الباحث القرآني

ثُمَّ بَيَّنَ تَعالى بُطْلانَ تَعَدُّدِ الآلِهَةِ بِإقامَةِ البُرْهانِ عَلى انْتِفائِهِ، بَلْ عَلى اسْتِحالَتِهِ، بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: (p-٤٢٥٨)القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: [٢٢] ﴿لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إلا اللَّهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ العَرْشِ عَمّا يَصِفُونَ﴾ . ﴿لَوْ كانَ فِيهِما﴾ أيْ: يَتَصَرَّفُ في السَّماواتِ والأرْضِ: ﴿آلِهَةٌ إلا اللَّهُ﴾ أيْ: غَيْرُهُ: ﴿لَفَسَدَتا﴾ أيْ: لَبَطَلَتا بِما فِيهِما جَمِيعًا، واخْتَلَّ نِظامُهُما المُشاهَدُ، كَما قالَ تَعالى في سُورَةِ المُؤْمِنُونَ: ﴿وما كانَ مَعَهُ مِن إلَهٍ إذًا لَذَهَبَ كُلُّ إلَهٍ بِما خَلَقَ ولَعَلا بَعْضُهم عَلى بَعْضٍ﴾ [المؤمنون: ٩١] قالَ أبُو السُّعُودِ: وحَيْثُ انْتَفى التّالِي، عُلِمَ انْتِفاءُ المُقَدَّمِ قَطْعًا. بَيانُ المُلازَمَةِ؛ أنَّ الإلَهِيَّةَ مُسْتَلْزِمَةٌ لِلْقُدْرَةِ عَلى الِاسْتِبْدادِ بِالتَّصَرُّفِ فِيهِما عَلى الإطْلاقِ تَغْيِيرًا وتَبْدِيلًا، وإيجادًا وإعْدامًا وإحْياءً وإماتَةً. فَبَقاؤُهُما عَلى ما هُما عَلَيْهِ إمّا بِتَأْثِيرِ كُلٍّ مِنها، وهو مُحالٌ لِاسْتِحالَةِ وُقُوعِ المَعْلُولِ المُعَيَّنِ بِعِلَلٍ مُتَعَدِّدَةٍ. وإمّا بِتَأْثِيرٍ واحِدٍ مِنها، فالبَواقِي بِمَعْزِلٍ مِنَ الإلَهِيَّةِ قَطْعًا، واعْلَمْ أنَّ جَعْلَ التّالِي فَسادَهُما بَعْدَ وُجُودِهِما، لِما أنَّهُ اعْتُبِرَ في المُقَدَّمِ تَعْدادُ الآلِهَةِ فِيهِما. وإلّا فالبُرْهانُ يَقْضِي بِاسْتِحالَةِ التَّعَدُّدِ عَلى الإطْلاقِ فَإنَّهُ لَوْ تَعَدَّدَ الإلَهُ، فَإنَّ تَوافُقَ الكُلِّ في المُرادِ، تَطارَدَتْ عَلَيْهِ القُدَرُ، وإنْ تَخالَفَتْ تَعاوَقَتْ. فَلا يُوجَدُ مَوْجُودًا أصْلًا. وحَيْثُ انْتِفاءُ التّالِي تَعَيَّنَ انْتِفاءُ المُقَدَّمِ. انْتَهى. وتَفْصِيلُهُ كَما في (المَقاصِدِ) أنَّهُ لَوْ وُجِدَ إلَهانِ بِصِفاتِ الأُلُوهِيَّةِ، فَإذا أرادَ أحَدُهُما أمْرًا كَحَرَكَةِ جِسْمٍ مَثَلًا، فَإمّا أنْ يَتَمَكَّنَ الآخَرُ مِن إرادَةِ ضِدِّهِ أوْ لا. وكِلاهُما مُحالٌ. أمّا الأوَّلُ فَلِأنَّهُ لَوْ فُرِضَ تَعَلُّقُ إرادَتِهِ بِذَلِكَ الضِّدِّ، فَإمّا أنْ يَقَعَ مُرادُهُما وهو مُحالٌ، لِاسْتِلْزامِهِ اجْتِماعَ الضِّدَّيْنِ. أوْ لا يَقَعُ مُرادُ واحِدٍ مِنهُما، وهو مُحالٌ لِاسْتِلْزامِهِ عَجْزَ الإلَهَيْنِ المَوْصُوفَيْنِ بِكَمالِ القُدْرَةِ عَلى ما هو المَفْرُوضُ، ولِاسْتِلْزامِهِ ارْتِفاعَ الضِّدَّيْنِ المَفْرُوضِ امْتِناعُ خُلُوِّ المَحَلِّ عَنْهُما، كَحَرَكَةِ جِسْمٍ وسُكُونِهِ في زَمانٍ مُعَيَّنٍ، أوْ يَقَعُ مُرادُ أحَدِهِما دُونَ الآخَرِ وهو مُحالٌ. لِاسْتِلْزامِهِ التَّرْجِيحَ بِلا مُرَجَّحٍ، وعَجْزَ مَن فُرِضَ قادِرًا حَيْثُ لَمْ يَقَعْ مُرادُهُ. وهَذا البُرْهانُ يُسَمّى بُرْهانَ التَّمانُعِ. وإلَيْهِ الإشارَةُ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إلا اللَّهُ لَفَسَدَتا﴾ فَإنْ أُرِيدَ بِالفَسادِ عَدَمُ (p-٤٢٥٩)التَّكَوُّنِ، فَتَقْرِيرُهُ أنَّهُ لَوْ تَعَدَّدَ الإلَهُ لَمْ تَتَكَوَّنِ السَّماءُ والأرْضُ. لِأنَّ تَكَوُّنَهُما إمّا بِمَجْمُوعِ القُدْرَتَيْنِ أوْ بِكُلٍّ مِنهُما أوْ بِأحَدِهِما. والكُلُّ باطِلٌ. أمّا الأوَّلُ فَلِأنَّ مِن شَأْنِ الإلَهِ كَمالَ القُدْرَةِ. وأمّا الآخَرانِ فَلِما مَرَّ. وإنْ أُرِيدَ بِالفَسادِ الخُرُوجُ عَمّا هُما عَلَيْهِ مِنَ النِّظامِ، فَتَقْرِيرُهُ أنَّهُ لَوْ تَعَدَّدَ الإلَهُ لَكانَ بَيْنَهُما التَّنازُعُ والتَّغالُبُ. وتَمَيَّزَ صُنْعُ كُلٍّ عَنْ صُنْعِ الآخَرِ، بِحُكْمِ اللُّزُومِ العادِيِّ. فَلَمْ يَحْصُلْ بَيْنَ أجْزاءِ العالَمِ هَذا الِالتِئامُ، الَّذِي بِاعْتِبارِهِ صارَ الكُلُّ بِمَنزِلَةِ شَخْصٍ واحِدٍ. ويَخْتَلُّ الِانْتِظامُ الَّذِي بِهِ بَقاءُ الأنْواعِ. وتَرَتُّبُ الآثارِ. انْتَهى. هَذا وقَدْ قِيلَ: إنَّ المَطْلَبَ هُنا بُرْهانِيٌّ، والمُشارُ إلَيْهِ في الآيَةِ إقْناعِيٌّ. ولا يُفِيدُ العِلْمُ اليَقِينِيُّ فَلا يَصِحُّ الِاسْتِدْلالُ بِها عَلى هَذا المَطْلَبِ، ومِمَّنْ فَصَّلَ ذَلِكَ التَّفْتازانِيُّ في (شَرْحِ العَقائِدِ النَّسَفِيَّةِ) قادِحًا لِما أشارَ إلَيْهِ نَفْسُهُ في (شَرْحِ المَقاصِدِ) مِن كَوْنِ الآيَةِ بُرْهانًا، كَما ذَكَرْناهُ عَنْهُ. ومُلَخَّصُ كَلامِهِ أنَّ مُجَرَّدَ التَّعَدُّدِ لا يَسْتَلْزِمُ الفَسادَ بِالفِعْلِ، لِجَوازِ الِاتِّفاقِ عَلى هَذا النِّظامِ، أيْ: بِالِاشْتِراكِ أوْ بِتَفْوِيضِ أحَدِهِما إلى الآخَرِ فَلا يَسْتَلْزِمُ التَّعَدُّدُ التَّمانُعَ بِالفِعْلِ بَلْ بِالإمْكانِ. والإمْكانُ لا يَسْتَلْزِمُ الوُقُوعَ، فَيَجُوزُ أنْ لا يَقَعَ بَيْنَهُما ذَلِكَ التَّمانُعُ بَلْ يَتَّفِقانِ عَلى إيجادِهِما. ورُدَّ عَلَيْهِ بِأنَّ إمْكانَ التَّمانُعِ يَسْتَلْزِمُ التَّمانُعَ بِالفِعْلِ في كُلِّ مَصْنُوعٍ بِطَرِيقِ إرادَةِ الإيجادِ بِالِاسْتِقْلالِ. وكُلَّما لَزِمَ التَّمانُعُ لَمْ يُوجَدْ مَصْنُوعٌ أصْلًا. فَإنَّهُ لَوْ وُجِدَ عَلى تَقْدِيرِ التَّمانُعِ المَذْكُورِ اللّازِمِ لِلتَّعَدُّدِ فَإمّا بِمَجْمُوعِ القُدْرَتَيْنِ، فَيَلْزَمُ عَجْزُهُما. أوْ بِكُلٍّ مِنهُما فَيَلْزَمُ التَّوارُدُ. أوْ بِأحَدِهِما فَيَلْزَمُ الرُّجْحانُ مِن غَيْرِ مُرَجِّحٍ، لِاسْتِواءِ نِسْبَةِ كُلِّ مُمْكِنٍ إلى قُدْرَةِ كُلٍّ مِنَ الإلَهَيْنِ والكُلُّ مَحالٌ ضَرُورَةً، وحاصِلُ الِاسْتِدْلالِ أنَّهُ لَوْ تَعَدَّدَ الآلِهَةُ لَمْ يَتَكَوَّنْ مَصْنُوعٌ لِأنَّ التَّعَدُّدَ مُسْتَلْزَمٌ لِإمْكانِ التَّخالُفِ المُسْتَلْزِمِ لِلتَّوارُدِ أوِ العَجْزِ. فَظَهَرَ أنَّ الآيَةَ حُجَّةٌ قَطْعِيَّةٌ لِكَوْنِ المُلازَمَةِ فِيها قَطْعِيَّةً. وحَقَّقَ بَعْضُهم قَطْعِيَّةَ المُلازَمَةِ بِالعادَةِ القاضِيَةِ الَّتِي لَمْ يُوجَدْ أخْرَمُها قَطُّ في مَلِكَيْنِ مُقْتَدِرَيْنِ في مَدِينَةٍ واحِدَةٍ، أنْ يَطْلُبَ كُلٌّ الِانْفِرادَ بِالمُلْكِ والعُلُوَّ عَلى الآخَرِ وقَهْرَهُ، فَكَيْفَ بِالإلَهَيْنِ والإلَهُ يُوصَفُ بِأقْصى غاياتِ التَّكَبُّرِ، فَكَيْفَ لا يَطْلُبُ الِانْفِرادَ بِالمُلْكِ كَما أخْبَرَ سُبْحانَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿ولَعَلا بَعْضُهم عَلى بَعْضٍ﴾ [المؤمنون: ٩١] ؟ وهَذا إذا تُؤُمِّلَ لا تَكادُ النَّفْسُ تُخْطِرُ نَقِيضَهُ بِالبالِ، فَضْلًا عَنْ إخْطارِ فَرْضِهِ، مَعَ الجَزْمِ بِأنَّ الواقِعَ هو الآخَرُ. (p-٤٢٦٠)فَعَلى هَذا التَّقْدِيرِ، فالمُلازَمَةُ عِلْمٌ قَطْعِيٌّ. هَذا مُلَخَّصُ ما جاءَ في رَدِّ مَقالَةِ السَّعْدِ في الحَواشِي. وقَدْ شَنَّعَ عَلَيْهِ في مَقالَتِهِ المُتَقَدِّمَةِ غَيْرُ واحِدٍ. وبالَغَ مُعاصِرُهُ عَبْدُ اللَّطِيفِ الكِرْمانِيُّ في الِانْتِقادِ. قالَ العَلّامَةُ المَرْجانِيُّ: وقَدْ سَبَقَهُ في هَذا أبُو المُعِينِ النَّسَفِيُّ في كِتابِهِ (التَّبْصِرَةُ) وتابَعَهُ صاحِبُ (الكَشْفِ) حَيْثُ شَنَّعَ عَلى أبِي هاشِمٍ الجُبّائِيِّ تَشْنِيعًا بَلِيغًا. حَتّى نَسَبَهُ إلى الكُفْرِ بِقَدْحِهِ في دَلالَةِ الآيَةِ قَطْعًا عَلى هَذا المُدَّعِي، ولا يَخْفى أنَّ الأفْهامَ لا تَقِفُ عِنْدَ حَدٍّ. ولا تَزالُ تَتَبايَنُ وتَتَخالَفُ ما اخْتَلَفَتِ الصُّوَرُ والألْوانُ، ولا تَكْفِيرَ ولا تَضْلِيلَ، ما دامَ المَرْءُ عَلى سَواءِ السَّبِيلِ. وقَدْ أوْضَحَ بَيانَ هَذِهِ المُلازَمَةِ مُفْتِي مِصْرَ في رِسالَةِ (التَّوْحِيدِ) إيضاحًا ما عَلَيْهِ مِن مَزِيدٍ، وعِبارَتُهُ: ومِمّا يَجِبُ لَهُ تَعالى صِفَةُ الوَحْدَةِ ذاتًا ووَصْفًا ووُجُودًا وفِعْلًا. أمّا الوَحْدَةُ الذّاتِيَّةُ فَقَدْ أثْبَتْناها فِيما تَقَدَّمَ بِنَفْيِ التَّرْكِيبِ في ذاتِهِ خارِجًا وعَقْلًا. وأمّا الوَحْدَةُ في الصِّفَةِ، أيْ: أنَّهُ لا يُساوِيهِ في صِفاتِهِ الثّابِتَةِ لَهُ مَوْجُودٌ، فَلِما بَيَّنّا مِن أنَّ الصِّفَةَ تابِعَةٌ لِمَرْتَبَةِ الوُجُودِ، ولَيْسَ في المَوْجُوداتِ ما يُساوِي واجِبَ الوُجُودِ في مَرْتَبَةِ الوُجُودِ. فَلا يُساوِيهِ فِيما يَتْبَعُ الوُجُودَ مِنَ الصِّفاتِ. وأمّا الوَحْدَةُ في الوُجُودِ وفي الفِعْلِ، ونَعْنِي بِها التَّفَرُّدَ بِوُجُوبِ الوُجُودِ وما يَتْبَعُهُ مِن إيجادِ المُمْكِناتِ، فَهي ثابِتَةٌ، لِأنَّهُ لَوْ تَعَدَّدَ واجِبُ الوُجُودِ لَكانَ لِكُلٍّ مِنَ الواجِبَيْنِ تَعَيُّنٌ يُخالِفُ تَعَيُّنَ الآخَرِ بِالضَّرُورَةِ. وإلّا لَمْ يَتَحَصَّلْ مَعْنى التَّعَدُّدِ. وكُلَّما اخْتَلَفَتِ التَّعْيِناتِ اخْتَلَفَتِ الصِّفاتُ الثّابِتَةُ لِلذَّواتِ المُتَعَيِّنَةِ، لِأنَّ الصِّفَةَ إنَّما تَتَعَيَّنُ وتَنالُ تَحَقُّقَها الخاصَّ بِها، بِتَعَيُّنِ ما يَثْبُتُ لَهُ بِالبَداهَةِ. فَيَخْتَلِفُ العِلْمُ والإرادَةُ بِاخْتِلافِ الذَّواتِ الواجِبَةِ. إذْ يَكُونُ لِكُلِّ واحِدَةٍ مِنها عِلْمٌ وإرادَةٌ يُبايِنانِ عِلْمَ الأُخْرى وإرادَتَها ويَكُونُ لِكُلِّ واحِدَةٍ عِلْمٌ وإرادَةٌ يُلائِمانِ ذاتَها وتَعَيُّنَها الخاصَّ بِها. هَذا التَّخالُفُ ذاتِيٌّ، لِأنَّ عِلْمَ الواجِبِ وإرادَتَهُ لا زَمانَ لِذاتِهِ مِن ذاتِهِ لا لِأمْرٍ خارِجٍ. فَلا سَبِيلَ إلى التَّغَيُّرِ والتَّبَدُّلِ فِيهِما كَما سَبَقَ. وقَدْ قَدَّمْنا أنَّ فِعْلَ الواجِبِ إنَّما يَصْدُرُ عَنْهُ عَلى حَسَبِ عِلْمِهِ وحُكْمِ إرادَتِهِ، فَيَكُونُ فِعْلُ كُلٍّ صادِرًا عَلى حُكْمٍ يُخالِفُ (p-٤٢٦١)الآخَرَ مُخالَفَةً ذاتِيَّةً. فَلَوْ تَعَدَّدَ الواجِبُونَ لَتَخالَفَتْ أفْعالُهم بِتَخالُفِ عُلُومِهِمْ وإرادَتِهِمْ. وهو خِلافٌ يَسْتَحِيلُ مَعَهُ الوِفاقُ. وكُلُّ واحِدٍ بِمُقْتَضى وُجُوبِ وُجُودِهِ وما يَتْبَعُهُ مِنَ الصِّفاتِ، لَهُ السُّلْطَةُ عَلى الإيجادِ في عامَّةِ المُمْكِناتِ. فَكُلٌّ لَهُ التَّصَرُّفُ في كُلٍّ مِنها عَلى حَسَبِ عِلْمِهِ وإرادَتِهِ. ولا مُرَجِّحَ لِنَفاذِ إحْدى القُدْرَتَيْنِ دُونَ الأُخْرى. فَتَتَضارَبُ أفْعالُهم حَسَبَ التَّضارُبِ في عُلُومِهِمْ وإرادَتِهِمْ، فَيَفْسُدُ نِظامُ الكَوْنِ، بَلْ يَسْتَحِيلُ أنْ يَكُونَ لَهُ نِظامٌ، بَلْ يَسْتَحِيلُ وُجُودُ مُمْكِنٍ مِنَ المُمْكِناتِ. لِأنَّ كُلَّ مُمْكِنٍ لا بُدَّ أيْ: يَتَعَلَّقُ بِهِ الإيجادُ عَلى حَسَبِ العُلُومِ والإراداتِ المُخْتَلِفَةِ. فَيَلْزَمُ أنْ يَكُونَ لِلشَّيْءِ الواحِدِ وُجُوداتٌ مُتَعَدِّدَةٌ وهو مُحالٌ فَـ: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إلّا اللَّهُ لَفَسَدَتا لَكِنَّ الفَسادَ مُمْتَنِعٌ بِالبَداهَةِ. فَهو جَلَّ شَأْنُهُ واحِدٌ في ذاتِهِ وصِفاتِهِ لا شَرِيكَ لَهُ في وُجُودِهِ ولا في أفْعالِهِ. انْتَهى. وأشارَ حُجَّةُ الإسْلامِ الغَزالِيُّ في كِتابِ (الِاقْتِصادُ في الِاعْتِقادِ) في بَحْثِ الوَحْدَةِ، إلى أنَّ هَذِهِ الآيَةَ لا أبْيَنَ مِنها في بُرْهانِ التَّوْحِيدِ، وأنَّهُ لا مَزِيدَ عَلى بَيانِ القُرْآنِ. قالَ الكَلَنْبَوِيُّ: الفَسادُ المَذْكُورُ في هَذِهِ الآيَةِ إمّا بِمَعْنى خُرُوجِ السَّماءِ والأرْضِ عَنْ هَذا النِّظامِ المُشاهَدِ مِن بَقاءِ الأنْواعِ وتَرْتِيبِ الآثارِ كَما هو الظّاهِرُ. وإمّا بِمَعْنى عَدَمِ تَكَوُّنِهِما في الأصْلِ كَما قالُوا. ثُمَّ إنَّ كُلَّ مَن يُخاطَبُ بِها يَعْرِفُ أنَّ مَنشَأ الفَسادِ هو تَعَدُّدُ الإلَهِ. فَهي بِعِبارَتِها تَنْفِي آلِهَةً مُتَعَدِّدَةً غَيْرَ الواجِبِ تَعالى، وبِدَلالَتِها تَنْفِي تَعَدُّدَ الآلِهَةِ. انْتَهى. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ العَرْشِ عَمّا يَصِفُونَ﴾ أيْ: مِن وُجُودِ شِرْكٍ لَهُ فِيهِما والفاءُ لِتَرَتُّبِ ما بَعْدَها عَلى ما قَبْلَها مِن ثُبُوتِ الوَحْدانِيَّةِ بِالدَّلِيلِ المُتَقَدِّمِ. أيْ: فَسَبِّحُوهُ سُبْحانَهُ اللّائِقَ بِهِ، ونَزِّهُوهُ عَمّا يَفْتَرُونَ. وفِيهِ تَعَجُّبٌ مِمَّنْ يُشْرَكُ مَعَ المَعْبُودِ الأعْظَمِ البارِئِ لِأعْظَمِ المُكَوِّناتِ وهو العَرْشُ، غَيْرَهُ مِمَّنْ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ البَتَّةَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب