الباحث القرآني

القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: [١٥٤ - ١٦٦] ﴿ما أنْتَ إلا بَشَرٌ مِثْلُنا فَأْتِ بِآيَةٍ إنْ كُنْتَ مِنَ الصّادِقِينَ﴾ ﴿قالَ هَذِهِ ناقَةٌ لَها شِرْبٌ ولَكم شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ﴾ [الشعراء: ١٥٥] ﴿ولا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكم عَذابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ [الشعراء: ١٥٦] ﴿فَعَقَرُوها فَأصْبَحُوا نادِمِينَ﴾ [الشعراء: ١٥٧] ﴿فَأخَذَهُمُ العَذابُ إنَّ في ذَلِكَ لآيَةً وما كانَ أكْثَرُهم مُؤْمِنِينَ﴾ [الشعراء: ١٥٨] ﴿وإنَّ رَبَّكَ لَهو العَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ [الشعراء: ١٥٩] ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ المُرْسَلِينَ﴾ [الشعراء: ١٦٠] ﴿إذْ قالَ لَهم أخُوهم لُوطٌ ألا تَتَّقُونَ﴾ [الشعراء: ١٦١] ﴿إنِّي لَكم رَسُولٌ أمِينٌ﴾ [الشعراء: ١٦٢] ﴿فاتَّقُوا اللَّهَ وأطِيعُونِ﴾ [الشعراء: ١٦٣] ﴿وما أسْألُكم عَلَيْهِ مِن أجْرٍ إنْ أجْرِيَ إلا عَلى رَبِّ العالَمِينَ﴾ [الشعراء: ١٦٤] (p-٤٦٣٧)﴿أتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ العالَمِينَ﴾ [الشعراء: ١٦٥] ﴿وتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكم رَبُّكم مِن أزْواجِكم بَلْ أنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ﴾ [الشعراء: ١٦٦] ﴿ما أنْتَ إلا بَشَرٌ مِثْلُنا فَأْتِ بِآيَةٍ إنْ كُنْتَ مِنَ الصّادِقِينَ﴾ ﴿قالَ هَذِهِ ناقَةٌ لَها شِرْبٌ﴾ [الشعراء: ١٥٥] أيْ: نَصِيبٌ مِنَ الماءِ: ﴿ولَكم شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ﴾ [الشعراء: ١٥٥] أيْ: فاقْتَنِعُوا بِشِرْبِكم ولا تُزاحِمُوها عَلى شِرْبِها: ﴿ولا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكم عَذابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ [الشعراء: ١٥٦] أيْ: لِعِظَمِ ما تُسِيئُونَ. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: عُظِّمَ اليَوْمُ لِحُلُولِ العَذابِ فِيهِ، ووَصْفُ اليَوْمِ بِهِ أبْلَغُ مِن وصْفِ العَذابِ. لِأنَّ الوَقْتَ إذا عَظُمَ بِسَبَبِهِ، كانَ مَوْقِعُهُ مِنَ العِظَمِ أشَدَّ: ﴿فَعَقَرُوها فَأصْبَحُوا نادِمِينَ﴾ [الشعراء: ١٥٧] ﴿فَأخَذَهُمُ العَذابُ﴾ [الشعراء: ١٥٨] أيِ: المَوْعُودُ، وهو أنَّ أرْضَهم زُلْزِلَتْ زِلْزالًا شَدِيدًا، وجاءَتْهم صَيْحَةٌ عَظِيمَةٌ: ﴿إنَّ في ذَلِكَ لآيَةً وما كانَ أكْثَرُهم مُؤْمِنِينَ﴾ [الشعراء: ١٥٨] ﴿وإنَّ رَبَّكَ لَهو العَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ [الشعراء: ١٥٩] ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ المُرْسَلِينَ﴾ [الشعراء: ١٦٠] ﴿إذْ قالَ لَهم أخُوهم لُوطٌ ألا تَتَّقُونَ﴾ [الشعراء: ١٦١] ﴿إنِّي لَكم رَسُولٌ أمِينٌ﴾ [الشعراء: ١٦٢] ﴿فاتَّقُوا اللَّهَ وأطِيعُونِ﴾ [الشعراء: ١٦٣] ﴿وما أسْألُكم عَلَيْهِ مِن أجْرٍ إنْ أجْرِيَ إلا عَلى رَبِّ العالَمِينَ﴾ [الشعراء: ١٦٤] ﴿أتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ العالَمِينَ﴾ [الشعراء: ١٦٥] ﴿وتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكم رَبُّكم مِن أزْواجِكم بَلْ أنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ﴾ [الشعراء: ١٦٦] أيْ: مُجاوِزُونَ حَدَّ الحِكْمَةِ في تَرْكِ مَحَلِّ الحَرْثِ، الحافِظِ لِلنَّسْلِ، الَّذِي بِهِ حِفْظُ النَّوْعِ البَشَرِيِّ، وإيثارُ ما لَمْ يُخْلَقْ لِذَلِكَ، شَرَهًا في الشَّهْوَةِ الحَيَوانِيَّةِ، ومُكافَحَةً لِتَغْيِيرِ الأوْضاعِ الرَّبّانِيَّةِ. ونَقَلَ السُّيُوطِيُّ في (الإكْلِيلِ) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ، أنَّ مَعْنى الآيَةِ: تَذَرُونَ مِثْلَهُ مِنَ المُباحِ. فاسْتُدِلَّ بِذَلِكَ عَلى إباحَةِ وطْءِ الزَّوْجَةِ مِن دُبُرِها. انْتَهى. وخالَفَهُ غَيْرُهُ. فاسْتَدَلَّ بِها عَلى حَظْرِهِ. وبَيانُهُ كَما في (الكَشّافِ) و(حَواشِيهِ) أنَّ (مِن) إمّا تَبْيِينٌ لِما خَلَقَ، أوْ لِلتَّبْعِيضِ. ويُرادُ بِهِ العُضْوُ المُباحُ مِنهُنَّ، تَعْرِيضًا بِأنَّهم كانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ بِنِسائِهِمْ. ومِنَ الوَجْهِ الثّانِي يُسْتَدَلُّ عَلى حَظْرِ إتْيانِ المَرْأةِ في غَيْرِ المَأْتى. وتَقْرِيرُهُ في (الِانْتِصافِ) أنَّ (مِن) لَوْ كانَتْ بَيانًا لَكانَ المَعْنى حِينَئِذٍ عَلى ذَمِّهِمْ بِتَرْكِ الأزْواجِ. (p-٤٦٣٨)ولا شَكَّ أنَّ تَرْكَ الأزْواجِ مَضْمُومٌ إلى إتْيانِ الذُّكْرانِ. وحِينَئِذٍ يَكُونُ المُنْكَرُ عَلَيْهِمُ الجَمْعُ بَيْنَ تَرْكِ الأزْواجِ وإتْيانِ الذُّكْرانِ، لا أنَّ تَرْكَ الأزْواجِ وحْدَهُ مُنْكَرٌ. ولا كانَ الأمْرُ كَذَلِكَ، لَكانَ النَّصْبُ في الثّانِي مُتَوَجِّهًا عَلى الجَمْعِ. وكانَ إمّا الأفْصَحُ أوِ المُتَعَيِّنُ. وقَدِ اجْتَمَعَتِ العامَّةُ -عامَّةُ القُرّاءِ- عَلى القِراءَةِ بِهِ مَرْفُوعًا ولا يَتَّفِقُونَ عَلى تَرْكِ الأفْصَحِ إلى ما لا مَدْخَلَ لَهُ في الفَصاحَةِ، أوْ في الجَوازِ أصْلًا. فَلَمّا وضَحَ ذَلِكَ تَبَيَّنَ أنَّ هَذا المَعْنى غَيْرُ مُرادٍ. فَتَعَيَّنَ حَمْلُ (مِن) عَلى البَعْضِيَّةِ. فَيَكُونُ المُنْكَرُ عَلَيْهِمْ أمْرَيْنِ. كُلُّ واحِدٍ مِنهُما مُسْتَقِلٌّ بِالإنْكارِ: أحَدُهُما إتْيانُ الذُّكْرانِ. والثّانِي مُجانَبَةُ إتْيانِ النِّساءِ في المَأْتى، رَغْبَةً في إتْيانِهِنَّ في غَيْرِهِ. وحِينَئِذٍ يَتَوَجَّهُ الرَّفْعُ لِفَواتِ الجَمْعِ اللّازِمِ عَلى الوَجْهِ الأوَّلِ، واسْتِقْلالُ كُلِّ واحِدٍ مِن هاتَيْنِ العَظِيمَتَيْنِ بِالنَّكِيرِ. انْتَهى. ومِثْلُهُ مِن دَقِيقِ الِاسْتِنْباطِ الَّذِي يُوَسِّعُ المَدارِكَ ويَفْتَحُ لِلتَّفَهُّمِ أبْوابًا، وإنْ أمْكَنَ أنْ يُقالَ إنَّ سِياقَ الآيَةِ في المَلامِ لَهُمْ، أعَمُّ مِمّا ذَكَرَهُ ومِن غَيْرِهِ. واللَّهُ أعْلَمُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب