخَيْلَ، وساقُوا الإبِلَ، فَإنَّهم يُرِيدُونَ المَدِينَةَ، فَواَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ! لَئِنْ أرادُوها لَأسِيرَنَّ إلَيْهِمْ، ثُمَّ لَأُناجِزَهم فِيها» . قالَ عَلِيٌّ: فَخَرَجْتُ في آثارِهِمْ أنْظُرُ ماذا يَصْنَعُونَ، فَجَنَّبُوا الخَيْلَ، وامْتَطَوْا الإبِلَ، ووَجَّهُوا مَكَّةَ. ولَمّا عَزَمُوا عَلى الرُّجُوعِ إلى مَكَّةَ، أشْرَفَ عَلى المُسْلِمِينَ أبُو سُفْيانَ، ثُمَّ ناداهم: مَوْعِدُكم المَوْسِمُ بِبَدْرٍ. فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: «قُولُوا: نَعَمْ قَدْ فَعَلْنا» . قالَ أبُو سُفْيانَ: فَذَلِكم المَوْعِدُ. ثُمَّ انْصَرَفَ هو وأصْحابُهُ، فَلَمّا كانَ في بَعْضِ الطَّرِيقِ، تَلاوَمُوا فِيما بَيْنَهم، وقالَ بَعْضُهم لِبَعْضٍ: لَمْ تَصْنَعُوا شَيْئًا ! أصَبْتُمْ شَوْكَتَهم وحْدَهم ثُمَّ تَرَكْتُمُوهم، وقَدْ بَقِيَ مِنهم رُؤُوسٌ يَجْمَعُونَ لَكم، فارْجِعُوا حَتّى نَسْتَأْصِلَ شَأْفَتَهم، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَنادى في النّاسِ، ونَدَبَهم إلى المَسِيرِ إلى لِقاءِ عَدُوِّهِمْ، وقالَ: «لا يَخْرُجْ مَعَنا إلّا مَن شَهِدَ القِتالَ»، فَقالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ: أرْكَبُ مَعَكَ، قالَ: لا. فاسْتَجابَ لَهُ المُسْلِمُونَ عَلى ما بِهِمْ مِنَ القَرْحِ الشَّدِيدِ والخَوْفِ، وقالُوا: سَمْعًا وطاعَةً، واسْتَأْذَنَهُ جابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ ! إنِّي أُحِبُّ أنْ لا تَشْهَدَ مَشْهَدًا إلّا كُنْتُ مَعَكَ، وإنَّما خَلَّفَنِي أبِي عَلى بَناتِهِ، فَأْذَنْ لِي أسِيرُ مَعَكَ، فَأذِنَ لَهُ، فَسارَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ والمُسْلِمُونَ مَعَهُ حَتّى بَلَغُوا حَمْراءَ الأسَدِ، وأقْبَلَ (p-١٠٣٨)مَعْبَدُ بْنُ أبِي مَعْبَدٍ الخُزاعِيُّ إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَأسْلَمَ. فَأمَرَهُ أنْ يَلْحَقَ بِأبِي سُفْيانَ فَيُخَذِّلُهُ، فَلَحِقَهُ بِالرَّوْحاءِ - ولَمْ يَعْلَمْ بِإسْلامِهِ - فَقالَ: ما وراءَكَ يا مَعْبَدُ ؟ فَقالَ: مُحَمَّدٌ وأصْحابُهُ قَدْ تَحَرَّقُوا عَلَيْكم، وخَرَجُوا في جَمْعٍ لَمْ يَخْرُجُوا مِثْلَهُ، وقَدْ نَدِمَ مَن كانَ تَخَلَّفَ عَنْهم مِن أصْحابِهِمْ. فَقالَ: ما تَقُولُ ؟ فَقالَ: ما أرى أنَّ تَرْتَحِلَ حَتّى يَطْلُعَ أوَّلُ الجَيْشِ مِن وراءِ هَذِهِ الأكَمَةِ، فَقالَ أبُو سُفْيانَ: واَللَّهِ لَقَدْ أجْمَعْنا الكَرَّةَ عَلَيْهِمْ لِنَسْتَأْصِلَهم، قالَ: فَلا تَفْعَلْ، فَإنِّي لَكَ ناصِحٌ، فَرَجَعُوا عَلى أعْقابِهِمْ إلى مَكَّةَ» - انْتَهى - وإلى ذَلِكَ الإشارَةُ بِقَوْلِهِ تَعالى:
{"ayah":"۞ یَسۡتَبۡشِرُونَ بِنِعۡمَةࣲ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضۡلࣲ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَا یُضِیعُ أَجۡرَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











