الباحث القرآني
(p-٤٧٥٨)القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[٥١ - ٥٦] ﴿أوَلَمْ يَكْفِهِمْ أنّا أنْـزَلْنا عَلَيْكَ الكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إنَّ في ذَلِكَ لَرَحْمَةً وذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ ﴿قُلْ كَفى بِاللَّهِ بَيْنِي وبَيْنَكم شَهِيدًا يَعْلَمُ ما في السَّماواتِ والأرْضِ والَّذِينَ آمَنُوا بِالباطِلِ وكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الخاسِرُونَ﴾ [العنكبوت: ٥٢] ﴿ويَسْتَعْجِلُونَكَ بِالعَذابِ ولَوْلا أجَلٌ مُسَمًّى لَجاءَهُمُ العَذابُ ولَيَأْتِيَنَّهم بَغْتَةً وهم لا يَشْعُرُونَ﴾ [العنكبوت: ٥٣] ﴿يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالعَذابِ وإنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالكافِرِينَ﴾ [العنكبوت: ٥٤] ﴿يَوْمَ يَغْشاهُمُ العَذابُ مِن فَوْقِهِمْ ومِن تَحْتِ أرْجُلِهِمْ ويَقُولُ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [العنكبوت: ٥٥] ﴿يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إنَّ أرْضِي واسِعَةٌ فَإيّايَ فاعْبُدُونِ﴾ [العنكبوت: ٥٦]
﴿أوَلَمْ يَكْفِهِمْ﴾ أيْ: آيَةٌ مُغْنِيَةٌ عَمّا اقْتَرَحُوهُ: ﴿أنّا أنْـزَلْنا عَلَيْكَ الكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ﴾ أيْ: وفِيهِ نَفْسُهُ مِنَ الآياتِ والمُعْجِزاتِ ما لا يَرْتابُ مَعَهُ إلّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ، وكابَرَ حِسَّهُ: ﴿إنَّ في ذَلِكَ﴾ أيِ: الكِتابِ الَّذِي هو آيَةٌ مُسْتَمِرَّةٌ وحُجَّةٌ بالِغَةٌ ظاهِرَةٌ: ﴿لَرَحْمَةً﴾ أيْ: لَنِعْمَةً عَظِيمَةً في هِدايَتِهِ إلى الحَقِّ وإلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ: ﴿وذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ أيْ: تَذْكِرَةً لِقَوْمٍ، هَمُّهُمُ الإيمانُ دُونَ التَّعَنُّتِ: ﴿قُلْ كَفى بِاللَّهِ بَيْنِي وبَيْنَكم شَهِيدًا﴾ [العنكبوت: ٥٢] أيْ: إنِّي قَدْ بَلَّغْتُكم ما أُرْسِلْتُ بِهِ إلَيْكم وأنْذَرْتُكُمْ، وإنَّكم قابَلْتُمُونِي بِالجَحْدِ والتَّكْذِيبِ. يَعْنِي. كَفى عِلْمُهُ بِذَلِكَ. وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ المَعْنى شَهِيدًا بِصِدْقِي بِالتَّأْيِيدِ والحِفْظِ، أيْ: هو شاهِدٌ عَلى ما جِئْتُ بِهِ، مُصَدِّقٌ لَهُ تَصْدِيقَ الشّاهِدِ لِدَعْوى المُدَّعِي.
(p-٤٧٥٩)قالَ ابْنُ كَثِيرٍ: أيْ: فَلَوْ كُنْتُ غَيْرَ مُحِقٍّ، لانْتَقَمَ مِنِّي، كَما قالَ تَعالى: ﴿ولَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الأقاوِيلِ﴾ [الحاقة: ٤٤] ﴿لأخَذْنا مِنهُ بِاليَمِينِ﴾ [الحاقة: ٤٥] ﴿ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنهُ الوَتِينَ﴾ [الحاقة: ٤٦] ﴿فَما مِنكم مِن أحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ﴾ [الحاقة: ٤٧] وإنَّما أنا صادِقٌ عَلَيْهِ فِيما أخْبَرْتُكم بِهِ. ولِهَذا أيَّدَنِي بِالمُعْجِزاتِ الواضِحاتِ والدَّلائِلِ القاطِعاتِ. انْتَهى ﴿يَعْلَمُ ما في السَّماواتِ والأرْضِ﴾ [العنكبوت: ٥٢] أيْ: فَلا يَخْفى عَلَيْهِ حالِي وحالُكُمْ: ﴿والَّذِينَ آمَنُوا بِالباطِلِ وكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الخاسِرُونَ﴾ [العنكبوت: ٥٢] ﴿ويَسْتَعْجِلُونَكَ بِالعَذابِ﴾ [العنكبوت: ٥٣] أيِ: اسْتِهْزاءً: ﴿ولَوْلا أجَلٌ مُسَمًّى﴾ [العنكبوت: ٥٣] أيْ: لِكُلِّ عَذابٍ أوْ قَوْمٍ، وهو وقْتُهُ المُعَيَّنُ لَهُ فِيهِما: ﴿لَجاءَهُمُ العَذابُ﴾ [العنكبوت: ٥٣] أيْ: عاجِلًا: ﴿ولَيَأْتِيَنَّهم بَغْتَةً﴾ [العنكبوت: ٥٣] أيْ: فَجْأةً في الدُّنْيا. كَوَقْعَةِ بَدْرٍ. فَقَدْ كانُوا لِغُرُورِهِمْ لا يَتَوَقَّعُونَ غَلَبَةَ المُسْلِمِينَ. أوْ في الآخِرَةِ عِنْدَ نُزُولِ المَوْتِ بِهِمْ: ﴿يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالعَذابِ وإنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالكافِرِينَ﴾ [العنكبوت: ٥٤] أيْ: سَتُحِيطُ بِهِمْ. أيْ: يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالعَذابِ وهو واقِعٌ بِهِمْ لا مَحالَةَ. أوْ هي كالمُحِيطَةِ بِهِمْ. لِأنَّ كُلَّ آتٍ قَرِيبٌ.
﴿يَوْمَ يَغْشاهُمُ العَذابُ مِن فَوْقِهِمْ ومِن تَحْتِ أرْجُلِهِمْ ويَقُولُ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [العنكبوت: ٥٥] أيْ: جَزاءَهُ: ﴿يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إنَّ أرْضِي واسِعَةٌ فَإيّايَ فاعْبُدُونِ﴾ [العنكبوت: ٥٦] وهَذا خِطابٌ لِمَن لَمْ تُمَكِّنْهُ عِبادَتُهُ تَعالى وحْدَهُ في أرْضِهِ، لِإيذائِهِ في اللَّهِ واضْطِهادِهِ في جانِبِهِ، أنْ يُهاجِرَ عَنْها إلى بَلَدٍ ما، يُقَدِّرُ أنَّهُ فِيهِ أسْلَمُ قَلْبًا، وأصَحُّ دِينًا، وآمَنُ نَفْسًا. وأنْ يَتَجَنَّبَ المَقامَ في بَلَدِهِ عَلى تِلْكَ الحالَةِ، كَيْلا يَفْتِنَهُ الكافِرُونَ. أوْ يُعَرِّضَ نَفْسَهُ لِلتَّهْلُكَةِ، وقَدْ جُعِلَ لَهُ مِنها مَخْرَجٌ. وكَوْنُ أرْضِ اللَّهِ واسِعَةً، مَذْكُورٌ لِلدَّلالَةِ عَلى المُقَدَّرِ. وهو كالتَّوْطِئَةِ لِما بَعْدَهُ. لِأنَّها مَعَ سِعَتِها، وإمْكانِ التَّفَسُّحِ فِيها، لا يَنْبَغِي بِأرْضٍ لا يَتَيَسَّرُ بِها لِلْمَرْءِ ما يُرِيدُهُ. كَما قِيلَ:
؎وكُلُّ مَكانٍ يَنْبُتُ العِزُّ طَيِّبُ
وقالَ آخَرُ:
؎إذا كانَ أصْلِي مِن تُرابٍ فَكُلُّها ∗∗∗ بِلادِي، وكُلُّ العالَمِينَ أقارِبِي
(p-٤٧٦٠)وقَدْ رَوى الإمامُ أحْمَدُ عَنِ الزُّبَيْرِ: قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ««البِلادُ بِلادُ اللَّهِ والعِبادُ عِبادُ اللَّهِ. فَحَيْثُما أصَبْتَ خَيْرًا فَأقِمْ»» . ولِهَذا لَمّا ضاقَ عَلى المُسْتَضْعَفِينَ بِمَكَّةَ مَقامُهُمْ، خَرَجُوا مُهاجِرِينَ إلى أرْضِ الحَبَشَةِ لِيَأْمَنُوا عَلى دِينِهِمْ هُناكَ فَوَجَدُوا خَيْرَ نُزُلٍ بِها، عِنْدَ مَلِكِها النَّجاشِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ. ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ هاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وأصْحابُهُ الباقُونَ إلى المَدِينَةِ المُنَوَّرَةِ، عَمَلًا بِالآيَةِ الكَرِيمَةِ. وقَوْلِهِ تَعالى:
{"ayahs_start":51,"ayahs":["أَوَلَمۡ یَكۡفِهِمۡ أَنَّاۤ أَنزَلۡنَا عَلَیۡكَ ٱلۡكِتَـٰبَ یُتۡلَىٰ عَلَیۡهِمۡۚ إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَرَحۡمَةࣰ وَذِكۡرَىٰ لِقَوۡمࣲ یُؤۡمِنُونَ","قُلۡ كَفَىٰ بِٱللَّهِ بَیۡنِی وَبَیۡنَكُمۡ شَهِیدࣰاۖ یَعۡلَمُ مَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۗ وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ بِٱلۡبَـٰطِلِ وَكَفَرُوا۟ بِٱللَّهِ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡخَـٰسِرُونَ","وَیَسۡتَعۡجِلُونَكَ بِٱلۡعَذَابِ وَلَوۡلَاۤ أَجَلࣱ مُّسَمࣰّى لَّجَاۤءَهُمُ ٱلۡعَذَابُۚ وَلَیَأۡتِیَنَّهُم بَغۡتَةࣰ وَهُمۡ لَا یَشۡعُرُونَ","یَسۡتَعۡجِلُونَكَ بِٱلۡعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِیطَةُۢ بِٱلۡكَـٰفِرِینَ","یَوۡمَ یَغۡشَىٰهُمُ ٱلۡعَذَابُ مِن فَوۡقِهِمۡ وَمِن تَحۡتِ أَرۡجُلِهِمۡ وَیَقُولُ ذُوقُوا۟ مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ","یَـٰعِبَادِیَ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِنَّ أَرۡضِی وَ ٰسِعَةࣱ فَإِیَّـٰیَ فَٱعۡبُدُونِ"],"ayah":"قُلۡ كَفَىٰ بِٱللَّهِ بَیۡنِی وَبَیۡنَكُمۡ شَهِیدࣰاۖ یَعۡلَمُ مَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۗ وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ بِٱلۡبَـٰطِلِ وَكَفَرُوا۟ بِٱللَّهِ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡخَـٰسِرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق