الباحث القرآني

القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: [١٨] ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالحَقِّ عَلى الباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإذا هو زاهِقٌ ولَكُمُ الوَيْلُ مِمّا تَصِفُونَ﴾ . ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالحَقِّ عَلى الباطِلِ﴾ إضْرابٌ عَنِ اتِّخاذِ اللَّهْوِ بَلْ عَنْ إرادَتِهِ. وتَنْزِيهٌ مِنهُ لِذاتِهِ العَلِيَّةِ كَأنَّهُ قالَ: سُبْحانَنا أنْ نَتَّخِذَ اللَّهْوَ واللَّعِبَ أوْ نُرِيدَهُ، بَلْ مِن شَأْنِنا أنْ نَدْحَضَ الباطِلَ بِالحَقِّ: فَيَدْمَغُهُ أيْ: يَمْحَقُهُ بِالكُلِّيَّةِ كَما فَعَلْنا بِأهْلِ القُرى المَحْكِيَّةِ: ﴿فَإذا هو زاهِقٌ﴾ أيْ: هالِكٌ بِالكُلِّيَّةِ. وقَدِ اسْتُعِيرَ لِإرْسالِ الحَقِّ عَلى الباطِلِ (القَذْفُ) الَّذِي هو الرَّمْيُ الشَّدِيدُ بِالجِرْمِ الصُّلْبِ كالصَّخْرَةِ. ولِمَحْقِهِ لِلْباطِلِ. (الدَّمْغُ) الَّذِي هو كَسْرُ الشَّيْءِ الرَّخْوِ الأجْوَفِ. وهو الدِّماغُ بِحَيْثُ يَشُقُّ غِشاءَهُ المُؤَدِّيَ إلى زُهُوقِ الرُّوحِ، اسْتِعارَةٌ تَصْرِيحِيَّةٌ تَبَعِيَّةٌ. ويَصِحُّ أنْ يَكُونَ تَمْثِيلًا لِغَلَبَةِ الحَقِّ عَلى الباطِلِ حَتّى يُذْهِبَهُ، بِرَمْيِ جِرْمٍ صُلْبٍ عَلى رَأْسِ دِماغِها رَخْوٍ لِيَشُقَّهُ، وذَكَرَ: ﴿فَإذا هو زاهِقٌ﴾ لِتَرْشِيحِ المَجازِ. لِأنَّ مَن رَمى فَدَمَغَ تَزْهَقُ رُوحُهُ. فَهو مِن لَوازِمِهِ. قالَ أبُو السُّعُودِ: وفي (إذا) الفُجائِيَّةِ والجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ مِنَ الدَّلالَةِ عَلى كَمالِ المُسارَعَةِ في الذَّهابِ والبُطْلانِ، ما لا يَخْفى. فَكَأنَّهُ زاهِقٌ مِنَ الأصْلِ (p-٤٢٥٦)وفِي الآيَةِ إيماءٌ إلى عُلُوِّ الحَقِّ وتَسَفُّلِ الباطِلِ. وأنَّ جانِبَ الأوَّلِ باقٍ والثّانِي فانٍ: ﴿ولَكُمُ الوَيْلُ مِمّا تَصِفُونَ﴾ أيْ: مِمّا تَصِفُونَهُ بِهِ مِنِ اتِّخاذِ الوَلَدِ ونَحْوِهِ، مِمّا تَتَنَزَّهُ عَظَمَتُهُ عَنْهُ. ثُمَّ أخْبَرَ تَعالى عَنْ عُبُودِيَّةِ المَلائِكَةِ لَهُ، ودَأْبِهِمْ في طاعَتِهِ لَيْلًا ونَهارًا، وبَراءَتِهِمْ مِنَ البُنُوَّةِ المُفْتَراةِ عَلَيْهِمْ، إثْرَ إخْبارِهِ عَنْ مُلْكِهِ لِلْخَلْقِ كافَّةً، بِقَوْلِهِ:
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب