الباحث القرآني

القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: [٤١ - ٤٢] ﴿قالَ نَكِّرُوا لَها عَرْشَها نَنْظُرْ أتَهْتَدِي أمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ﴾ ﴿فَلَمّا جاءَتْ قِيلَ أهَكَذا عَرْشُكِ قالَتْ كَأنَّهُ هو وأُوتِينا العِلْمَ مِن قَبْلِها وكُنّا مُسْلِمِينَ﴾ [النمل: ٤٢] ﴿قالَ نَكِّرُوا لَها عَرْشَها﴾ أيِ: اجْعَلُوهُ مُتَنَكِّرًا مُتَغَيِّرًا عَنْ هَيْئَتِهِ وشَكْلِهِ كَما يَتَنَكَّرُ الرَّجُلُ لِلنّاسِ: ﴿نَنْظُرْ أتَهْتَدِي أمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ﴾ أيْ: لِمَعْرِفَتِهِ: ﴿فَلَمّا جاءَتْ قِيلَ أهَكَذا عَرْشُكِ قالَتْ كَأنَّهُ هُوَ﴾ [النمل: ٤٢] قالَ المَهايِمِيُّ: لَمْ تَقُلْ: (هُوَ هُوَ) خَوْفًا مِنَ التَّكْذِيبِ، مَعَ نَوْعٍ مِنَ التَّغْيِيرِ. ولا (لا) خَوْفًا مِنَ التَّجْهِيلِ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: لَمْ تَقُلْ: (هُوَ هُوَ) ولا (لَيْسَ بِهِ) وذَلِكَ مِن رَجاحَةِ عَقْلِها حَيْثُ لَمْ تَقْطَعْ في المُحَتَّمِ. أيْ: فَأتَتْ بِـ(كَأنَّ) الدّالَّةِ عَلى غَلَبَةِ الظَّنِّ. قالَ الشِّهابُ: وهَذا إشارَةٌ إلى أنَّ (كَأنَّ) لَيْسَ المُرادُ بِها هُنا التَّشْبِيهَ بَلِ الشَّكَّ وهو مَشْهُورٌ فِيها. وقَدْ أبْدى صاحِبُ (الِانْتِصافِ) فَرْقًا بَيْنَ (كَأنَّ) و(هَكَذا) في التَّشْبِيهِ. وعِبارَتُهُ: (p-٤٦٦٩)وفِي قَوْلِها: (كَأنَّهُ هُوَ) وعُدُولُها عَنْ مُطابَقَةِ الجَوابِ لِلسُّؤالِ بِأنْ تَقُولَ: (هَكَذا هُوَ) نُكْتَةٌ حَسَنَةٌ. ولَعَلَّ قائِلًا يَقُولُ: كِلْتا العِبارَتَيْنِ تَشْبِيهٌ. إذْ كانَ التَّشْبِيهُ فِيهِما جَمِيعًا، وإنْ كانَتْ في إحْداهُما داخِلَةً عَلى اسْمِ الإشارَةِ، وفي الأُخْرى داخِلَةً عَلى المُضْمَرِ، وكِلاهُما (أعْنِي: اسْمَ الإشارَةِ والمُضْمَرَ) واقِعٌ عَلى الذّاتِ المُشَبَّهَةِ. وحِينَئِذٍ تَسْتَوِي العِبارَتانِ في المَعْنى. ويُفَضَّلُ قَوْلُها: هَكَذا هو بِمُطابَقَتِهِ لِلسُّؤالِ. فَلا بُدَّ في اخْتِيارِ: "كَأنَّهُ هُوَ" مِن حِكْمَةٍ. فَنَقُولُ: حِكْمَتُهُ، واللَّهُ أعْلَمُ، أنَّ: "كَأنَّهُ هُوَ" عِبارَةُ مَن قَرُبَ عِنْدَهُ الشَّبَهُ حَتّى شَكَّكَ نَفْسَهُ في التَّغايُرِ بَيْنَ الأمْرَيْنِ. فَكادَ يَقُولُ: (هُوَ هُوَ) وتِلْكَ حالُ بِلْقِيسَ. وأمّا (هَكَذا هُوَ) فَعِبارَةُ جازِمٍ بِتَغايُرِ الأمْرَيْنِ، حاكِمٍ بِوُقُوعِ الشَّبَهِ بَيْنَهُما لا غَيْرَ. فَلِهَذا عَدَلَتْ إلى العِبارَةِ المَذْكُورَةِ في التِّلاوَةِ، لِمُطابَقَتِها لِحالِها، واللَّهُ أعْلَمُ. انْتَهى. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وأُوتِينا العِلْمَ مِن قَبْلِها وكُنّا مُسْلِمِينَ﴾ [النمل: ٤٢] هَذا مِن تَمامِ كَلامِ سُلَيْمانَ عَلَيْهِ السَّلامُ، شُكْرًا لِلَّهِ عَلى فَضْلِهِمْ عَلَيْها، وسَبْقِهِمْ إلى العِلْمِ بِاللَّهِ وبِالإسْلامِ. أيْ: وأُوتِينا نَحْنُ العِلْمَ بِاللَّهِ وبِقُدْرَتِهِ، وبِصِحَّةِ ما جاءَ مِن عِنْدِهِ، قَبْلَ عِلْمِها الَّذِي أوْمَأ إلَيْهِ قَوْلُها: "كَأنَّهُ هُوَ" والجُمْلَةُ عَطْفٌ عَلى مُقَدَّرٍ اقْتَضاهُ المَقامُ المُقْتَضِي، لِلْإفاضَةِ في وصْفِها بِرَجاحَةِ الرَّأْيِ في الهِدايَةِ لِلْإسْلامِ. والتَّقْدِيرُ: أصابَتْ في جَوابِها وقَدْ رُزِقَتِ الإسْلامَ، وعَلِمَتْ قُدْرَةَ اللَّهِ. وأُوتِينا العِلْمَ إلَخْ. وقِيلَ إنَّهُ مِن كَلامِ بِلْقِيسَ، مَوْصُولًا بِقَوْلِها: "كَأنَّهُ هُوَ"، لا مِن كَلامِ سُلَيْمانَ، كَأنَّها ظَنَّتْ أنَّهُ أرادَ بِذَلِكَ اخْتِبارَ عَقْلِها وإظْهارَ مُعْجِزَةٍ لَها، فَقالَتْ: أُوتِينا العِلْمَ إلَخْ. أيْ: لا حاجَةَ إلى الِاخْتِبارِ لِأنِّي آمَنتُ قَبْلُ. وهَذا يَدُلُّ عَلى كَمالِ عَقْلِها. أوِ المَعْنى: عَلِمْنا إتْيانَكَ بِالعَرْشِ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ، أوْ هَذِهِ الحالَةُ بِالقَرائِنِ أوِ الأخْبارِ. قالَ ابْنُ كَثِيرٍ: ويُؤَيِّدُ الأوَّلَ، أيْ: أنَّهُ مِن كَلامِ سُلَيْمانَ، أنَّها إنَّما أظْهَرَتِ الإسْلامَ بَعْدَ دُخُولِها إلى الصَّرْحِ، كَما سَيَأْتِي، واللَّهُ أعْلَمُ. وقَوْلُهُ تَعالى:
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب