الباحث القرآني

القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: [٨٥ - ٨٩] ﴿ووَقَعَ القَوْلُ عَلَيْهِمْ بِما ظَلَمُوا فَهم لا يَنْطِقُونَ﴾ ﴿ألَمْ يَرَوْا أنّا جَعَلْنا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ والنَّهارَ مُبْصِرًا إنَّ في ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [النمل: ٨٦] ﴿ويَوْمَ يُنْفَخُ في الصُّورِ فَفَزِعَ مَن في السَّماواتِ ومَن في الأرْضِ إلا مَن شاءَ اللَّهُ وكُلٌّ أتَوْهُ داخِرِينَ﴾ [النمل: ٨٧] ﴿وتَرى الجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وهي تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ﴾ [النمل: ٨٨] ﴿مَن جاءَ بِالحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنها وهم مِن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ﴾ [النمل: ٨٩] ﴿ووَقَعَ القَوْلُ﴾ أيْ: مَدْلُولُهُ وهو العِقابُ المَوْعُودُونَ بِهِ: ﴿عَلَيْهِمْ بِما ظَلَمُوا فَهم لا يَنْطِقُونَ﴾ ﴿ألَمْ يَرَوْا أنّا جَعَلْنا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ والنَّهارَ مُبْصِرًا﴾ [النمل: ٨٦] أيْ: لِيُبْصِرُوا، بِما فِيهِ مِنَ الإضاءَةِ طُرُقَ التَّقَلُّبِ في أُمُورِ المَعاشِ: ﴿إنَّ في ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [النمل: ٨٦] ﴿ويَوْمَ يُنْفَخُ (p-٤٦٨٩)فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن في السَّماواتِ ومَن في الأرْضِ إلا مَن شاءَ اللَّهُ وكُلٌّ أتَوْهُ﴾ [النمل: ٨٧] أيْ: حَضَرُوا المَوْقِفَ بَيْنَ يَدَيْهِ: ﴿داخِرِينَ﴾ [النمل: ٨٧] أيْ: صاغِرِينَ: ﴿وتَرى الجِبالَ﴾ [النمل: ٨٨] عَطْفٌ عَلى ﴿يُنْفَخُ﴾ [النمل: ٨٧] داخِلٌ في حُكْمِ التَّذْكِيرِ: ﴿تَحْسَبُها جامِدَةً﴾ [النمل: ٨٨] أيْ: ثابِتَةً في أماكِنِها: ﴿وهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ﴾ [النمل: ٨٨] أيْ: في تَخَلُّلِ أجْزائِها وانْتِفاشِها. كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وتَكُونُ الجِبالُ كالعِهْنِ المَنفُوشِ﴾ [القارعة: ٥] ﴿صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ﴾ [النمل: ٨٨] أيْ: فَيُجازِيهِمْ عَلَيْهِ. تَنْبِيهٌ: ما ذَكَرْناهُ في تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ هو ما ذَهَبَ إلَيْهِ كَثِيرٌ. قالُوا: المُرادُ بِهَذِهِ الآيَةِ تَسْيِيرُ الجِبالِ الَّذِي يَحْصُلُ يَوْمَ القِيامَةِ، حِينَما يُبِيدُ اللَّهُ تَعالى العَوالِمَ، كَما قالَ: ﴿وسُيِّرَتِ الجِبالُ فَكانَتْ سَرابًا﴾ [النبإ: ٢٠] وكَما قالَ: ﴿وإذا الجِبالُ نُسِفَتْ﴾ [المرسلات: ١٠] وقالَ: ﴿وتَكُونُ الجِبالُ كالعِهْنِ المَنفُوشِ﴾ [القارعة: ٥] وقالَ بَعْضُ عُلَماءِ الفَلَكِ: لا يُمْكِنُ أنْ يَكُونَ المُرادُ بِهَذِهِ الآيَةِ ما قالُوهُ، لِعِدَّةِ وُجُوهٍ: الأوَّلُ: أنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿وتَرى الجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً﴾ [النمل: ٨٨] لا يُناسِبُ مَقامَ التَّهْوِيلِ والتَّخْوِيفِ إذا أُرِيدَ بِها بِما يَحْصُلُ يَوْمَ القِيامَةِ. وكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [النمل: ٨٨] لا يُناسِبُ مَقامَ الإهْلاكِ والإبادَةِ، عَلى أنَّ مَحَلَّ هَذِهِ الآيَةِ عَلى المُسْتَقْبَلِ، مَعَ أنَّها صَرِيحَةٌ في إرادَةِ الحالِ، شَيْءٌ لا مُوجِبَ لَهُ. وهو خِلافُ الظّاهِرِ مِنها. الثّانِي: أنَّ سَيْرَ الجِبالِ لِلْفَناءِ يَوْمَ القِيامَةِ، يَحْصُلُ عِنْدَ خَرابِ العالَمِ وإهْلاكِ جَمِيعِ الخَلائِقِ وهَذا شَيْءٌ لا يَراهُ أحَدٌ مِنَ البَشَرِ كَما قالَ: ﴿ونُفِخَ في الصُّورِ فَصَعِقَ مَن في السَّماواتِ ومَن في الأرْضِ إلا مَن شاءَ اللَّهُ﴾ [الزمر: ٦٨] أيْ: مِنَ المَلائِكَةِ. فَما مَعْنى قَوْلِهِ إذَنْ: ﴿وتَرى الجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً﴾ [النمل: ٨٨] (p-٤٦٩٠)الثّالِثُ: أنَّ تَسْيِيرَ الجِبالِ الَّذِي يَحْصُلُ يَوْمَ القِيامَةِ، إذا رَآهُ أحَدٌ شَعَرَ بِهِ. لِأنَّهُ ما دامَ وضْعُها يَتَغَيَّرُ بِالنِّسْبَةِ لِلْإنْسانِ، فَيَحُسُّ بِحَرَكَتِها. وهَذا يُنافِي قَوْلَهُ تَعالى: ﴿تَحْسَبُها جامِدَةً﴾ [النمل: ٨٨] أيْ: ثابِتَةً. أمّا في الدُّنْيا فَلا نَشْعُرُ بِحَرَكَتِها، لِأنَّنا نَتَحَرَّكُ مَعَها ولا يَتَغَيَّرُ وضْعُنا بِالنِّسْبَةِ لَها. وهَذا بِخِلافِ ما يَحْصُلُ يَوْمَ القِيامَةِ. فَإنَّ الجِبالَ تَنْفَصِلُ عَنِ الأرْضِ وتُنْسَفُ نَسْفًا. وهَذا شَيْءٌ يَراهُ كُلُّ واقِفٍ عِنْدَها. الرّابِعُ: وُرُودُ هَذِهِ الآيَةِ في سِياقِ الكَلامِ عَلى يَوْمِ القِيامَةِ، لِوُرُودِ آيَةِ: ﴿ألَمْ يَرَوْا أنّا جَعَلْنا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ والنَّهارَ مُبْصِرًا﴾ [النمل: ٨٦] المَذْكُورَةِ قَبْلَها في نَفْسِ هَذا السِّياقِ، والمُرادُ بِهِما ذِكْرُ شَيْءٍ مِن دَلائِلِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعالى، المُشاهَدَةِ آثارُها في هَذا العالَمِ الآنَ مِن حَرَكَةِ الأرْضِ وحُدُوثِ اللَّيْلِ والنَّهارِ، لِيَكُونَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلى قُدْرَتِهِ عَلى البَعْثِ والنُّشُورِ يَوْمَ القِيامَةِ فَإنَّ القادِرَ عَلى ضَبْطِ حَرَكاتِ هَذِهِ الأجْرامِ العَظِيمَةِ، لا يَصْعُبُ عَلَيْهِ أنْ يُعِيدَ الإنْسانَ، وأنْ يَضْبُطَ حَرَكاتِهِ وأعْمالَهُ ويُحْصِيَها عَلَيْهِ. ولِذَلِكَ خَتَمَ هَذِهِ الآيَةَ بِقَوْلِهِ: ﴿إنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ﴾ [النمل: ٨٨] فَذِكْرُ هَذِهِ الأشْياءِ في هَذا السِّياقِ، هو كَذِكْرِ الدَّلِيلِ مَعَ المَدْلُولِ، أوِ الحُجَّةِ مَعَ الدَّعْوى. وهي سُنَّةُ القُرْآنِ الكَرِيمِ. فَإنَّكَ تَجِدُ الدَّلائِلَ مُنْبَثَّةً بَيْنَ دَعاوِيهِ دائِمًا، حَتّى لا يَحْتاجَ الإنْسانُ لِدَلِيلٍ آخَرَ خارِجٍ عَنْها. وذَلِكَ شَيْءٌ مُشاهَدٌ في القُرْآنِ مِن أوَّلِهِ إلى آخِرِهِ. اهـ كَلامُهُ. وقالَ العَلّامَةُ المَرْجانِيُّ في مُقَدِّمَةِ كِتابِهِ (وفِيَّةُ الأسْلافِ، وتَحِيَّةُ الأخْلافِ) في بَحْثِ عِلْمِ الهَيْئَةِ، ما مِثالُهُ: ويَدُلُّ عَلى حَرَكَةِ الأرْضِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وتَرى الجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وهي تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ﴾ [النمل: ٨٨] الآيَةَ. فَإنَّهُ خِطابٌ لِجَنابِ الرَّسُولِ ﷺ، وإيذانُ الأمْرِ لَهُ بِالأصالَةِ مَعَ اشْتِراكِ غَيْرِهِ في هَذِهِ الرُّؤْيَةِ. وحُسْبانُ جُمُودِ الجِبالِ وثَباتِها عَلى مَكانِها، مَعَ كَوْنِها مُتَحَرِّكَةً في الواقِعِ بِحَرَكَةِ الأرْضِ، ودَوامِ مُرُورِها مَرَّ السَّحابِ في سُرْعَةِ السَّيْرِ والحَرَكَةِ. قالَ: وقَوْلُهُ: ﴿صُنْعَ اللَّهِ﴾ [النمل: ٨٨] مِنَ المَصادِرِ المُؤَكِّدَةِ لِنَفْسِها. وهو مَضْمُونُ الجُمْلَةِ السّابِقَةِ. يَعْنِي أنَّ هَذا المُرُورَ هو صُنْعُ اللَّهِ. (p-٤٦٩١)كَقَوْلِهِ تَعالى: "وعْدَ اللَّهِ"، ﴿صِبْغَةَ اللَّهِ﴾ [البقرة: ١٣٨] ثُمَّ الصُّنْعُ هو عَمَلُ الإنْسانِ، بَعْدَ تَدَرُّبٍ فِيهِ وتَرَوٍّ وتَحَرِّي إجادَةٍ. ولا يُسَمّى كُلُّ عَمَلٍ صِناعَةً، ولا كُلُّ عامِلٍ صانِعًا حَتّى يَتَمَكَّنَ فِيهِ ويَتَدَرَّبَ ويُنْسَبَ إلَيْهِ. وقَوْلُهُ: ﴿الَّذِي أتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [النمل: ٨٨] كالبُرْهانِ عَلى إتْقانِهِ، والدَّلِيلِ عَلى إحْكامِ خِلْقَتِهِ، وتَسْوِيَتِهِ مُرُورَهُ عَلى ما يَنْبَغِي. لِأنَّ إتْقانَ كُلِّ شَيْءٍ، يَتَناوَلُ إتْقانَهُ. فَهو تَثْنِيَةٌ لِلْمُرادِ وتَكْرِيرٌ لَهُ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ومَن كَفَرَ فَإنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ العالَمِينَ﴾ [آل عمران: ٩٧] قالَ: وقَدِ اشْتَمَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ عَلى وُجُوهٍ مِنَ التَّأْكِيدِ، وأنْحاءٍ مِنَ المُبالَغَةِ. فَمِن ذَلِكَ تَعْبِيرُهُ (بِالصُّنْعِ) الَّذِي هو الفِعْلُ الجَمِيلُ المُتْقَنُ المُشْتَمِلُ عَلى الحِكْمَةِ. وإضافَتُهُ إلَيْهِ تَعالى تَعْظِيمًا لَهُ وتَحْقِيقًا لِإتْقانِهِ وحُسْنِ أعْمالِهِ. ثُمَّ تَوْصِيفُهُ سُبْحانَهُ بِإتْقانِ كُلِّ شَيْءٍ، ومِن جُمْلَتِهِ هَذِهِ المُرُورُ. ثُمَّ إيرادُهُ بِالجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ الدّالَّةِ عَلى دَوامِ هَذِهِ الحالَةِ واسْتِمْرارِها مَدى الدُّهُورِ. ثُمَّ التَّقْيِيدُ بِالحالِ، لِتَدُلَّ عَلى أنَّها لا تَنْفَكُّ عَنْها دائِمًا. فَإنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿وهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ﴾ [النمل: ٨٨] حالٌ مِنَ المَفْعُولِ بِهِ، وهو الجِبالُ. ومَعْمُولٌ لِفِعْلِهِ الَّذِي هو رُؤْيَتُها عَلى تِلْكَ الحالِ. فَهَذِهِ الآيَةُ صَرِيحَةٌ في دَلالَتِها عَلى حَرَكَةِ الأرْضِ ومُرُورِ الجِبالِ مَعَها في هَذِهِ النَّشْأةِ. ولَيْسَ يُمْكِنُ حَمْلُها عَلى أنَّ ذَلِكَ يَقَعُ في النَّشْأةِ الآخِرَةِ، أوْ عِنْدَ قِيامِ السّاعَةِ وفَسادِ العالَمِ وخُرُوجِهِ عَنْ مُتَعاهِدِ النِّظامِ. وأنَّ حُسْبانَها جامِدَةً لِعَدَمِ تَبَيُّنِ حَرَكَةِ كِبارِ الأجْرامِ إذا كانَتْ في سَمْتٍ واحِدٍ. فَإنَّ ذَلِكَ لا يُلائِمُ المَقْصُودَ مِنَ التَّهْوِيلِ عَلى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ. عَلى أنَّ ذَلِكَ نَقْضٌ وإهْدامٌ، ولَيْسَ مِن صُنْعٍ وإحْكامٍ. قالَ: والعَجَبُ مِن حُذّاقِ العُلَماءِ المُفَسِّرِينَ، عَدَمُ تَعَرُّضِهِمْ لِهَذا المَعْنى، مَعَ ظُهُورِهِ واشْتِمالِ الكُتُبِ الحُكْمِيَّةِ عَلى قَوْلِ بَعْضِ القُدَماءِ. مَعَ أنَّهُ أوْلى وأحَقُّ مِن تَنْزِيلِ مُحْتَمِلاتِ كِتابِ اللَّهِ عَلى القِصَصِ الواهِيَةِ الإسْرائِيلِيَّةِ، عَلى ما شَحَنُوا بِها كُتُبَهم. ولَيْسَ هَذا بِخارِجٍ عَنْ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعالى، ولا بَعِيدٍ عَنْ حِكْمَتِهِ، ولا القَوْلُ بِهِ بِمُصادِمٍ لِلشَّرِيعَةِ والعَقِيدَةِ الحَقَّةِ، بَعْدَ أنْ تَعْتَقِدَ أنَّ كُلَّ شَيْءٍ حادِثٌ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعالى وإرادَتِهِ وخَلْقِهِ بِالِاخْتِيارِ، كائِنًا ما كانَ، وهو العَلِيُّ الكَبِيرُ، وعَلى ما يَشاءُ قَدِيرٌ. (p-٤٦٩٢)واعْلَمْ أنَّ هَذِهِ الآيَةَ وما قَبْلَها مِن قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ألَمْ يَرَوْا أنّا جَعَلْنا اللَّيْلَ﴾ [النمل: ٨٦] الآيَةَ. اعْتِراضٌ في تَضاعِيفِ ما ساقَهُ مِنَ الآياتِ الدّالَّةِ عَلى أحْوالِ الحَشْرِ وأهْوالِ القِيامَةِ، كاعْتِراضِ تَوْصِيَةِ الإنْسانِ بِوالِدَيْهِ في تَضاعِيفِ قِصَّةِ لُقْمانَ. ومِثْلُ ذَلِكَ لَيْسَ بِعَزِيزٍ في القُرْآنِ. وفائِدَتُهُ هُنا، التَّنْبِيهُ عَلى سُرْعَةِ تَقَضِّي الآجالِ ومُضِيِّ الآمادِ. والتَّهْوِيلُ مِن هُجُومِ ساعَةِ المَوْتِ وقُرْبِ وُرُودِ وقْتِ المَعادِ. فَإنَّ انْقِضاءَ الأزْمانِ، وتَقَضِّي الأوانِ، إنَّما هو بِالحَرَكَةِ اليَوْمِيَّةِ المارَّةِ عَلى هَذِهِ السُّرْعَةِ المُنْطَبِقَةِ عَلى أحْوالِ الإنْسانِ. وهَذا المُرُورُ وإنْ لَمْ يَكُنْ مُبْصَرًا مَحْسُوسًا، لَكِنْ ما يَنْبَعِثُ مِنهُ تَبَدُّلُ الأحْوالِ، بِما يَطْرَأُ مِن تَعاقُبِ اللَّيْلِ والنَّهارِ وغَيْرِهِ، بِمَنزِلَةِ المَحْسُوسِ المُبْصَرِ: ﴿فاعْتَبِرُوا يا أُولِي الأبْصارِ﴾ [الحشر: ٢] فَيَكُونُ هَذا مُعْجِزَةً لِلنَّبِيِّ ﷺ، مَخْصُوصَةً بِهِ، إذْ لَمْ يُخْبِرْ بِهِ غَيْرَهُ مِنَ الأنْبِياءِ. فَلَيْسَ بِمُمْكِنٍ حَمْلُ الآيَةِ عَلى تَسْيِيرِ الجِبالِ الواقِعِ عِنْدَ قِيامِ السّاعَةِ ووَفاءِ النَّشْأةِ الآخِرَةِ. إذْ لَيْسَ هو مِنَ (الصُّنْعِ) في شَيْءٍ. بَلْ هو إفْسادُ أحْوالِ الكائِناتِ، وإخْلالُ نِظامِ العالَمِ، وإهْلاكُ بَنِي آدَمَ. اهـ.كَلامُ المَرْجانِيِّ. ﴿مَن جاءَ بِالحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنها وهم مِن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ﴾ [النمل: ٨٩] أيْ: لا يَعْتَرِيهِمْ ذَلِكَ الفَزَعُ الهائِلُ. وقُرِئَ: (فَزَعِ يَوْمِئِذٍ) بِالإضافَةِ وكَسْرِ المِيمِ وفَتْحِها. وفَزَعٍ مُنَوَّنًا وفَتْحِ المِيمِ، عَلى أنَّهُ ظَرْفٌ (لِآمِنُونَ) أوِ المَحْذُوفُ هو صِفَةٌ لِلْفَزَعِ. والتَّنْوِينُ في (يَوْمِئِذٍ) عِوَضٌ عَنْ جُمْلَةٍ مَحْذُوفَةٍ، أيْ: يَوْمَ إذا جاءُوا بِالحَسَنَةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب