الباحث القرآني

القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: [٢٦ - ٣٠] ﴿قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ﴾ ﴿فَأوْحَيْنا إلَيْهِ أنِ اصْنَعِ الفُلْكَ بِأعْيُنِنا ووَحْيِنا فَإذا جاءَ أمْرُنا وفارَ التَّنُّورُ فاسْلُكْ فِيها مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وأهْلَكَ إلا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ القَوْلُ مِنهم ولا تُخاطِبْنِي في الَّذِينَ ظَلَمُوا إنَّهم مُغْرَقُونَ﴾ [المؤمنون: ٢٧] ﴿فَإذا اسْتَوَيْتَ أنْتَ ومَن مَعَكَ عَلى الفُلْكِ فَقُلِ الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجّانا مِنَ القَوْمِ الظّالِمِينَ﴾ [المؤمنون: ٢٨] ﴿وقُلْ رَبِّ أنْـزِلْنِي مُنْـزَلا مُبارَكًا وأنْتَ خَيْرُ المُنْـزِلِينَ﴾ [المؤمنون: ٢٩] ﴿إنَّ في ذَلِكَ لآياتٍ وإنْ كُنّا لَمُبْتَلِينَ﴾ [المؤمنون: ٣٠] ﴿قالَ﴾ أيْ: بَعْدَ ما أيِسَ مِن إيمانِهِمْ: ﴿رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ﴾ ﴿فَأوْحَيْنا إلَيْهِ (p-٤٣٩٧)أنِ اصْنَعِ الفُلْكَ بِأعْيُنِنا﴾ [المؤمنون: ٢٧] أيْ: مُلْتَبِسًا بِحِفْظِنا وكَلاءَتِنا، لا تَلْحَقُها آفَةٌ ولا يَعْتَرِضُها نَقْصٌ عَبَّرَ بِكَثْرَةِ آلَةِ الحِسِّ الَّتِي بِها يُحْفَظُ الشَّيْءُ، ويُراعى مِنَ الِاخْتِلالِ والزَّيْغِ، عَنِ المُبالَغَةِ في الحِفْظِ والرِّعايَةِ، عَلى طَرِيقِ التَّمْثِيلِ، وقِيلَ: المَعْنى بِمَرْأى مِنّا ومَشْهَدٍ في حِفْظِنا وكَلاءَتِنا. بِناءً عَلى أنَّ المُرادَ بِالعَيْنِ البَصَرُ، وأنَّهُ يُسَمّى البَصَرُ عَيْنًا لِأجْلِ أنَّهُ مِمّا يَتَعَلَّقُ بِهِ ويَقُومُ بِهِ. مِن بابِ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِاسْمِ مَحَلِّهِ. وبِاسْمِ ما هو قائِمٌ بِهِ. قالَ الإمامُ ابْنُ فَوْرَكَ في (مُتَشابَهِ الحَدِيثِ ") - بَعْدَ حِكايَةِ نَحْوِ ما تَقَدَّمَ -: وقَدِ اخْتَلَفَ أصْحابُنا فِيما يَثْبُتُ لِلَّهِ عَزَّ وجَلَّ مِنَ الوَصْفِ لَهُ بِالعَيْنِ. فَمِنهم مَن قالَ: إنَّ المُرادَ بِهِ البَصَرُ والرُّؤْيَةُ. ومِنهم مَن قالَ: إنَّ طَرِيقَ إثْباتِها صِفَةً لِلَّهِ تَعالى بِالسَّمْعِ. وسَبِيلُ القَوْلِ فِيها كَسَبِيلِ القَوْلِ في اليَدِ والوَجْهِ. انْتَهى. ومَذْهَبُ السَّلَفِ؛ أنَّ الصِّفاتِ يُحْتَذى فِيها حَذْوَ الذّاتِ، فَكَما أنَّها مُنَزَّهَةٌ عَنِ التَّشْبِيهِ والتَّمْثِيلِ والتَّكْيِيفِ، فَكَذَلِكَ الصِّفاتُ إثْباتُها مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ وعَنِ التَّحْرِيفِ والتَّأْوِيلِ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ووَحْيِنا﴾ [المؤمنون: ٢٧] أيْ: أمْرِنا وتَعْلِيمِنا كَيْفَ تَصْنَعُ: ﴿فَإذا جاءَ أمْرُنا﴾ [المؤمنون: ٢٧] أيْ: عَذابُنا: ﴿وفارَ التَّنُّورُ﴾ [المؤمنون: ٢٧] كِنايَةً عَنِ الشِّدَّةِ. كَقَوْلِهِمْ: (حَمِيَ الوَطِيسُ ) . و(التَّنُّورُ ): كانُونُ الخُبْزِ حَقِيقَةً. وأطْلَقَهُ بَعْضُهم عَلى وجْهِ الأرْضِ ومَنبَعِ الماءِ، لِلْآيَةِ مَجازًا: ﴿فاسْلُكْ فِيها﴾ [المؤمنون: ٢٧] أيْ: فَأدْخِلْ في الفُلْكِ: ﴿مِن كُلٍّ﴾ [المؤمنون: ٢٧] أيْ: مِن كُلِّ أُمَّةٍ: ﴿زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وأهْلَكَ إلا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ القَوْلُ مِنهم ولا تُخاطِبْنِي في الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ [المؤمنون: ٢٧] أيْ: في الدُّعاءِ لَهم بِالنَّجاةِ، عِنْدَ مُشاهَدَةِ هَلاكِهِمْ: ﴿إنَّهم مُغْرَقُونَ﴾ [المؤمنون: ٢٧] أيْ: في بَحْرِ الهَلاكِ، كَما غَرِقُوا في بَحْرِ الضَّلالِ وظُلْمِهِمْ أنْفُسَهم، بَعْدَ أنْ أمْلى لَهُمُ الدَّهْرَ المُتَطاوِلَ: ﴿فَإذا اسْتَوَيْتَ أنْتَ ومَن مَعَكَ عَلى الفُلْكِ فَقُلِ الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجّانا مِنَ القَوْمِ الظّالِمِينَ﴾ [المؤمنون: ٢٨] ﴿وقُلْ رَبِّ أنْـزِلْنِي﴾ [المؤمنون: ٢٩] أيْ: في السَّفِينَةِ أوْ مِنها: ﴿مُنْـزَلا مُبارَكًا وأنْتَ خَيْرُ المُنْـزِلِينَ﴾ [المؤمنون: ٢٩] أيْ: لِمَن أنْزَلْتَهُ مَنزِلَ قُرْبِكَ: ﴿إنَّ في ذَلِكَ﴾ [المؤمنون: ٣٠] أيْ فِيما فُعِلَ بِنُوحٍ وقَوْمِهِ: ﴿لآياتٍ﴾ [المؤمنون: ٣٠] أيْ: يَسْتَدِلُّ بِها ويَعْتَبِرُ أُولُو الأبْصارِ: ﴿وإنْ كُنّا لَمُبْتَلِينَ﴾ [المؤمنون: ٣٠] (p-٤٣٩٨)أيْ: مُصِيبِينَ قَوْمَ نُوحٍ بِبَلاءٍ عَظِيمٍ وعِقابٍ شَدِيدٍ. أوْ مُخْتَبِرِينَ بِهَذِهِ الآياتِ عِبادَنا، لِنَنْظُرَ مَن يَعْتَبِرُ ويَدَّكِرُ. كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولَقَدْ تَرَكْناها آيَةً فَهَلْ مِن مُدَّكِرٍ﴾ [القمر: ١٥] و(إنَّ ) مُخَفَّفَةٌ عَلى الأصَحِّ - وقِيلَ نافِيَةٌ. واللّامُ بِمَعْنى (إلّا ) والجُمْلَةُ حالِيَّةٌ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب