الباحث القرآني

القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: [٧٧ - ٨١] ﴿وإنَّهُ لَهُدًى ورَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ ﴿إنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهم بِحُكْمِهِ وهو العَزِيزُ العَلِيمُ﴾ [النمل: ٧٨] ﴿فَتَوَكَّلْ عَلى اللَّهِ إنَّكَ عَلى الحَقِّ المُبِينِ﴾ [النمل: ٧٩] ﴿إنَّكَ لا تُسْمِعُ المَوْتى ولا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إذا ولَّوْا مُدْبِرِينَ﴾ [النمل: ٨٠] ﴿وما أنْتَ بِهادِي العُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إنْ تُسْمِعُ إلا مَن يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهم مُسْلِمُونَ﴾ [النمل: ٨١] ﴿وإنَّهُ لَهُدًى ورَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ أيْ: بِما فِيهِ مِن إقامَةِ الدَّلائِلِ ورَفْعِ الشُّبَهِ الَّتِي يَعْقِلُها المُؤْمِنُونَ المُنْصِفُونَ المُصَدِّقُونَ بِالحَقِّ، المُذْعِنُونَ لَهُ: ﴿إنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهم بِحُكْمِهِ﴾ [النمل: ٧٨] أيْ: بَيْنَ مَن آمَنَ بِالقُرْآنِ ومَن كَفَرَ بِهِ، بِعَدْلِهِ وحِكْمَتِهِ: ﴿وهُوَ العَزِيزُ﴾ [النمل: ٧٨] أيْ: فَلا يُرَدُّ قَضاؤُهُ الغالِبُ (p-٤٦٨٥)فِي انْتِقامِهِ مِنَ المُبْطِلِينَ: ﴿العَلِيمُ﴾ [النمل: ٧٨] أيْ: بِالفَصْلِ بَيْنَهم وبَيْنَ المُحِقِّينَ. ثُمَّ أمَرَهُ تَعالى بِقِلَّةِ المُبالاةِ بِأعْدائِهِ، وبِالمُضِيِّ في دَعْوَتِهِ وانْتِظارِ الوَعْدِ الحَقِّ، بِقَوْلِهِ: ﴿فَتَوَكَّلْ عَلى اللَّهِ إنَّكَ عَلى الحَقِّ المُبِينِ﴾ [النمل: ٧٩] أيِ: الأبْلَجِ الَّذِي لا رَيْبَ فِيهِ. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وفِيهِ بَيانُ أنَّ صاحِبَ الحَقِّ حَقِيقٌ بِالوُثُوقِ بِصُنْعِ اللَّهِ وبِنُصْرَتِهِ، وأنَّ مِثْلَهُ لا يُخْذَلُ. ثُمَّ أشارَ تَعالى إلى كِفايَةِ نَفْعِ دَعْوَتِهِ لِلْمُؤْمِنِينَ، الَّذِينَ هم أوْلِياؤُهُ وحِزْبُهُ، وإلى أنَّ الكُلَّ لا يُرْجى مِنهُمُ الهِدايَةُ، كَآيَةِ: ﴿وما أكْثَرُ النّاسِ ولَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ﴾ [يوسف: ١٠٣] تَسْلِيَةً عَمّا كانَ يُهِمُّهُ مِن إيمانِهِمْ، بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿إنَّكَ لا تُسْمِعُ المَوْتى ولا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إذا ولَّوْا مُدْبِرِينَ﴾ [النمل: ٨٠] ﴿وما أنْتَ بِهادِي العُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إنْ تُسْمِعُ إلا مَن يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهم مُسْلِمُونَ﴾ [النمل: ٨١] قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: شُبِّهُوا بِالمَوْتى وهم أحْياءٌ صِحاحُ الحَواسِّ، لِأنَّهم إذا سَمِعُوا ما يُتْلى عَلَيْهِمْ مِن آياتِ اللَّهِ فَكانُوا أقْماعَ القَوْلِ، لا تَعِيهِ آذانُهم. وكانَ سَماعُهم كَلا سَماعٍ. كانَتْ حالُهُمْ، لِانْتِفاءِ جَدْوى السَّماعِ، كَحالِ المَوْتى الَّذِينَ فَقَدُوا مُصَحِّحَ السَّماعِ، وكَذَلِكَ تَشْبِيهُهم بِالصُّمِّ الَّذِينَ يَنْعَقُ بِهِمْ فَلا يَسْمَعُونَ. وشُبِّهُوا بِالعُمْيِ حَيْثُ يَضِلُّونَ الطَّرِيقَ ولا يَقْدِرُ أحَدٌ أنْ يَنْزِعَ ذَلِكَ عَنْهُمْ، وأنْ يَجْعَلَهم هُداةً بُصَراءَ، إلّا اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ. فَإنْ قُلْتَ: ما مَعْنى قَوْلِهِ: ﴿إذا ولَّوْا مُدْبِرِينَ﴾ [النمل: ٨٠] قُلْتُ: هو تَأْكِيدٌ لِحالِ الأصَمِّ. لِأنَّهُ إذا تَباعَدَ عَنِ الدّاعِي، بِأنْ يُوَلِّيَ عَنْهُ مُدْبِرًا، كانَ أبْعَدَ عَنْ إدْراكِ صَوْتِهِ. انْتَهى. وإيرادُ قَوْلِهِ: ﴿وما أنْتَ بِهادِي العُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ﴾ [النمل: ٨١] إثْرَ ما تَقَدَّمَ، لِلْمُبالَغَةِ في نَفْيِ الهِدايَةِ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنْ تُسْمِعُ إلا مَن يُؤْمِنُ بِآياتِنا﴾ [النمل: ٨١] أيْ: ما تُسْمِعُ سَماعًا يُجْدِي السّامِعَ نَفْعًا، إلّا مَن شَأْنُهُ الإيمانُ بِها ﴿فَهم مُسْلِمُونَ﴾ [النمل: ٨١] تَعْلِيلٌ لِإيمانِهِمْ بِها. كَأنَّهُ قِيلَ: فَإنَّهم مُنْقادُونَ لِلْحَقِّ. وقِيلَ: مَعْناهُ مُخْلِصُونَ، مِن قَوْلِهِ: ﴿بَلى مَن أسْلَمَ وجْهَهُ لِلَّهِ﴾ [البقرة: ١١٢] يَعْنِي جَعَلَهُ سالِمًا لِلَّهِ خالِصًا لَهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب