الباحث القرآني
اَلْقَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[ ١٤ ] ﴿زُيِّنَ لِلنّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ والبَنِينَ والقَناطِيرِ المُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ والفِضَّةِ والخَيْلِ المُسَوَّمَةِ والأنْعامِ والحَرْثِ ذَلِكَ مَتاعُ الحَياةِ الدُّنْيا واللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ المَآبِ﴾ .
﴿زُيِّنَ لِلنّاسِ﴾ كَلامٌ مُسْتَأْنَفٌ سِيقَ لِبَيانِ حَقارَةِ شَأْنِ الحُظُوظِ الدُّنْيَوِيَّةِ بِأصْنافِها، وتَزْهِيدِ النّاسِ فِيها، وتَوْجِيهِ رَغَباتِهِمْ إلى ما عِنْدَهُ تَعالى، إثْرِ بَيانِ عَدَمِ نَفْعِها لِلْكَفَرَةِ الَّذِينَ كانُوا يَتَعَزَّزُونَ بِها. والمُرادُ بِالنّاسِ: الجِنْسُ - قالَهُ أبُو السُّعُودِ: ﴿حُبُّ الشَّهَواتِ﴾ أيْ: المُشْتَهَياتِ، وعَبَّرَ عَنْها بِذَلِكَ مُبالَغَةً في كَوْنِها مُشْتَهاةً مَرْغُوبًا فِيها، أوْ تَخْسِيسًا لَها، لِأنَّ الشَّهْوَةَ مُسْتَرْذَلَةٌ عِنْدَ الحُكَماءِ، مَذْمُومٌ مَن اتَّبَعَها، شاهِدٌ عَلى نَفْسِهِ بِالبَهِيمِيَّةِ ﴿مِنَ النِّساءِ﴾ في تَقْدِيمِهِنَّ إشْعارٌ بِعَراقَتِهِنَّ في مَعْنى الشَّهْوَةِ؛ إذْ يَحْصُلُ مِنهُنَّ أتَمُّ اللَّذّاتِ: ﴿والبَنِينَ﴾ لِلتَّكَثُّرِ بِهِمْ، وأمَلِ قِيامِهِمْ مَقامَهم مِن بَعْدِهِمْ، والتَّفاخُرِ والزِّينَةِ: ﴿والقَناطِيرِ﴾ أيْ: الأمْوالِ الكَثِيرَةِ، وقَوْلُهُ: ﴿المُقَنْطَرَةِ﴾ مَأْخُوذَةٌ مِنها لِلتَّوْكِيدِ كَقَوْلِهِمْ ألْفٌ مُؤَلَّفَةٌ، وبَدْرَةٌ مُبَدَّرَةٌ، وإبِلٌ مُؤَبَّلَةٌ، ودَراهِمُ مُدَرْهَمَةٌ: ﴿مِنَ الذَّهَبِ والفِضَّةِ﴾ قالَ الرّازِيُّ: وإنَّما كانا مَحْبُوبَيْنِ لِأنَّهُما جُعِلا ثَمَنَ جَمِيعِ الأشْياءِ، فَمالِكُها كالمالِكٍ لِجَمِيعِ الأشْياءِ، وصِفَةُ المالِكِيَّةِ هي القُدْرَةُ، والقُدْرَةُ صِفَةُ كَمالٍ، والكَمالُ مَحْبُوبٌ لِذاتِهِ، فَلَمّا كانَ الذَّهَبُ والفِضَّةُ أكْمَلَ الوَسائِلِ إلى تَحْصِيلِ هَذا الكَمالِ الَّذِي هو مَحْبُوبٌ لِذاتِهِ وما لا يُوجَدُ المَحْبُوبُ إلّا بِهِ فَهو مَحْبُوبٌ لا جَرَمَ كانا مَحْبُوبَيْنِ: ﴿والخَيْلِ المُسَوَّمَةِ﴾ أيْ: المُرْسَلَةُ إلى المَرْعى تَرْعى حَيْثُ شاءَتْ، أوْ الَّتِي عَلَيْها السِّيمْياءُ - أيْ: العَلامَةُ - قالَ أبُو مُسْلِمٍ: المُرادُ مِن هَذِهِ العَلاماتِ الأوْضاحُ والغُرَرُ الَّتِي تَكُونُ في الخَيْلِ، وهي أنْ تَكُونَ الأفْراسُ غُرًّا مُحَجَّلَةً: ﴿والأنْعامِ﴾ جَمْعُ نَعَمٍ وهي الإبِلُ والبَقَرُ والغَنَمُ لِتَحْصِيلِ الأمْوالِ النّامِيَةِ: ﴿والحَرْثِ﴾ أيْ: الأرْضِ المُتَّخَذَةِ لِلْغِراسِ والزِّراعَةِ: ﴿ذَلِكَ﴾ أيْ: المَذْكُورُ: ﴿مَتاعُ الحَياةِ الدُّنْيا﴾ يُتَمَتَّعُ بِهِ فِيها ثُمَّ يَفْنى: ﴿واللَّهُ (p-٨٠٥)عِنْدَهُ حُسْنُ المَآبِ﴾ أيْ: المَرْجِعُ وهو الجَنَّةُ، فَيَنْبَغِي الرَّغْبَةُ فِيهِ دُونَ غَيْرِهِ. وفي إشْعارِهِ ذَمُّ مَن يَسْتَعْظِمُ تِلْكَ الشَّهَواتِ ويَتَهالَكُ عَلَيْها، ويُرَجِّحُ طَلَبَها عَلى طَلَبِ ما عِنْدَ اللَّهِ، وتَزْهِيدٌ في الدُّنْيا وتَرْغِيبٌ في الآخِرَةِ.
تَنْبِيهٌ:
فِي تَزْيِينِ هَذِهِ الأُمُورِ المَذْكُوراتِ لِلنّاسِ إشارَةٌ لِما تَضَمَّنَتْهُ مِنَ الفِتْنَةِ:
فَأمّا النِّساءُ، فَفي الصَّحِيحِ أنَّهُ ﷺ قالَ: ««ما تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أضَرُّ عَلى الرِّجالِ مِنَ النِّساءِ»» .
وأمّا البَنُونَ، فَفي مُسْنَدِ أبِي يَعْلى عَنْ أبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا: «الوَلَدُ ثَمَرَةُ القَلْبِ، وإنَّهُ مَجْبَنَةٌ مَبْخَلَةٌ مَحْزَنَةٌ». أيْ: يَجْبُنُ أبُوهُ عَنْ الجِهادِ خَوْفَ ضَيْعَتِهِ، ويَمْتَنِعُ أبُوهُ مِنَ الإنْفاقِ في الطّاعَةِ خَوْفَ فَقْرِهِ، ويَحْزَنُ أبُوهُ لِمَرَضِهِ خَوْفَ مَوْتِهِ، وقَدْ قالَ تَعالى: ﴿إنَّ مِن أزْواجِكم وأوْلادِكم عَدُوًّا لَكم فاحْذَرُوهُمْ﴾ [التغابن: ١٤] وقِيلَ لِبَعْضِ النُّسّاكِ: ما بالُكَ لا تَبْتَغِي ما كَتَبَ اللَّهُ لَكَ ؟ قالَ: سَمْعًا لِأمْرِ اللَّهِ، ولا مَرْحَبًا بِمَن إنْ عاشَ فَتَنَنِي، وإنْ ماتَ أحْزَنَنِي. يُرِيدُ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿إنَّما أمْوالُكم وأوْلادُكم فِتْنَةٌ واللَّهُ عِنْدَهُ أجْرٌ عَظِيمٌ﴾ [التغابن: ١٥]
وأمّا القَناطِيرُ المُقَنْطَرَةُ: فَفِيها الآيَةُ قَبْلُ، وقَوْلَهُ تَعالى: ﴿كَلا إنَّ الإنْسانَ لَيَطْغى﴾ [العلق: ٦] ﴿أنْ رَآهُ اسْتَغْنى﴾ [العلق: ٧] وقالَ تَعالى: ﴿وإذا أنْعَمْنا عَلى الإنْسانِ أعْرَضَ ونَأى بِجانِبِهِ﴾ [الإسراء: ٨٣] (p-٨٠٦)فَما يُورِثُ البَطَرَ مِثْلُ الغِنى. وبِهِ تُسْتَجْمَعُ أسْبابُ السُّؤْدُدِ والرِّئاسَةِ والمَجْدِ والتَّفاخُرِ.
وأمّا الخَيْلُ فَقَدْ تَكُونُ عَلى صاحِبِها وِزْرًا: إذا رَبَطَها فَخْرًا ورِياءً ونِواءً لِأهْلِ الإسْلامِ، كَما في الصَّحِيحِ وفي مُسْنَدِ أحْمَدَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا: «الخَيْلُ ثَلاثَةٌ: فَفَرَسٌ لِلرَّحْمَنِ، وفَرَسٌ لِلْإنْسانِ، وفَرَسٌ لِلشَّيْطانِ. فَأمّا فَرَسُ الرَّحْمَنِ فاَلَّذِي يُرْبَطُ في سَبِيلِ اللَّهِ، فَعَلَفُهُ ورَوْثُهُ وبَوْلُهُ وذَكَرَ ما شاءَ اللَّهُ. وأمّا فَرَسُ الشَّيْطانِ: فاَلَّذِي يُقامَرُ أوْ يُراهَنُ عَلَيْهِ. وأمّا فَرَسُ الإنْسانِ فالفَرَسُ يَرْتَبِطُها الإنْسانُ يَلْتَمِسُ بَطْنَها فَهي تَسْتُرُ مِن فَقْرٍ».
وأمّا الفِتْنَةُ بِالأنْعامِ والحَرْثِ فَفي مَعْنى ما تَقَدَّمَ. واَللَّهُ أعْلَمُ.
ولَمّا ذَكَرَ تَعالى ما عِنْدَهُ مِن حُسْنِ المَآبِ إجْمالًا، أشارَ إلى تَفْصِيلِهِ مُبالَغَةً في التَّرْغِيبِ فَقالَ:
{"ayah":"زُیِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَ ٰتِ مِنَ ٱلنِّسَاۤءِ وَٱلۡبَنِینَ وَٱلۡقَنَـٰطِیرِ ٱلۡمُقَنطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلۡفِضَّةِ وَٱلۡخَیۡلِ ٱلۡمُسَوَّمَةِ وَٱلۡأَنۡعَـٰمِ وَٱلۡحَرۡثِۗ ذَ ٰلِكَ مَتَـٰعُ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَاۖ وَٱللَّهُ عِندَهُۥ حُسۡنُ ٱلۡمَـَٔابِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق