الباحث القرآني

القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: [٧٩ - ٨٢] ﴿فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ في زِينَتِهِ قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الحَياةَ الدُّنْيا يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ إنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ ﴿وقالَ الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ ويْلَكم ثَوابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَن آمَنَ وعَمِلَ صالِحًا ولا يُلَقّاها إلا الصّابِرُونَ﴾ [القصص: ٨٠] ﴿فَخَسَفْنا بِهِ وبِدارِهِ الأرْضَ فَما كانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وما كانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ﴾ [القصص: ٨١] ﴿وأصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكانَهُ بِالأمْسِ يَقُولُونَ ويْكَأنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشاءُ مِن عِبادِهِ ويَقْدِرُ لَوْلا أنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا ويْكَأنَّهُ لا يُفْلِحُ الكافِرُونَ﴾ [القصص: ٨٢] ﴿فَخَرَجَ﴾ أيْ: قارُونُ باغِيًا: ﴿عَلى قَوْمِهِ في زِينَتِهِ﴾ أيْ: مُغْتَرًّا بِالنَّظَرِ فِيها: ﴿قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الحَياةَ الدُّنْيا﴾ أيْ: جَرْيًا عَلى سُنَنِ الجِبِلَّةِ البَشَرِيَّةِ، مِنَ الرَّغْبَةِ في السِّعَةِ واليَسارِ: ﴿يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ إنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ ﴿وقالَ الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ ويْلَكم ثَوابُ اللَّهِ خَيْرٌ﴾ [القصص: ٨٠] أيْ: مِمّا تَتَمَنَّوْنَهُ: ﴿لِمَن آمَنَ وعَمِلَ صالِحًا ولا يُلَقّاها﴾ [القصص: ٨٠] أيْ: هَذِهِ الكَلِمَةُ الَّتِي فاهَ بِها الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ. أوِ الجَنَّةُ. أوِ السِّيرَةُ والطَّرِيقَةُ، وهي الإيمانُ والعَمَلُ الصّالِحُ: ﴿إلا الصّابِرُونَ﴾ [القصص: ٨٠] أيْ: عَلى الطّاعاتِ عَنِ الشَّهَواتِ، وعَلى زِمامِ النَّفْسِ أنْ (p-٤٧٢٨)تَجْرِيَ في أعْقابِ المُزَخْرَفاتِ. و(ويْلَكَ) في الأصْلِ دُعاءٌ بِالهَلاكِ. والمُرادُ بِهِ هُنا الزَّجْرُ عَنْ هَذا التَّمَنِّي، مَجازًا. وهو مَنصُوبٌ عَلى المَصْدَرِيَّةِ: ﴿فَخَسَفْنا بِهِ وبِدارِهِ﴾ [القصص: ٨١] أيِ: المُشْتَمِلَةِ عَلى أمْوالِهِ: ﴿الأرْضَ فَما كانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ﴾ [القصص: ٨١] أيْ: بِدَفْعِ العَذابِ عَنْهُ: ﴿وما كانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ﴾ [القصص: ٨١] أيْ: بِقُوَّةِ نَفْسِهِ ومالِهِ: ﴿وأصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكانَهُ بِالأمْسِ يَقُولُونَ ويْكَأنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشاءُ مِن عِبادِهِ﴾ [القصص: ٨٢] أيْ: مِن شَقِيٍّ وسَعِيدٍ: ﴿ويَقْدِرُ﴾ [القصص: ٨٢] أيْ: يَقْبِضُ. فَلا دَلالَةَ في البَسْطِ عَلى السَّعادَةِ. ولا في القَبْضِ عَلى الشَّقاوَةِ. بَلْ يَفْعَلُ سُبْحانَهُ كُلَّ واحِدٍ مِنَ البَسْطِ والقَدْرِ بِمَحْضِ مَشِيئَتِهِ، لا لِكَرامَةٍ تُوجِبُ البَسْطَ، ولا لِهَوانٍ يَقْتَضِي القَبْضَ: ﴿لَوْلا أنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا﴾ [القصص: ٨٢] أيْ: بِعَدَمِ إيتائِهِ مُتَمَنّانا: ﴿لَخَسَفَ بِنا﴾ [القصص: ٨٢] أيْ: كَما خَسَفَ بِهِ: ﴿ويْكَأنَّهُ لا يُفْلِحُ الكافِرُونَ﴾ [القصص: ٨٢] أيْ: لِنِعْمَةِ اللَّهِ في صَرْفِها في غَيْرِ سَبِيلِها. أوِ المُكَذِّبُونَ بِرُسُلِهِ اغْتِرارًا بِزَخارِفِهِمْ. فائِدَةً: فِي ﴿ويْكَأنَّ﴾ [القصص: ٨٢] مَذاهِبُ: الأوَّلُ: أنَّ (ويْ) كَلِمَةٌ بِرَأْسِها. وهي اسْمُ فِعْلٍ، مَعْناها أعْجَبُ. أيْ: أنا. والكافُ لِلتَّعْلِيلِ. و(أنَّ) وما في حَيِّزِها مَجْرُورَةٌ بِها. أيْ: أعْجَبُ لِأنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ إلَخْ. وقِياسُ هَذا القَوْلِ أنْ يُوقَفَ عَلى (ويْ) وحْدَها، وقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ الكِسائِيُّ. الثّانِي: أنَّهُ مُرَكَّبٌ مِن (ويْ) لِلتَّعَجُّبِ (وكَأنَّ) لِلتَّشْبِيهِ. والمَعْنى: ما أشْبَهَ الأمْرَ أنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ. أيْ: ما أشْبَهَ أمْرَ الدُّنْيا والنّاسِ مُطْلَقًا إلى آخِرِ أمْرِ قارُونَ وما شُوهِدَ مِن قِصَّتِهِ. والأمْرُ مَأْخُوذٌ مِنَ الضَّمِيرِ. فَإنَّهُ لِلشَّأْنِ. والمُرادُ مِن تَشْبِيهِ الحالِ بِهَذِهِ الحالِ، أنَّهُ لِتَحَقُّقِهِ وشُهْرَتِهِ، يَصْلُحُ أنْ يُشَبَّهَ بِهِ كُلُّ شَيْءٍ. كَما أشارَ إلَيْهِ في الكَشْفِ. الثّالِثُ: قالَ بَعْضُهُمْ: (كَأنَّ) هُنا لِلتَّشْبِيهِ. إلّا أنَّهُ ذَهَبَ مِنها مَعْناهُ. وصارَتْ لِلْخَبَرِ واليَقِينِ. وهَذا أيْضًا يُناسِبُهُ الوَقْفُ عَلى (ويْ). (p-٤٧٢٩)الرّابِعُ: زَعَمَ الهَمْدانِيُّ في (الفَرائِدِ) أنَّ مَذْهَبَ سِيبَوَيْهِ والخَلِيلِ أنَّ (ويْ) لِلتَّنَدُّمِ. و(كَأنَّ) لِلتَّعَجُّبِ. والمَعْنى: نَدِمُوا مُتَعَجِّبِينَ في أنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ إلَخْ. قالَ الشِّهابُ: وكَوْنُ (كَأنَّ) لِلتَّعَجُّبِ، لَمْ يُعْهَدْ. الخامِسُ: ذَهَبَ الكُوفِيُّونَ إلى أنَّهُ مُرَكَّبٌ مِن (ويْكَ) بِمَعْنى (ويْلَكَ) فَخُفِّفَ بِحَذْفِ اللّامِ. والعامِلُ في (أنِ) اعْلَمِ، المُقَدَّرُ. والكافُ عَلى هَذا ضَمِيرٌ في مَحَلِّ جَرٍّ. وهَذا يُناسِبُ الوَقْفَ عَلى الكافِ. وقَدْ فَعَلَهُ أبُو عَمْرٍو. السّادِسُ: أنَّ (ويْكَ) كَلِمَةٌ بِرَأْسِها. والكافُ حَرْفُ خِطابٍ. ويُقَرِّبُ هَذا مِمّا قَبْلَهُ. قالَ أبُو البَقاءِ: وهو ضَعِيفٌ لِوَجْهَيْنِ: أحَدُهُما أنَّ مَعْنى الخِطابِ هُنا بَعِيدٌ. والثّانِي: أنَّ تَقْدِيرَ (ويِ) اعْلَمْ، لا نَظِيرَ لَهُ، وهو غَيْرُ سائِغٍ في كُلِّ مَوْضِعٍ. انْتَهى. السّابِعُ: أنَّ (ويْكَأنَّ) كُلَّها كَلِمَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ بَسِيطَةٌ. ومَعْناها ألَمْ تَرَ. ورُبَّما نُقِلَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. ونَقَلَ الفَرّاءُ والكِسائِيُّ أنَّها بِمَعْنى: (أما تَرى إلى صُنْعِ اللَّهِ)، وحَكى ابْنُ قُتَيْبَةَ أنَّها بِمَعْنى: (رَحْمَةٌ لَكَ) في لُغَةِ حِمْيَرَ. ولَمْ يُرْسَمْ في القُرْآنِ إلّا (ويْكَأنَّ) و(ويْكَأنَّهُ) مُتَّصِلَةٌ في المَوْضِعَيْنِ. فَعامَّةُ القُرّاءِ اتَّبَعُوا الرَّسْمَ. والكِسائِيُّ وقَفَ عَلى (ويْ) وأبُو عَمْرٍو عَلى (ويْكَ). وهَذا ما يُسْتَفادُ مِن حَواشِي القاضِي والسَّمِينِ. وعِنْدِي أنَّها مُرَكَّبَةٌ مِن (ويْ) لِلتَّعَجُّبِ و(كَأنَّ) الَّتِي لِلتَّحْقِيقِ وهي أحَدُ مَعانِيها المَعْرُوفَةِ. والوَقْفُ عَلى (ويْ). ولا يُشْكِلُ عَلى ذَلِكَ كِتابَتُها في المَصاحِفِ مُتَّصِلَةً، لِأنَّ الكِتابَةَ -كَما قالَ ابْنُ كَثِيرٍ - أمْرٌ وضْعِيٌّ اصْطِلاحِيٌّ، والمَرْجِعُ إلى اللَّفْظِ العَرَبِيِّ. وقَدِ اتَّفَقَ اللُّغَوِيُّونَ عَلى أنَّ (ويْ) كَلِمَةُ تَعَجُّبٍ. يُقالُ (ويْكَ) و(ويْ لِزَيْدٍ )، وتَدْخُلُ عَلى (كَأنِ) المُخَفَّفَةِ والمُشَدَّدَةِ، ومِن شَواهِدِ الأُولى قَوْلُ الشّاعِرِ: ؎سالَتانِي الطَّلاقَ. أنْ رَأتانِي قَلَّ مالِي. قَدْ جِئْتُمانِي بِنُكْرِ ؎ويْ كَأنْ مَن يَكُنْ لَهُ نَشَبٌ يُحْ ∗∗∗ بَبْ ومَن يَفْتَقِرْ يَعِشْ عَيْشَ ضُرِّ وهَذا البَيْتُ مِمّا يَدُلُّ عَلى ما اسْتَظْهَرَتْهُ، بَلَهَ الِاسْتِعْمالِ إلى هَذِهِ الأجْيالِ. (p-٤٧٣٠)قالَ ابْنُ كَثِيرٍ: وقَدْ ذُكِرَ هَهُنا إسْرائِيلِيّاتٌ، أضْرَبْنا عَنْها صَفْحًا. ونَحْنُ تَأسَّيْنا بِهِ، بَلْ فُقْناهُ في الإضْرابِ عَنْ كَثِيرٍ مِن مَرْوِيِّهِ، المَوْقُوفِ والضَّعِيفِ الَّذِي سُوِّدَتْ بِهِ الصُّحُفُ. ثُمَّ أشارَ تَعالى إلى مُقابِلِ حالِ قارُونَ، مِن حالِ خُلَّصِ عِبادِهِ، بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ:
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب