الباحث القرآني
(p-٤٦٧٠)القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[٤٣ - ٤٤] ﴿وصَدَّها ما كانَتْ تَعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ إنَّها كانَتْ مِن قَوْمٍ كافِرِينَ﴾ ﴿قِيلَ لَها ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمّا رَأتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها قالَ إنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِن قَوارِيرَ قالَتْ رَبِّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وأسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ﴾ [النمل: ٤٤]
﴿وصَدَّها﴾ أيْ: وكانَ صَدُّها عَنِ الهِدايَةِ: ﴿ما كانَتْ تَعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ إنَّها كانَتْ مِن قَوْمٍ كافِرِينَ﴾ ﴿قِيلَ لَها ادْخُلِي الصَّرْحَ﴾ [النمل: ٤٤] أيِ: القَصْرَ، أوْ صَحْنَ الدّارِ وكانَ سُلَيْمانُ عَلَيْهِ السَّلامُ اتَّخَذَ قَصْرًا بَدِيعًا مِن زُجاجٍ، فَأرادَ أنْ يُرِيَها مِنهُ عَظَمَةَ مُلْكِهِ وسُلْطانِهِ، ومِقْدارُ ما آثَرَهُ اللَّهُ بِهِ: ﴿فَلَمّا رَأتْهُ﴾ [النمل: ٤٤] أيْ: صَحْنَهُ: ﴿حَسِبَتْهُ لُجَّةً﴾ [النمل: ٤٤] أيْ: ماءً عَظِيمًا: ﴿وكَشَفَتْ﴾ [النمل: ٤٤] أيْ: لِلْخَوْضِ فِيهِ: ﴿عَنْ ساقَيْها قالَ إنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ﴾ [النمل: ٤٤] أيْ: مُمَلَّسٌ: ﴿مِن قَوارِيرَ﴾ [النمل: ٤٤] أيْ: مِنَ الزُّجاجِ: ﴿قالَتْ رَبِّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي﴾ [النمل: ٤٤] أيْ: بِكُفْرِها السّالِفِ وعِبادَتِها وقَوْمِها الشَّمْسَ: ﴿وأسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ﴾ [النمل: ٤٤] أيْ: مُتابَعَةً لَهُ في دِينِهِ وعِبادَتِهِ لِلَّهِ وحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ.
تَنْبِيهاتٌ:
الأوَّلُ: رَوى كَثِيرٌ مِنَ المُفَسِّرِينَ هَهُنا أقاصِيصَ لَمْ تَصِحَّ سَنَدًا ولا مُخْبِرًا. وما هَذا سَبِيلُهُ، فَلا يَسُوغُ نَقْلُهُ ورِوايَتُهُ.
قالَ الحافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ، بَعْدَ أنْ ساقَ ما رَواهُ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ عَنْ عَطاءٍ مُسْتَحْسِنًا لَهُ، ما مِثالُهُ: قُلْتُ: بَلْ هو مُنْكَرٌ غَرِيبٌ جِدًّا. ولَعَلَّهُ مِن أوْهامِ عَطاءِ بْنِ السّائِبِ عَلى ابْنِ عَبّاسٍ، واللَّهُ أعْلَمُ.
ثُمَّ قالَ: والأقْرَبُ في مِثْلِ هَذِهِ السِّياقاتِ أنَّها مُتَلَقّاةٌ عَنْ أهْلِ الكِتابِ، مِمّا وُجِدَ في صُحُفِهِمْ. كَرِواياتِ كَعْبٍ ووَهْبٍ، سامَحَهُما اللَّهُ تَعالى، فِيما نَقَلاهُ إلى هَذِهِ الأُمَّةِ مِن أخْبارِ بَنِي إسْرائِيلَ، مِنَ الأوابِدِ والغَرائِبِ والعَجائِبِ. مِمّا كانَ ومِمّا لَمْ يَكُنْ. ومِمّا حُرِّفَ وبُدِّلَ ونُسِخَ.
(p-٤٦٧١)وقَدْ أغْنانا اللَّهُ سُبْحانَهُ عَنْ ذَلِكَ بِما هو أصَحُّ مِنهُ وأنْفَعُ وأوْضَحُ وأبْلَغُ، ولِلَّهِ الحَمْدُ والمِنَّةُ.
الثّانِي: أُشِيرَ في (التَّوْراةِ) في الفَصْلِ الرّابِعِ مِن سِفْرِ المُلُوكِ الثّالِثِ إلى تَفْصِيلِ نَبَأِ سُلَيْمانَ عَلَيْهِ السَّلامُ وعَظَمَةِ مُلْكِهِ وسُلْطانِهِ. ومِمّا جاءَ فِيهِ أنَّ سُلَيْمانَ كانَ مُتَسَلِّطًا عَلى جَمِيعِ المَمالِكِ مِن نَهْرِ الفُراتِ إلى أرْضِ فِلَسْطِينَ وإلى تُخُمِ مِصْرَ. وإنَّ مُلُوكَ الأطْرافِ كانُوا يَحْمِلُونَ لَهُ الهَدايا خاضِعِينَ لَهُ كُلَّ أيّامِ حَياتِهِ أيْ: أنَّها تُؤَدِّي لَهُ الجِزْيَةَ، وإنْ كانَ مَحْصُورًا في فِلَسْطِينَ. وأنَّ اللَّهَ تَعالى آتاهُ حِكْمَةً وفَهِمًا ذَكِيًّا جِدًّا، وسِعَةَ صَدْرٍ. فَفاقَتْ حِكْمَتُهُ حِكْمَةَ جَمِيعِ أهْلِ المَشْرِقِ وأهْلِ مِصْرَ. وقالَ ثَلاثَةُ آلافِ مِثْلٍ. وتَكَلَّمَ. في الشَّجَرِ، مِنَ الأرْزِ الَّذِي عَلى لُبْنانَ إلى الزُّوفى الَّتِي تَخْرُجُ في الحائِطِ. وتَكَلَّمَ في البَهائِمِ والطَّيْرِ والزَّحّافاتِ والسَّمَكِ. وأمّا صَرْحُهُ وبَيْتُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَقَدْ جاءَ وصْفُهُ في الفَصْلِ الخامِسِ مِنَ السِّفْرِ المُتَقَدِّمِ. وأنَّهُ أكْمَلَ بِناءَهُ في ثَلاثَ عَشْرَةَ سَنَةً. وأنَّهُ بَنى جازَرَ وبَيْتَ حُورُونَ السُّفْلى وبَعْلَتَ وتَدْمُرَ في أرْضِ البَرِّيَّةِ. وجاءَ في الفَصْلِ العاشِرِ مِن هَذا السِّفْرِ أيْضًا قِصَّةُ مَلِكَةِ سَبَأٍ ومَقْدِمِها مِنَ اليَمَنِ عَلى سُلَيْمانَ لِتُخْبِرَ حِكْمَتَهُ وعَظَمَةَ مُلْكِهِ، ودَهْشَتُها مِمّا رَأتْهُ وتَحَقَّقَتْهُ، وإيمانُها بِرَبِّهِ تَعالى. ثُمَّ إعْطاؤُهُ إيّاها بُغْيَتَها. ثُمَّ انْصِرافُها إلى أرْضِها.
وقَدْ ذَكَرْنا غَيْرَ مَرَّةٍ أنَّ القُرْآنَ الكَرِيمَ لا يَسُوقُ أنْباءَ ما تَقَدَّمَ سَوْقَ مُؤَرِّخٍ، بَلْ يَقُصُّها مُوجَزَةً لِيَتَحَقَّقَ أنَّهُ مِصْداقُ ما بَيْنَ يَدَيْهِ، ومُهَيْمِنٌ عَلَيْهِ، ولِيُنَبِّهَ عَلى أنَّ القَصْدَ مِنها مَوْضِعُ العِبْرَةِ والحِكْمَةِ. ومَثارُ التَّبَصُّرِ والفِطْنَةِ.
الثّالِثُ: مِمّا اسْتُنْبِطَ مِن آياتِ هَذِهِ القِصَّةِ الجَلِيلَةِ، أنَّ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَتَبَسَّمَ ضاحِكًا مِن قَوْلِها﴾ [النمل: ١٩] أنَّهُ لا بَأْسَ بِالتَّبَسُّمِ والضَّحِكِ عَنِ التَّعَجُّبِ وغَيْرِهِ. وفي قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وتَفَقَّدَ الطَّيْرَ﴾ [النمل: ٢٠] اسْتِحْبابُ تَفَقُّدِ المَلِكِ أحْوالَ رَعِيَّتِهِ. وأخَذَ مِنهُ بَعْضُهم تَفَقُّدَ الإخْوانِ، فَأنْشَدَ:
؎تَفَقُّدُ الإخْوانِ مُسْتَحْسَنٌ فَمَن بَداهُ نِعْمَ ما قَدْ بَدا
؎سَنَّ سُلَيْمانُ لَنا سُنَّةً ∗∗∗ وكانَ فِيما سَنَّهُ مُقْتَدى
؎تَفَقَّدَ الطَّيْرَ عَلى مُلْكِهِ ∗∗∗ فَقالَ: ما لِي لا أرَ الهُدْهُدا
(p-٤٦٧٢)وأنَّ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿لأُعَذِّبَنَّهُ عَذابًا شَدِيدًا﴾ [النمل: ٢١] الآيَةَ، دَلِيلًا عَلى أنَّ العَذابَ عَلى قَدْرِ الذَّنْبِ، لا عَلى قَدْرِ الجَسَدِ. وعَلى جَوازِ تَأْدِيبِ الحَيَواناتِ والبَهائِمِ بِالضَّرْبِ عِنْدَ تَقْصِيرِها في المَشْيِ وإسْراعِها ونَحْوَ ذَلِكَ. وأنَّ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَقالَ أحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ﴾ [النمل: ٢٢] أنَّ الصَّغِيرَ يَقُولُ لِلْكَبِيرِ والتّابِعُ لِلْمَتْبُوعِ: عِنْدِي مِنَ العِلْمِ ما لَيْسَ عِنْدَكَ، إذا تَحَقَّقَ ذَلِكَ. وأنَّ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿قالَ سَنَنْظُرُ أصَدَقْتَ أمْ كُنْتَ مِنَ الكاذِبِينَ﴾ [النمل: ٢٧] قَبُولَ الوالِي عُذْرَ رَعِيَّتِهِ، ودَرْءَهُ العُقُوبَةَ عَنْهُمْ، وامْتِحانَ صِدْقِهم فِيما اعْتَذَرُوا بِهِ. وأنَّ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿اذْهَبْ بِكِتابِي هَذا فَألْقِهْ إلَيْهِمْ﴾ [النمل: ٢٨] إرْسالَ الطَّيْرِ بِالكُتُبِ. وأنَّ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿كِتابٌ كَرِيمٌ﴾ [النمل: ٢٩] اسْتِحْبابَ خَتْمِ الكُتُبِ، لِقَوْلِ السُّدِّيِّ: كَرِيمٌ بِمَعْنى مَخْتُومٍ. وأنَّ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿قالَتْ يا أيُّها المَلأُ أفْتُونِي في أمْرِي﴾ [النمل: ٣٢] المُشاوَرَةَ والِاسْتِعانَةَ بِالآراءِ في الأُمُورِ المُهِمَّةِ. وأنَّ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿أتُمِدُّونَنِ بِمالٍ﴾ [النمل: ٣٦] الآيَةَ، اسْتِحْبابَ رَدِّ هَدايا المُشْرِكِينَ. كَذا في (الإكْلِيلِ) بِزِيادَةٍ.
ثُمَّ أخْبَرَ تَعالى عَنْ ثَمُودَ وما كانَ مِن أمْرِها مَعَ نَبِيِّها صالِحٍ عَلَيْهِ السَّلامُ، بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ:
{"ayahs_start":43,"ayahs":["وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعۡبُدُ مِن دُونِ ٱللَّهِۖ إِنَّهَا كَانَتۡ مِن قَوۡمࣲ كَـٰفِرِینَ","قِیلَ لَهَا ٱدۡخُلِی ٱلصَّرۡحَۖ فَلَمَّا رَأَتۡهُ حَسِبَتۡهُ لُجَّةࣰ وَكَشَفَتۡ عَن سَاقَیۡهَاۚ قَالَ إِنَّهُۥ صَرۡحࣱ مُّمَرَّدࣱ مِّن قَوَارِیرَۗ قَالَتۡ رَبِّ إِنِّی ظَلَمۡتُ نَفۡسِی وَأَسۡلَمۡتُ مَعَ سُلَیۡمَـٰنَ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ"],"ayah":"وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعۡبُدُ مِن دُونِ ٱللَّهِۖ إِنَّهَا كَانَتۡ مِن قَوۡمࣲ كَـٰفِرِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق