الباحث القرآني

القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: [٨ - ١٠] ﴿ومِنَ النّاسِ مَن يُجادِلُ في اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ ولا هُدًى ولا كِتابٍ مُنِيرٍ﴾ ﴿ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ في الدُّنْيا خِزْيٌ ونُذِيقُهُ يَوْمَ القِيامَةِ عَذابَ الحَرِيقِ﴾ [الحج: ٩] ﴿ذَلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ وأنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ [الحج: ١٠] . ﴿ومِنَ النّاسِ مَن يُجادِلُ في اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ ولا هُدًى ولا كِتابٍ مُنِيرٍ﴾ أيْ: يُجادِلُ في شَأْنِهِ تَعالى مِن غَيْرِ تَمَسُّكٍ بِعِلْمٍ ضَرُورِيٍّ ولا بِاسْتِدْلالٍ ونَظَرٍ صَحِيحٍ، يَهْدِي إلى المَعْرِفَةِ. ولا بِوَحْيٍ مُظْهِرٍ لِلْحَقِّ. أيْ: بَلْ بِمُجَرَّدِ الرَّأْيِ والهَوى، وهَذِهِ الآيَةُ في حالِ الدُّعاةِ إلى الضَّلالِ مِن رُؤُوسِ الكُفْرِ المُقَلَّدِينَ - بِفَتْحِ اللّامِ - كَما أنَّ ما قَبْلَها في حالِ الضُّلّالِ الجُهّالِ المُقَلِّدِينَ - بِكَسْرِ اللّامِ - فَلا تَكْرارَ أوْ أنَّهُما في الدُّعاةِ المُضِلِّينَ واعْتَبَرَ تَغايُرَ أوْصافِهِمْ فِيها، فَلا تَكْرارَ أيْضًا. قالَ في (الكَشْفِ "): والأوَّلُ أظْهَرُ وأوْفَقُ بِالمَقامِ. وكَذا اخْتارَهُ أبُو مُسْلِمٍ فِيما نَقَلَهُ عَنْهُ الرّازِيُّ، ثُمَّ قالَ: فَإنْ قِيلَ كَيْفَ يَصِحُّ ما قُلْتُمْ، والمُقَلِّدُ لا يَكُونُ مُجادِلًا ؟ قُلْنا: قَدْ يُجادِلُ تَصْوِيبًا لِتَقْلِيدِهِ وقَدْ يُورِدُ الشُّبْهَةَ الظّاهِرَةَ إذا تَمَكَّنَ مِنها، وإنْ كانَ مُعْتَمَدُهُ الأصْلِيُّ هو التَّقْلِيدُ. (p-٤٣٢٧)وقَوْلُهُ: ﴿ثانِيَ عِطْفِهِ﴾ [الحج: ٩] حالٌ مِن فاعِلِ (يُجادِلُ ) أيْ: عاطِفًا لِجانِبِهِ إعْراضًا واسْتِكْبارًا عَنِ الحَقِّ، إذا دُعِيَ إلَيْهِ. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ثَنْيُ العِطْفِ عِبارَةٌ عَنِ الكِبْرِ والخُيَلاءِ. كَتَصْعِيرِ الخَدِّ ولَيِّ الجِيدِ. وقَوْلُهُ: ﴿لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [الحج: ٩] أيْ: لِيَصُدَّ عَنْ دِينِهِ وشَرْعِهِ، مُتَعَلِّقٌ بِـ(يُجادِلُ ) عِلَّةً لَهُ: ﴿لَهُ في الدُّنْيا خِزْيٌ﴾ [الحج: ٩] أيْ: إهانَةٌ ومَذَلَّةٌ، كَما أصابَهُ يَوْمَ بَدْرٍ مِنَ الصَّغارِ والفَشَلِ: ﴿ونُذِيقُهُ يَوْمَ القِيامَةِ عَذابَ الحَرِيقِ﴾ [الحج: ٩] أيِ: النّارَ المُحْرِقَةَ: ﴿ذَلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ﴾ [الحج: ١٠] عَلى الِالتِفاتِ، أوْ إرادَةِ القَوْلِ. أيْ: يُقالُ لَهُ يَوْمَ القِيامَةِ: ذَلِكَ الخِزْيُ والتَّعْذِيبُ بِسَبَبِ ما اقْتَرَفْتَهُ مِنَ الكُفْرِ والضَّلالِ والإضْلالِ. وإسْنادُهُ إلى يَدَيْهِ، لِما أنَّ الِاكْتِسابَ عادَةً يَكُونُ بِالأيْدِي ﴿وأنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ [الحج: ١٠] أيْ: بَلْ هو العَدْلُ في مُعاقَبَةِ الفُجّارِ، وإثابَةِ الصّالِحِينَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب