الباحث القرآني

القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: [٢٤٧] ﴿وقالَ لَهم نَبِيُّهم إنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكم طالُوتَ مَلِكًا قالُوا أنّى يَكُونُ لَهُ المُلْكُ عَلَيْنا ونَحْنُ أحَقُّ بِالمُلْكِ مِنهُ ولَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ المالِ قالَ إنَّ اللَّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكم وزادَهُ بَسْطَةً في العِلْمِ والجِسْمِ واللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشاءُ واللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ﴾ . (p-٦٤٤)﴿وقالَ لَهم نَبِيُّهم إنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكم طالُوتَ مَلِكًا﴾ هَذا شُرُوعٌ في تَفْصِيلِ ما جَرى بَيْنَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ وبَيْنَهم مِنَ الأقْوالِ والأفْعالِ، إثْرَ الإشارَةِ الإجْمالِيَّةِ إلى مَصِيرِ حالِهِمْ. أيْ: قالَ لَهم (بَعْدَ ما أوْحى إلَيْهِ ما أوْحى) إنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكم طالُوتَ مَلِكًا أيْ: مَلَّكَهُ عَلَيْكُمْ، فانْتَهُوا في تَدْبِيرِ الحَرْبِ إلى أمْرِهِ، وكانَ طالُوتُ مِن سِبْطٍ لَمْ يَكُنِ المُلْكُ فِيهِمْ. وطالُوتُ اسْمٌ أعْجَمِيٌّ كَجالُوتَ وداوُدَ، ولِذَلِكَ لَمْ يَنْصَرِفْ، وزَعَمَ قَوْمٌ أنَّهُ عَرَبِيٌّ مِنَ (الطُّولِ) لِما وُصِفَ بِهِ مِنَ البَسْطَةِ في الجِسْمِ. ولَكِنَّهُ لَيْسَ مِن أبْنِيَةِ العَرَبِ، فَمَنعُ صَرْفِهِ لِلْعَلَمِيَّةِ وشِبْهِ العُجْمَةِ. وقَدْ زَعَمَ الكِتابِيُّونَ أنَّ طالُوتَ هو المَعْرُوفُ عِنْدَهم بِشاوُلَ ﴿قالُوا﴾ مُعْتَرِضِينَ عَلى نَبِيِّهِمْ بَلْ عَلى اللَّهِ تَعالى: ﴿أنّى يَكُونُ لَهُ المُلْكُ عَلَيْنا﴾ أيْ: مِن أيْنَ يَكُونُ أوْ كَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ: ﴿ونَحْنُ أحَقُّ بِالمُلْكِ مِنهُ﴾ أيْ: لِأنَّ فِينا مَن هو سِبْطُ المُلُوكِ دُونَهُ. قالَ الحَرالِيُّ: فَثَنَّوُا اعْتِراضَهم بِما هو أشَدُّ وهو الفَخْرُ بِما ادَّعَوْهُ مِنِ اسْتِحْقاقِ المُلْكِ عَلى مَن مَلَّكَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ. فَكانَ فِيهِ حَظٌّ مِن فَخْرِ إبْلِيسَ، حَيْثُ قالَ حِينَ أُمِرَ بِالسُّجُودِ لِآدَمَ: ﴿أنا خَيْرٌ مِنهُ﴾ [ص: ٧٦] ﴿ولَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ المالِ﴾ أيْ: فَصارَ لَهُ مانِعانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ لَيْسَ مِن بَيْتِ المُلْكِ. والثّانِي: أنَّهُ مُمْلِقٌ. والمَلِكُ لا بُدَّ لَهُ مِن مالٍ يَعْتَضِدُ بِهِ. قالَ الحَرالِيُّ: فَكانَ في هَذِهِ الثّالِثَةِ فِتْنَةُ اسْتِصْنامِ المالِ، وأنَّهُ مِمّا يُقامُ بِهِ مُلْكٌ. وإنَّما المُلْكُ بِإيتاءِ اللَّهِ. فَكانَ في هَذِهِ الفِتْنَةِ الثّالِثَةِ جَهْلٌ وشِرْكٌ، فَتَزايَدَتْ صُنُوفُ فِتْنَتِهِمْ فِيما انْبَعَثُوا إلى طَلَبِهِ مِن أنْفُسِهِمْ. ﴿قالَ إنَّ اللَّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكم وزادَهُ بَسْطَةً في العِلْمِ والجِسْمِ﴾ لَمّا اسْتَبْعَدُوا (p-٦٤٥)تَمَلُّكَهُ بِسُقُوطِ نَسَبِهِ وبِفَقْرِهِ، رَدَّ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ أوَّلًا: بِأنَّ مَلاكَ الأمْرِ هو اصْطِفاءُ اللَّهِ تَعالى وقَدِ اخْتارَهُ عَلَيْكم وهو أعْلَمُ بِالمَصالِحِ مِنكُمْ، وثانِيًا: بِأنَّ العُمْدَةَ فِيهِ وُفُورُ العِلْمِ لِيَتَمَكَّنَ بِهِ مِن مَعْرِفَةِ أُمُورِ السِّياسَةِ، وجَسامَةُ البَدَنِ لِيَعْظُمَ خَطَرُهُ في القُلُوبِ ويَقْدِرَ عَلى مُقاوَمَةِ الأعْداءِ ومُكابَدَةِ الحُرُوبِ، وقَدْ خَصَّهُ اللَّهُ تَعالى مِنهُما بِحَظٍّ وافِرٍ. قالَهُ أبُو السُّعُودِ. ﴿واللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشاءُ﴾ في الدُّنْيا مِن غَيْرِ إرْثٍ أوْ مالٍ؛ إذْ لا يُشْتَرَطُ في حَقِّهِ تَعالى شَيْءٌ، فَهو الفَعّالُ لِما يُرِيدُ: ﴿واللَّهُ واسِعٌ﴾ يُوَسِّعُ عَلى الفَقِيرِ ويُغْنِيهِ: ﴿عَلِيمٌ﴾ بِمَن يَلِيقُ بِالمُلْكِ مِمَّنْ لا يَلِيقُ بِهِ، وإظْهارُ الِاسْمِ الجَلِيلِ لِتَرْبِيَةِ المَهابَةِ. قالَ بَعْضُ مُفَسِّرِي الزَّيْدِيَّةِ: ثَمَرَةُ الآيَةِ أنَّ النُّبُوَّةَ والإمامَةَ لا تُسْتَحَقُّ بِالإرْثِ وأنَّ الغِنى والصِّيانَةَ مِنَ الحِرَفِ الدَّنِيئَةِ، لا تُشْتَرَطُ في أمِيرٍ ولا إمامٍ ولا قاضٍ. أيْ: لَمّا رُوِيَ أنَّ طالُوتَ كانَ دَبّاغًا أوْ سَقّاءً مَعَ فَقْرِهِ. قالَ الحاكِمُ: فَيَبْطُلُ قَوْلُ الإمامِيَّةِ إنَّها وِراثَةٌ، والمَعْرُوفُ مِن قَوْلِهِمْ أنَّ الإمامَةَ طَرِيقُها النَّصُّ، وتَدُلُّ الآيَةُ أيْضًا عَلى أنَّهُ يُشْتَرَطُ في الأمِيرِ ونَحْوِهِ القُوَّةُ عَلى ما تَوَلّاهُ، فَيَكُونُ سَلِيمًا مِنَ الآفاتِ عالِمًا بِما يَحْتاجُ إلَيْهِ، لِأنَّ اللَّهَ تَعالى ذَكَرَ البَسْطَةَ في العِلْمِ والجِسْمِ رَدًّا عَلى ما اعْتَبَرُوا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب