الباحث القرآني

اَلْقَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: [ ١٣٠ ] ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبا أضْعافًا مُضاعَفَةً واتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكم تُفْلِحُونَ﴾ ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبا أضْعافًا مُضاعَفَةً﴾ هَذا نَهْيٌ عَنْ الرِّبا مَعَ التَّوْبِيخِ بِما كانُوا عَلَيْهِ في الجاهِلِيَّةِ مِن تَضْعِيفِهِ، كانَ الرَّجُلُ مِنهم إذا بَلَغَ الدَّيْنُ مَحِلَّهُ يَقُولُ: إمّا أنْ تَقْضِيَ حَقِّي أوْ تُرْبِيَ وأزِيدُ في الأجَلِ. وفي نِدائِهِمْ بِاسْمِ (الإيمانِ)؛ إشْعارٌ بِأنَّ مِن مُقْتَضى الإيمانِ وتَصْدِيقِهِ تَرْكَ الرِّبا. وقَدْ تَقَدَّمَ في البَقَرَةِ مِنَ المُبالَغَةِ في النَّهْيِ عَنْهُ ما يُرَوِّعُ مَن لَهُ أدْنى تَقْوى. ويُوجِبُ لِمَن لَمْ يَتْرُكْهُ وما يُقارِبُهُ الضَّمانُ بِالخِذْلانِ في كُلِّ زَمانٍ ﴿فَإنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ ورَسُولِهِ﴾ [البقرة: ٢٧٩] ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الحَياةَ الدُّنْيا بِالآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ العَذابُ ولا هم يُنْصَرُونَ﴾ [البقرة: ٨٦] وقَوْلُهُ: ﴿أضْعافًا مُضاعَفَةً﴾ أيْ: زِياداتٌ مُتَكَرِّرَةٌ، ولَيْسَتْ لِتَقْيِيدِ النَّهْيِ بِهِ، لِما هو مَعْلُومٌ مِن تَحْرِيمِهِ عَلى كُلِّ حالٍ، بَلْ لِمُراعاةِ عادَتِهِمْ كَما بَيَّنّا. ومَحَلُّهُ النَّصْبُ عَلى الحالِيَّةِ مِنَ الرِّبا. وقُرِئَ (مُضَعَّفَةً): ﴿واتَّقُوا اللَّهَ﴾ فِيما تُنْهَوْنَ عَنْهُ: ﴿لَعَلَّكم تُفْلِحُونَ﴾ بِإيفاءِ حُقُوقِكم وصَوْنِكم عَنْ أعْدائِكم، كَما صُنْتُمْ حُقُوقَ الأشْياءِ. ومِمّا يُعْلَمُ بِهِ حِكْمَةُ نَظْمِ هَذِهِ الآيَةِ في سِلْكِ قِصَّةِ أُحُدٍ، ما رَواهُ أبُو داوُدَ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ أنَّ عَمْرَو بْنَ أُقَيْشٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كانَ لَهُ رِبًا في الجاهِلِيَّةِ، فَكَرِهَ أنْ يُسْلِمَ حَتّى يَأْخُذَهُ، فَجاءَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَقالَ: أيْنَ بَنُو عَمِّي ؟ قالُوا: بِأُحُدٍ. قالَ: أيْنَ فُلانٌ ؟ قالُوا: بِأُحُدٍ، قالَ: فَأيْنَ فُلانٌ؟ قالُوا: (p-٩٧٢)بِأُحُدٍ. فَلَبِسَ لَأْمَتَهُ، ورَكِبَ فَرَسَهُ ثُمَّ تَوَجَّهَ قِبَلَهم. فَلَمّا رَآهُ المُسْلِمُونَ قالُوا: إلَيْكَ عَنّا يا عَمْرُو ! قالَ: إنِّي قَدْ آمَنتُ، فَقاتَلَ حَتّى جُرِحَ، فَحُمِلَ إلى أهْلِهِ جَرِيحًا، فَجاءَهُ سَعْدُ بْنُ مُعاذٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقالَ لِأُخْتِهِ: سَلِيهِ: حَمِيَّةً لِقَوْمِكَ وغَضَبًا لَهم أمْ غَضَبًا لِلَّهِ - عَزَّ وجَلَّ - ؟ فَقالَ: بَلْ غَضَبًا لِلَّهِ - عَزَّ وجَلَّ - ورَسُولِهِ ﷺ . فَماتَ، فَدَخَلَ الجَنَّةَ، وما صَلّى لِلَّهِ - عَزَّ وجَلَّ - صَلاةً. قالَ الدِّينَوَرِيُّ: وكانَ أبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ: حَدِّثُونِي عَنْ رَجُلٍ دَخَلَ الجَنَّةَ لَمْ يُصَلِّ قَطُّ ! فَيَسْكُتُ النّاسُ، فَيَقُولُ أبُو هُرَيْرَةَ: هو أخُو بَنِي عَبْدِ الأشْهَلِ. وعِنْدَ ابْنِ إسْحاقَ: فَذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقالَ: ««إنَّهُ لَمِن أهْلِ الجَنَّةِ»»، فَهَذا مُلَخَّصُ ما أوْرَدَهُ البِقاعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعالى - .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب