الباحث القرآني

(p-٤٧٣٣)القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: [٨٧ - ٨٨] ﴿ولا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آياتِ اللَّهِ بَعْدَ إذْ أُنْـزِلَتْ إلَيْكَ وادْعُ إلى رَبِّكَ ولا تَكُونَنَّ مِنَ المُشْرِكِينَ﴾ ﴿ولا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ لا إلَهَ إلا هو كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إلا وجْهَهُ لَهُ الحُكْمُ وإلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [القصص: ٨٨] ﴿ولا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آياتِ اللَّهِ بَعْدَ إذْ أُنْـزِلَتْ إلَيْكَ﴾ أيْ: عَنْ تَبْلِيغِها بَعْدَ إنْزالِها، والأمْرُ بِالصَّدْعِ بِها لِضِيقِ صَدْرِكَ مِن مَكْرِهِمْ. فَإنَّ اللَّهَ مَعَكَ، ومُعْلٍ كَلِمَتَكَ ومُؤَيِّدٌ دِينَكَ. ولِذا قالَ: ﴿وادْعُ إلى رَبِّكَ﴾ أيْ: إلى عِبادَتِهِ وحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ: ﴿ولا تَكُونَنَّ مِنَ المُشْرِكِينَ﴾ ﴿ولا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ﴾ [القصص: ٨٨] قالَ القاضِي: هَذا وما قَبْلَهُ لِلتَّهْيِيجِ وقَطْعِ أطْماعِ المُشْرِكِينَ مِن مُساعَدَتِهِ لَهم. أيْ: لِأنَّهُ لا يُتَصَوَّرُ مِنهُ ذَلِكَ حَتّى يَنْهى عَنْهُ. فَكَأنَّهُ لَمّا نَهاهُ عَنْ مُظاهَرَتِهِمْ ومُداراتِهِمْ، قالَ إنَّ ذَلِكَ مَبْغُوضٌ لِي كالشِّرْكِ. فَلا تَكُنْ مِمَّنْ يَفْعَلُهُ. أوِ المُرادُ نَهْيُ أُمَّتِهِ، وإنْ كانَ الخِطابُ لَهُ ﷺ. كَذا في (العِنايَةِ). ﴿لا إلَهَ إلا هو كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إلا وجْهَهُ﴾ [القصص: ٨٨] أيْ: إيّاهُ و(الوَجْهُ) يُعَبَّرُ بِهِ عَنِ الذّاتِ كَما قالَ: ﴿كُلُّ مَن عَلَيْها فانٍ﴾ [الرحمن: ٢٦] ﴿ويَبْقى وجْهُ رَبِّكَ ذُو الجَلالِ والإكْرامِ﴾ [الرحمن: ٢٧] وفي قَوْلِهِ تَعالى: ﴿هالِكٌ﴾ [القصص: ٨٨] وُجُوهٌ: حَمْلُهُ عَلى المُسْتَقْبَلِ، أوْ هو عُرْضَةٌ لِلْهَلاكِ والعَدَمِ، أوْ هالِكٌ في حَدِّ ذاتِهِ، لِأنَّ وُجُودَهُ لَيْسَ ذاتِيًّا بَلْ لِاسْتِنادِهِ إلى واجِبِ الوُجُودِ، فَهو بِالقُوَّةِ وبِالذّاتِ مَعْدُومٌ حالًا. والمُرادُ بِالمَعْدُومِ ما لَيْسَ لَهُ وُجُودٌ ذاتِيٌّ. لِأنَّ وُجُودَ غَيْرِهِ كَلا وُجُودٍ. إذْ هو في كُلِّ آنٍ قابِلٌ لِلْعَدَمِ. وعَنْ مُجاهِدٍ والثَّوْرِيِّ: (إلّا وجْهَهُ) أيْ: ما أُرِيدَ بِهِ وجْهُهُ. حَكاهُ البُخارِيُّ في (صَحِيحِهِ). (p-٤٧٣٤)قالَ ابْنُ جَرِيرٍ: ويَسْتَشْهِدُ مَن قالَ ذَلِكَ بِقَوْلِ الشّاعِرِ: ؎أسْتَغْفِرُ اللَّهَ ذَنْبًا، لَسْتُ مُحْصِيَهُ رَبُّ العِبادِ، إلَيْهِ الوَجْهُ والعَمَلُ قالَ ابْنُ كَثِيرٍ: وهَذا القَوْلُ لا يُنافِي القَوْلَ الأوَّلَ. فَإنَّ هَذا إخْبارٌ عَنْ كُلِّ الأعْمالِ، بِأنَّها باطِلَةٌ، إلّا ما أُرِيدَ بِهِ وجْهُ اللَّهِ تَعالى مِنَ الأعْمالِ الصّالِحَةِ المُطابِقَةِ لِلشَّرِيعَةِ. انْتَهى. وفِيهِ بُعْدٌ وتَكَلُّفٌ يُذْهِبُ رَوْنَقَ النَّظْمِ، وماءَ الفَصاحَةِ. لا سِيَّما وآيُ التَّنْزِيلِ يُفَسِّرُ بَعْضُها بَعْضًا. والآيَةُ الثّانِيَةُ الَّتِي ذَكَرْناها بِمَعْنى هَذِهِ. وتِلْكَ لا تَحْتَمِلُ ذاكَ المَعْنى، فَكَذا هَذِهِ: ﴿لَهُ الحُكْمُ﴾ [القصص: ٨٨] أيِ: القَضاءُ النّافِذُ في الخَلْقِ: ﴿وإلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [القصص: ٨٨] أيْ: يَوْمَ مَعادِكم فَيَجْزِيكم بِأعْمالِكُمْ، إنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ وإنْ شَرًّا فَشَرٌّ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب