الباحث القرآني

(p-٧٤٨)سُورَةُ آلِ عِمْرانَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وهِيَ مَدَنِيَّةٌ: مِائَتا آيَةٍ، أوْ إلّا آيَةً. سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأنَّ اصْطِفاءَ آلِ عِمْرانَ، وهم عِيسى ويَحْيى ومَرْيَمُ وأُمُّها، نَزَلَ فِيهِ مِنها ما لَمْ يَنْزِلْ في غَيْرِهِ. إذْ هو بِضْعٌ وثَمانُونَ آيَةً. وقَدْ جُعِلَ هَذا الِاصْطِفاءُ دَلِيلًا عَلى اصْطِفاءِ نَبِيِّنا مُحَمَّدٍ ﷺ وجَعْلِهِ مَتْبُوعًا لِكُلِّ مُحِبٍّ لِلَّهِ ومَحْبُوبٍ لَهُ. وتُسَمّى: الزَّهْراءُ، لِأنَّها كَشَفَتْ عَمّا التَبَسَ عَلى أهْلِ الكِتابَيْنِ مِن شَأْنِ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ. والأمانُ، لِأنَّ مَن تَمَسَّكَ بِما فِيها أمِنَ مِنَ الغَلَطِ في شَأْنِهِ. والكَنْزُ، لِتَضَمُّنِها الأسْرارَ العِيسَوِيَّةَ. والمُجادَلَةُ، لِنُزُولِ نَيِّفٍ وثَمانِينَ آيَةً مِنها في مُجادَلَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ نَصارى نَجْرانَ. وسُورَةُ الِاسْتِغْفارِ، لِما فِيها مِن قَوْلِهِ: والمُسْتَغْفِرِينَ بِالأسْحارِ. وطَيْبَةُ، لِجَمْعِها مِن أصْنافِ الطَّيِّبِينَ في قَوْلِهِ: اَلصّابِرِينَ والصّادِقِينَ. إلى آخِرِهِ، أفادَهُ المَهايِمِيُّ. والمُرادُ بِعِمْرانَ هو والِدُ مَرْيَمَ، أُمِّ عِيسى عَلَيْهِما السَّلامُ، كَما يَأْتِي التَّنْوِيهُ بِهِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ ونُوحًا وآلَ إبْراهِيمَ وآلَ عِمْرانَ عَلى العالَمِينَ﴾ [آل عمران: ٣٣] (p-٧٤٩)اَلْقَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿الم﴾ ﴿اللَّهُ لا إلَهَ إلا هو الحَيُّ القَيُّومُ﴾ [آل عمران: ٢] ﴿نَـزَّلَ عَلَيْكَ الكِتابَ بِالحَقِّ مُصَدِّقًا لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وأنْـزَلَ التَّوْراةَ والإنْجِيلَ﴾ [آل عمران: ٣] [ ١ - ٣ ] ﴿الم﴾ سَلَفَ الكَلامُ عَلى ذَلِكَ أوَّلَ البَقَرَةِ ﴿اللَّهُ لا إلَهَ إلا هو الحَيُّ القَيُّومُ﴾ [آل عمران: ٢] سَبَقَ تَأْوِيلُهُ في آيَةِ الكُرْسِيِّ. ﴿نَـزَّلَ عَلَيْكَ الكِتابَ﴾ [آل عمران: ٣] أيْ: القُرْآنَ. عَبَّرَ عَنْهُ بِاسْمِ الجِنْسِ إيذانًا بِكَمالِ تَفَوُّقِهِ عَلى بَقِيَّةِ الأفْرادِ في حِيازَةِ كَمالاتِ الجِنْسِ، كَأنَّهُ هو الحَقِيقُ بِأنْ يُطْلَقَ عَلَيْهِ اسْمُ الكِتابِ دُونَ ما عَداهُ، كَما يَلُوحُ بِهِ التَّصْرِيحُ بِاسْمَيْ التَّوْراةِ والإنْجِيلِ: ﴿بِالحَقِّ﴾ [آل عمران: ٣] أيْ: الصِّدْقِ الَّذِي لا رَيْبَ فِيهِ: ﴿مُصَدِّقًا لِما بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ [آل عمران: ٣] أيْ: مِنَ الكُتُبِ المُنَزَّلَةِ قَبْلَهُ. قالَ المَهايِمِيُّ: أيْ: مُعَرِّفًا صِدْقَ الكُتُبِ السّالِفَةِ. وقالَ أبُو مُسْلِمٍ: المُرادُ مِنهُ أنَّهُ تَعالى لَمْ يَبْعَثْ نَبِيًّا قَطُّ إلّا بِالدُّعاءِ إلى تَوْحِيدِهِ والإيمانِ بِهِ، وتَنْزِيهِهِ عَمّا لا يَلِيقُ بِهِ، والأمْرِ بِالعَدْلِ والإحْسانِ، وبِالشَّرائِعِ الَّتِي هي صَلاحُ كُلِّ زَمانٍ. فالقُرْآنُ مُصَدِّقٌ لِتِلْكَ الكُتُبِ في كُلِّ ذَلِكَ: ﴿وأنْـزَلَ التَّوْراةَ والإنْجِيلَ﴾ [آل عمران: ٣] تَعْيِينٌ لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وتَبْيِينٌ لِرِفْعَةِ مَحَلِّهِ. تَأْكِيدًا لِما قَبْلَهُ، وتَمْهِيدًا لِما بَعْدَهُ. إذْ بِذَلِكَ يَتَرَقّى شَأْنُ ما يُصَدِّقُهُ رِفْعَةً ونَباهَةً، ويَزْدادُ في القُلُوبِ قَبُولًا ومَهابَةً، ويَتَفاحَشُ حالُ مَن كَفَرَ بِهِما في الشَّناعَةِ، واسْتِتْباعِ ما سَيُذْكَرُ مِنَ العَذابِ الشَّدِيدِ والِانْتِقامِ. قالَهُ أبُو السُّعُودِ. والتَّوْراةُ اسْمٌ عِبْرانِيٌّ مَعْناهُ: (اَلشَّرِيعَةُ) . والإنْجِيلُ لَفْظَةٌ يُونانِيَّةٌ مَعْناها: (اَلْبُشْرى). (p-٧٥٠)أيْ: الخَبَرُ الحَسَنُ. هَذا هو الصَّوابُ كَما نَصَّ عَلَيْهِ عُلَماءُ الكِتابَيْنِ في مُصَنَّفاتِهِمْ. وقَدْ حاوَلَ بَعْضُ الأُدَباءِ تَطْبِيقَهُما عَلى أوْزانِ لُغَةِ العَرَبِ واشْتِقاقِهِما مِنها. وهو خَبْطٌ بِغَيْرِ ضَبْطٍ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب