الباحث القرآني

القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: [١١٥ - ١١٨] ﴿أفَحَسِبْتُمْ أنَّما خَلَقْناكم عَبَثًا وأنَّكم إلَيْنا لا تُرْجَعُونَ﴾ ﴿فَتَعالى اللَّهُ المَلِكُ الحَقُّ لا إلَهَ إلا هو رَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ﴾ [المؤمنون: ١١٦] ﴿ومَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ فَإنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إنَّهُ لا يُفْلِحُ الكافِرُونَ﴾ [المؤمنون: ١١٧] ﴿وقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وارْحَمْ وأنْتَ خَيْرُ الرّاحِمِينَ﴾ [المؤمنون: ١١٨] . ﴿أفَحَسِبْتُمْ أنَّما خَلَقْناكم عَبَثًا﴾ أيْ: بِغَيْرِ حِكْمَةٍ، حَتّى أنْكَرْتُمُ البَعْثَ: ﴿وأنَّكم إلَيْنا لا تُرْجَعُونَ﴾ أيْ: لِلْجَزاءِ: ﴿فَتَعالى اللَّهُ﴾ [المؤمنون: ١١٦] أيْ تَعاظَمَ عَمّا تَصِفُونَ، لِأنَّهُ: ﴿المَلِكُ الحَقُّ﴾ [المؤمنون: ١١٦] أيِ: المُتَصَرِّفُ وحْدَهُ، الَّذِي قَصَدَ بِالخَلْقِ مَعْرِفَتَهُ وعِبادَتَهُ. والَّذِي لا يَتْرُكُ الجَزاءَ بَلْ يُحِقُّ الحَقَّ: ﴿لا إلَهَ إلا هو رَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ﴾ [المؤمنون: ١١٦] أيِ: العَظِيمُ المَجِيدُ. وقُرِئَ بِالرَّفْعِ: ﴿ومَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ فَإنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إنَّهُ لا يُفْلِحُ الكافِرُونَ﴾ [المؤمنون: ١١٧] (p-٤٤٢٢)قالَ ابْنُ جَرِيرٍ: ومَن يَدْعُ مَعَ المَعْبُودِ الَّذِي لا تَصْلُحُ العِبادَةُ إلّا لَهُ، مَعْبُودًا آخَرَ لا حُجَّةَ لَهُ بِما يَقُولُ ولا بَيِّنَةَ. فَإنَّما حِسابُ عَمَلِهِ السَّيِّئِ عِنْدَ رَبِّهِ، وهو مُوَفِّيهِ جَزاءَهُ إذا قَدِمَ عَلَيْهِ. فَإنَّهُ لا يَنْجَحُ أهْلُ الكُفْرِ بِاللَّهِ، عِنْدَهُ، ولا يُدْرِكُونَ الخُلُودَ والبَقاءَ في النَّعِيمِ، قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وقَوْلُهُ: ﴿لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ﴾ [المؤمنون: ١١٧] كَقَوْلِهِ: ﴿ما لَمْ يُنَـزِّلْ بِهِ سُلْطانًا﴾ [الحج: ٧١] وهي صِفَةٌ لازِمَةٌ، نَحْوَ قَوْلِهِ: ﴿يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ﴾ [الأنعام: ٣٨] جِيءَ بِها لِلتَّوْكِيدِ، لا أنْ يَكُونَ في الآلِهَةِ ما يَجُوزُ أنْ يَقُومَ عَلَيْهِ بُرْهانٌ. ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ اعْتِراضًا بَيْنَ الشَّرْطِ والجَزاءِ. كَقَوْلِكَ: (مَن أحْسَنَ إلى زَيْدٍ - لا أحَقَّ بِالإحْسانِ مِنهُ - فاللَّهُ مُثِيبُهُ ) . قالَ في " الِانْتِصافِ ": إنْ كانَ صِفَةً، فالمَقْصُودُ بِها التَّهَكُّمُ بِمُدَّعِي إلَهٍ مَعَ اللَّهِ، كَقَوْلِهِ: ﴿بِما أشْرَكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَـزِّلْ بِهِ سُلْطانًا﴾ [آل عمران: ١٥١] فَنَفى إنْزالَ السُّلْطانِ بِهِ، وإنْ لَمْ يَكُنْ في نَفْسِ الأمْرِ سُلْطانٌ، لا مُنَزِّلَ ولا غَيْرَ مُنَزِّلٍ. وقالَ الرّازِيُّ: نَبَّهَ تَعالى بِالآيَةِ، عَلى أنَّ كُلَّ ما لا بُرْهانَ فِيهِ، لا يَجُوزُ إثْباتُهُ، وذَلِكَ يُوجِبُ صِحَّةَ النَّظَرِ وفَسادَ التَّقْلِيدِ. انْتَهى. ثُمَّ أمَرَ تَعالى نَبِيَّهُ بِالِابْتِهالِ إلَيْهِ واسْتِغْفارِهِ والثَّناءِ عَلَيْهِ، بِقَوْلِهِ: ﴿وقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وارْحَمْ وأنْتَ خَيْرُ الرّاحِمِينَ﴾ [المؤمنون: ١١٨] أيْ: خَيْرُ مَن رَحِمِ ذا ذَنْبٍ، فَقَبِلَ تَوْبَتَهُ. * * *
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب