الباحث القرآني

القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: [٣٢ - ٣٥] ﴿اسْلُكْ يَدَكَ في جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِن غَيْرِ سُوءٍ واضْمُمْ إلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذانِكَ بُرْهانانِ مِن رَبِّكَ إلى فِرْعَوْنَ ومَلَئِهِ إنَّهم كانُوا قَوْمًا فاسِقِينَ﴾ ﴿قالَ رَبِّ إنِّي قَتَلْتُ مِنهم نَفْسًا فَأخافُ أنْ يَقْتُلُونِ﴾ [القصص: ٣٣] ﴿وأخِي هارُونُ هو أفْصَحُ مِنِّي لِسانًا فَأرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إنِّي أخافُ أنْ يُكَذِّبُونِ﴾ [القصص: ٣٤] (p-٤٧٠٥)﴿قالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأخِيكَ ونَجْعَلُ لَكُما سُلْطانًا فَلا يَصِلُونَ إلَيْكُما بِآياتِنا أنْتُما ومَنِ اتَّبَعَكُما الغالِبُونَ﴾ [القصص: ٣٥] ﴿اسْلُكْ يَدَكَ في جَيْبِكَ﴾ أيْ: أدْخِلْها فِيهِ: ﴿تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِن غَيْرِ سُوءٍ﴾ أيْ: عَيْبٍ: ﴿واضْمُمْ إلَيْكَ جَناحَكَ﴾ أيْ: يَدَكَ: ﴿مِنَ الرَّهْبِ﴾ أيِ: الخَوْفِ. قُرِئَ بِفَتْحَتَيْنِ، وضَمَّتَيْنِ، وفَتْحٍ وسُكُونٍ، وضَمٍّ وسُكُونٍ. قالَ ابْنُ أسْلَمَ وابْنُ جَرِيرٍ: مِمّا حَصَلَ لَكَ مِن خَوْفِكَ مِنَ الحَيَّةِ قالَ ابْنُ كَثِيرٍ: والظّاهِرُ أنَّ المُرادَ أعَمُّ مِن هَذا. وهو أنَّهُ أُمِرَ عَلَيْهِ السَّلامُ، إذا خافَ مِن شَيْءٍ، أنْ يَضُمَّ إلَيْهِ يَدَهُ، فَإذا فَعَلَ ذَلِكَ ذَهَبَ عَنْهُ ما يَجِدُهُ مِنَ الخَوْفِ. ورُبَّما اسْتَعْمَلَ أحَدٌ ذَلِكَ، عَلى سَبِيلِ الِاقْتِداءِ، فَوَضَعَ يَدَهُ عَلى فُؤادِهِ، فَإنَّهُ يَزُولُ عَنْهُ ما يَجِدُ أوْ يَخِفُّ إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى. وبِهِ الثِّقَةُ ﴿فَذانِكَ﴾ إشارَةٌ إلى العَصا واليَدِ: ﴿بُرْهانانِ مِن رَبِّكَ إلى فِرْعَوْنَ ومَلَئِهِ إنَّهم كانُوا قَوْمًا فاسِقِينَ﴾ ﴿قالَ رَبِّ إنِّي قَتَلْتُ مِنهم نَفْسًا فَأخافُ أنْ يَقْتُلُونِ﴾ [القصص: ٣٣] ﴿وأخِي هارُونُ هو أفْصَحُ مِنِّي لِسانًا﴾ [القصص: ٣٤] أيْ: فَيَكُونُ أحْسَنَ بَيانًا. ولا يَتَحَمَّلُ ذَلِكَ ما لَمْ يُكَلَّفْ بِمِثْلِ ما كُلِّفْتُ بِهِ: ﴿فَأرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا﴾ [القصص: ٣٤] أيْ: مُعِينًا: ﴿يُصَدِّقُنِي﴾ [القصص: ٣٤] أيْ: لِنَشاطِ قَلْبِي: ﴿إنِّي أخافُ أنْ يُكَذِّبُونِ﴾ [القصص: ٣٤] أيْ: يَتَّفِقُوا عَلى تَكْذِيبِي المُؤَدِّي إلى أنْواعِ الأذِيّاتِ. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإنْ قُلْتَ: تَصْدِيقُ أخِيهِ، ما الفائِدَةُ فِيهِ؟ قُلْتُ: لَيْسَ الغَرَضُ بِتَصْدِيقِهِ أنْ يَقُولَ لَهُ: صَدَقْتَ، أوْ يَقُولُ لِلنّاسِ: صَدَقَ مُوسى، وإنَّما هو أنْ يُلَخِّصَ بِلِسانِهِ الحَقَّ ويَبْسُطَ القَوْلَ فِيهِ ويُجادِلَ بِهِ الكُفّارَ، كَما يَفْعَلُ الرَّجُلُ المِنطِيقُ ذُو العارِضَةِ. فَذَلِكَ جارٍ مَجْرى التَّصْدِيقِ المُفِيدِ، كَما يُصَدِّقُ القَوْلَ بِالبُرْهانِ. ألا تَرى إلى قَوْلِهِ: ﴿وأخِي هارُونُ هو أفْصَحُ مِنِّي لِسانًا فَأرْسِلْهُ مَعِيَ﴾ [القصص: ٣٤] وفَضْلُ الفَصاحَةِ إنَّما يَحْتاجُ إلَيْهِ لِذَلِكَ. لا لِقَوْلِهِ صَدَقْتَ. فَإنْ سَحْبانَ وباقِلا يَسْتَوِيانِ فِيهِ. أوْ يَصِلُ جَناحَ كَلامِهِ بِالبَيانِ حَتّى يُصَدِّقَهُ الَّذِي يَخافُ تَكْذِيبَهُ. فَأسْنَدَ التَّصْدِيقَ إلى هارُونَ لِأنَّهُ السَّبَبُ فِيهِ، إسْنادًا مَجازِيًّا. انْتَهى ﴿قالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأخِيكَ﴾ [القصص: ٣٥] أيْ: سَنُقَوِّيكَ بِهِ ونُعِينُكَ. (p-٤٧٠٦)قالَ الشِّهابُ: والشَّدُّ التَّقْوِيَةُ، والعَضُدُ مِنَ اليَدِ مَعْرُوفٌ. فَهو إمّا كِنايَةٌ تَلْوِيحِيَّةٌ عَنْ تَقْوِيَتِهِ، لِأنَّ اليَدَ تَشُدُّ بِشِدَّةِ العَضُدِ، والجُمْلَةُ تَشْتَدُّ بِشِدَّةِ اليَدِ، ولا مانِعَ مِنَ الحَقِيقَةِ كَما تَوَهَّمَ. أوِ اسْتِعارَةٌ تَمْثِيلِيَّةٌ. شَبَّهَ حالَ مُوسى في تَقْوِيَتِهِ بِأخِيهِ عَلَيْهِما السَّلامُ، بِحالِ اليَدِ في تَقْوِيَتِها بِيَدٍ شَدِيدَةٍ ﴿ونَجْعَلُ لَكُما سُلْطانًا﴾ [القصص: ٣٥] أيْ: غَلَبَةً ومَهابَةً في قُلُوبِهِمْ أوْ حُجَّةً: ﴿فَلا يَصِلُونَ إلَيْكُما﴾ [القصص: ٣٥] أيْ: بِإيذاءٍ، فَضْلًا عَنِ القَتْلِ: ﴿بِآياتِنا﴾ [القصص: ٣٥] مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ أيِ: اذْهَبا بِآياتِنا. أوْ بِـ(نَجْعَلُ) أيْ: نُسَلِّطُكُما بِها أوْ بِمَعْنى: (لا يَصِلُونَ) أيْ: تَمْتَنِعُونَ مِنهم بِها. أوْ قَسَمٌ، جَوابُهُ (لا يَصِلُونَ) مُقَدَّرٌ. أوْ صِلَةٌ لِـ(الغالِبُونَ) في قَوْلِهِ: ﴿أنْتُما ومَنِ اتَّبَعَكُما الغالِبُونَ﴾ [القصص: ٣٥] وتَقَدُّمُهُ، إمّا لِلْفاصِلَةِ أوْ لِلْحَصْرِ. أيِ: الغالِبُونَ عَلَيْهِمْ، وإنْ غَلَبُوكم وغَلَبُوا العالَمِينَ قَبْلَكم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب