الباحث القرآني

(p-٤٧٣٥)بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سُورَةُ العَنْكَبُوتِ سُمِّيَتْ بِها لِاشْتِمالِها عَلى آيَةِ ﴿مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أوْلِياءَ كَمَثَلِ العَنْكَبُوتِ﴾ [العنكبوت: ٤١] الآيَةَ، المُشِيرُ إنَّ مَنِ اعْتَمَدَ عَلى قُوَّةِ الأصْنامِ وحِفْظِها عَنِ العَذابِ كالعَنْكَبُوتِ، اعْتَمَدَتْ عَلى قُوَّةِ بَيْتِها الَّتِي لا تَحْتَمِلُ مَسَّ أدْنى الحَشَراتِ والرِّياحِ، وحِفْظَها عَنِ الحَرِّ والبَرْدِ. وهَذا أتَمُّ في الدَّعْوَةِ إلى التَّوْحِيدِ الَّذِي هو أعْظَمُ مَقاصِدِ القُرْآنِ. أفادَهُ المَهايِمِيُّ. وهِيَ مَكِّيَّةٌ. واسْتُثْنِيَ مِن أوَّلِها إلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولَيَعْلَمَنَّ المُنافِقِينَ﴾ [العنكبوت: ١١] وقَوْلُهُ: ﴿وكَأيِّنْ مِن دابَّةٍ﴾ [العنكبوت: ٦٠] الآيَةَ، ويُقالُ إنَّها آخِرُ ما نَزَلَ بِمَكَّةَ. وآيُها تِسْعٌ وسِتُّونَ. قالَ الدّانِيُّ: مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (p-٤٧٣٦)بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: [١ - ٣] ﴿الم﴾ ﴿أحَسِبَ النّاسُ أنْ يُتْرَكُوا أنْ يَقُولُوا آمَنّا وهم لا يُفْتَنُونَ﴾ [العنكبوت: ٢] ﴿ولَقَدْ فَتَنّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا ولَيَعْلَمَنَّ الكاذِبِينَ﴾ [العنكبوت: ٣] ﴿الم﴾ ﴿أحَسِبَ النّاسُ أنْ يُتْرَكُوا أنْ يَقُولُوا آمَنّا وهم لا يُفْتَنُونَ﴾ [العنكبوت: ٢] أيْ: أحَسِبَ الَّذِينَ أجْرَوْا كَلِمَةَ الشَّهادَةِ عَلى ألْسِنَتِهِمْ، وأظْهَرُوا القَوْلَ بِالإيمانِ، أنَّهم يُتْرَكُونَ بِذَلِكَ غَيْرَ مُمْتَحَنِينَ، بَلْ يَمْحِنُهُمُ اللَّهُ بِضُرُوبِ المِحَنِ، حَتّى يَبْلُوَ صَبْرَهم وثَباتَ أقْدامِهِمْ وصِحَّةَ عَقائِدِهِمْ. لِتَمْيِيزِ المُخْلِصِ مِن غَيْرِ المُخْلِصِ. كَما قالَ: ﴿لَتُبْلَوُنَّ في أمْوالِكم وأنْفُسِكم ولَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ مِن قَبْلِكم ومِنَ الَّذِينَ أشْرَكُوا أذًى كَثِيرًا وإنْ تَصْبِرُوا وتَتَّقُوا فَإنَّ ذَلِكَ مِن عَزْمِ الأُمُورِ﴾ [آل عمران: ١٨٦] وكَقَوْلِهِ: ﴿أمْ حَسِبْتُمْ أنْ تَدْخُلُوا الجَنَّةَ ولَمّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنكم ويَعْلَمَ الصّابِرِينَ﴾ [آل عمران: ١٤٢] وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿أمْ حَسِبْتُمْ أنْ تَدْخُلُوا الجَنَّةَ ولَمّا يَأْتِكم مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكم مَسَّتْهُمُ البَأْساءُ والضَّرّاءُ وزُلْزِلُوا حَتّى يَقُولَ الرَّسُولُ والَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ ألا إنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾ [البقرة: ٢١٤] وكُلُّ هَذِهِ الآياتِ وأمْثالُها مِمّا نَزَلَ بِمَكَّةَ في تَثْبِيتِ قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ، وتَصْبِيرِهِمْ عَلى ما كانَ يَنالُهم (p-٤٧٣٧)مِن أذى المُشْرِكِينَ: ﴿ولَقَدْ فَتَنّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ [العنكبوت: ٣] أيْ: مِن أتْباعِ الأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ، بِضُرُوبٍ مِنَ الفِتَنِ مِن أعْدائِهِمْ، كَما دَوَّنَ التّارِيخُ اضْطِهادَهم. أيْ: فَصَبَرُوا وما وهَنُوا لِما أصابَهم حَتّى عَلَتْ كَلِمَةُ اللَّهِ: ﴿فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا﴾ [العنكبوت: ٣] أيْ: في قَوْلِهِمْ: "آمَنّا": ﴿ولَيَعْلَمَنَّ الكاذِبِينَ﴾ [العنكبوت: ٣] أيْ: فِيهِ: وذَلِكَ بِالِامْتِحانِ. فَإنْ قِيلَ: يُتَوَهَّمُ مِن صِيغَةِ الفِعْلِ أنَّ عِلْمَهُ حَدَثَ، مَعَ أنَّهُ قَدِيمٌ. إذْ عِلْمُهُ بِالشَّيْءِ قَبْلَ وُجُودِهِ وبَعْدَهُ، لا يَتَغَيَّرُ. يُجابُ بِأنَّ الحادِثَ هو تَعَلُّقُ عِلْمِهِ بِالمَعْلُومِ بَعْدَ حُدُوثِهِ. وقالَ النّاصِرُ: فائِدَةُ ذِكْرِ العِلْمِ هاهُنا، وإنْ كانَ سابِقًا عَلى وُجُودِ المَعْلُومِ هو التَّنْبِيهُ بِالسَّبَبِ عَلى المُسَبِّبِ. وهو الجَزاءُ كَأنَّهُ قالَ تَعالى: لَيَعْلَمَنَّهم فَلْيُجازِيَنَّهم بِحَسَبِ عِلْمِهِ فِيهِمْ. وقالَ المَهايِمِيُّ: ﴿فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ﴾ [العنكبوت: ٣] أيْ: يَظْهَرُ عِلْمُهُ عِنْدَ خَلْقِهِ بِصِدْقِ إيمانِ: ﴿الَّذِينَ صَدَقُوا﴾ [العنكبوت: ٣] فِيهِ، بِدَلالَةِ ثَباتِهِمْ عَلَيْهِ عِنْدَ المَصائِبِ: ﴿ولَيَعْلَمَنَّ﴾ [العنكبوت: ٣] أيْ: ولَيَظْهَرُ عِلْمُهُ بِكَذِبِ دَعْوى: ﴿الكاذِبِينَ﴾ [العنكبوت: ٣] لِئَلّا يَشْهَدُوا عِنْدَهُ بِإيمانِ الكاذِبِينَ، فَيُنْسَبُ في تَعْذِيبِهِمْ إلى الظُّلْمِ. ولِيَثِقَ المُؤْمِنُونَ بِمَحَبَّةِ الصّادِقِينَ، ويَسْتَظْهِرُوا بِها، ويُحَذِّرُوا عَنْ مَكْرِ الكاذِبِينَ. انْتَهى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب