الباحث القرآني

القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: [٥١] ﴿قالَ فَما بالُ القُرُونِ الأُولى﴾ [٥٢] ﴿قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي في كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي ولا يَنْسى﴾ [طه: ٥٢] . ﴿قالَ﴾ أيْ: فِرْعَوْنُ: ﴿فَما بالُ القُرُونِ الأُولى﴾ ﴿قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي في كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي ولا يَنْسى﴾ [طه: ٥٢] أيْ: ما حالُ القُرُونِ السّالِفَةِ وما جَرى عَلَيْهِمْ؟ وهَذا السُّؤالُ إمّا لِصَرْفِ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ عَمّا يَدْعُوهُ إلَيْهِ أمامَ مَلَئِهِ، وإشْغالِهِ بِما لا يَعْنِي ما أُرْسِلَ بِهِ، وإمّا لِتَوَهُّمِ أنَّ الرَّسُولَ يَعْلَمُ الغَيْبَ، فَأرادَ أنْ يَقِفَ عَلى نَبَأِ ما مَضى، ويَفْتَحَ بابًا لِلتَّخْطِئَةِ والتَّكْذِيبِ، بِالعِنادِ واللَّجاجِ. فَأجابَهُ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ بِأنَّ هَذا سُؤالٌ عَنِ الغَيْبِ، وقَدِ اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِهِ. فَلا يَعْلَمُهُ إلّا هو. ولَيْسَ مِن وظِيفَةِ الرِّسالَةِ. وإنَّما عِلْمُها مَكْتُوبٌ في اللَّوْحِ المَحْفُوظِ، مُحْصًى غَيْرُ مَنسِيٍّ. ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ: في كِتابٍ تَمْثِيلًا لِتَمَكُّنِهِ وتَقْرِيرِهِ في عِلْمِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ، بِما اسْتَحْفَظَهُ العالِمَ وقَيَّدَهُ بِالكَتَبَةِ. قالَ في العِنايَةِ: فَيُشَبِّهُ عِلْمَهُ تَعالى بِها عِلْمًا ثابِتًا لا يَتَغَيَّرُ، بِمَن عَلِمَ شَيْئًا وكَتَبَهُ في جَرِيدَتِهِ، حَتّى لا يَذْهَبَ أصْلًا، فَيَكُونُ قَوْلُهُ: ﴿لا يَضِلُّ رَبِّي ولا يَنْسى﴾ [طه: ٥٢] تَرْشِيحًا لِلتَّمْثِيلِ، واحْتِراسًا أيْضًا. لِأنَّ مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ إنَّما يَفْعَلُهُ لِخَوْفِ النِّسْيانِ. واللَّهُ تَعالى مُنَزَّهٌ عَنْهُ. فَـ(الكِتابُ) عَلى هَذا بِمَعْناهُ اللُّغَوِيِّ. وهو الدَّفْتَرُ، لا اللَّوْحُ المَحْفُوظُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب