الباحث القرآني
(p-٥٥٨)القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[٢٢١] ﴿ولا تَنْكِحُوا المُشْرِكاتِ حَتّى يُؤْمِنَّ ولأمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِن مُشْرِكَةٍ ولَوْ أعْجَبَتْكم ولا تُنْكِحُوا المُشْرِكِينَ حَتّى يُؤْمِنُوا ولَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِن مُشْرِكٍ ولَوْ أعْجَبَكم أُولَئِكَ يَدْعُونَ إلى النّارِ واللَّهُ يَدْعُو إلى الجَنَّةِ والمَغْفِرَةِ بِإذْنِهِ ويُبَيِّنُ آياتِهِ لِلنّاسِ لَعَلَّهم يَتَذَكَّرُونَ﴾ .
﴿ولا تَنْكِحُوا المُشْرِكاتِ حَتّى يُؤْمِنَّ﴾ أيْ: لا تَتَزَوَّجُوا الوَثَنِيّاتِ حَتّى يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ تَعالى.
قالَ ابْنُ كَثِيرٍ: هَذا تَحْرِيمٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ عَلى المُؤْمِنِينَ أنْ يَتَزَوَّجُوا المُشْرِكاتِ مِن عَبَدَةِ الأوْثانِ، ثُمَّ إنْ كانَ عُمُومُها مُرادًا، وأنَّهُ يَدْخُلُ فِيها كُلُّ مُشْرِكَةٍ مِن كِتابِيَّةٍ ووَثَنِيَّةٍ، فَقَدْ خَصَّ مِن ذَلِكَ نِساءَ أهْلِ الكِتابِ بِقَوْلِهِ: ﴿والمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ مِن قَبْلِكم إذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ﴾ [المائدة: ٥]
وقَدْ بَسَطَ العَلّامَةُ الرّازِيُّ هَهُنا الكَلامَ عَلى أنَّ لَفْظَ المُشْرِكِ هَلْ يَتَناوَلُ الكُفّارَ مِن أهْلِ الكِتابِ؟ فانْظُرْهُ.
والتَّحْقِيقُ: أنَّ المُشْرِكَ لا يَتَناوَلُ الكِتابِيَّ، لِأنَّ آياتِ القُرْآنِ صَرِيحَةٌ في التَّفْرِقَةِ بَيْنَهُما. وعُطِفَ أحَدُهُما عَلى الآخَرِ في مِثْلِ: ﴿إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن أهْلِ الكِتابِ والمُشْرِكِينَ﴾ [البينة: ٦] وسِرُّ ذَلِكَ أنَّ المُشْرِكَ هو مَن يَتَدَيَّنُ بِالشِّرْكِ. أيْ: يَكُونُ أصْلُ دِينِهِ الإشْراكَ، والكِتابِيُّ - وإنْ طَرَأ في دِينِهِ الشِّرْكُ - فَلَمْ يَكُنْ مِن أصْلِهِ وجَوْهَرِهِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولأمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِن مُشْرِكَةٍ﴾ تَعْلِيلٌ لِلنَّهْيِ عَنْ مُواصَلَتِهِنَّ، وتَرْغِيبٌ في مُواصَلَةِ المُؤْمِناتِ؛ أيْ: ولَأمَةٌ مُؤْمِنَةٌ مَعَ ما بِها مِن خَساسَةِ الرِّقِّ وقِلَّةِ الخَطَرِ؛ خَيْرٌ مِن مُشْرِكَةٍ مَعَ ما لَها مِن شَرَفِ الحُرِّيَّةِ ورِفْعَةِ الشَّأْنِ. فَإنَّ نُقْصانَ الرِّقِّيَّةِ فِيها مَجْبُورٌ بِالإيمانِ الَّذِي هو أجَلُّ كِمالاتِ الإنْسانِ: ﴿ولَوْ أعْجَبَتْكُمْ﴾ أيِ: المُشْرِكَةُ بِحُسْنِها ونَسَبِها (p-٥٥٩)وغَيْرِهِما. فَإنَّ نُقْصانَ الكُفْرِ لا يُجْبَرُ بِها: ﴿ولا تُنْكِحُوا المُشْرِكِينَ﴾ بِضَمِّ التّاءِ - مِنَ الإنْكاحِ، وهو التَّزْوِيجُ أيْ: لا تُزَوِّجُوا الكُفّارَ - بِأيِّ كُفْرٍ كانَ - مِنَ المُسْلِماتِ: ﴿حَتّى يُؤْمِنُوا﴾ ويَتْرُكُوا ما هم فِيهِ مِنَ الكُفْرِ: ﴿ولَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ﴾ مَعَ ما بِهِ مِن ذُلِّ الرِّقِّيَّةِ: ﴿خَيْرٌ مِن مُشْرِكٍ ولَوْ أعْجَبَكُمْ﴾ بِداعِي الرَّغْبَةِ فِيهِ الدُّنْيَوِيَّةِ، فَإنَّ ذَهابَ الكَفاءَةِ بِالكُفْرِ غَيْرُ مَجْبُورٍ بِشَيْءٍ مِنها. وأفْهَمَ هَذا خَيْرِيَّةُ الحُرَّةِ والحُرِّ المُؤْمِنَيْنِ مِن بابِ الأوْلى، مَعَ التَّشْرِيفِ العَظِيمِ لَهُما بِتَرْكِ ذِكْرِهِما، إعْلامًا بِأنَّ خَيْرِيَّتَهُما أمْرٌ مَقْطُوعٌ بِهِ وأنَّ المُفاضَلَةَ إنَّما هي بَيْنَ مَن كانُوا يُعِدُّونَهُ دَنِيًّا فَشَرَّفَهُ الإيمانُ، ومَن يَعُدُّونَهُ شَرِيفًا فَحَقَّرَهُ الكُفْرانُ. ولِذَلِكَ ذُكِرَ المَوْصُوفُ بِالإيمانِ في المَوْضِعَيْنِ لِيَدُلَّ عَلى أنَّهُ - وإنْ كانَ دَنِيًّا - مَوْضِعُ التَّفْضِيلِ لِعُلُوِّ وصْفِهِ. وأثْبَتَ الوَصْفُ بِالشِّرْكِ في المَوْضِعَيْنِ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ، لِأنَّهُ مَوْضِعُ التَّحْقِيرِ وإنْ عَلا في العُرْفِ مَوْصُوفُهُ - أفادَهُ البِقاعِيُّ.
ثُمَّ أشارَ إلى وجْهِ الحَظْرِ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿أُولَئِكَ﴾ أيِ: المَذْكُورُونَ مِنَ المُشْرِكاتِ والمُشْرِكِينَ: ﴿يَدْعُونَ﴾ مَن يُقارِنُهم ويُعاشِرُهُمْ: ﴿إلى النّارِ﴾ أيْ: إلى ما يُؤَدِّي إلَيْها مِنَ الكُفْرِ والفُسُوقِ؛ فَإنَّ الزَّوْجِيَّةَ مَظِنَّةُ الأُلْفَةِ والمَحَبَّةِ والمَوَدَّةِ، وكُلُّ ذَلِكَ يُوجِبُ المُوافَقَةَ في المَطالِبِ والأغْراضِ، فَحَقُّهم أنْ لا يُوالُوا ولا يُصاهَرُوا..!: ﴿واللَّهُ يَدْعُو﴾ أيْ بِما يَأْمُرُ بِهِ عَلى ألْسِنَةِ رُسُلِهِ: ﴿إلى الجَنَّةِ والمَغْفِرَةِ﴾ أيِ: العَمَلِ المُؤَدِّي إلَيْهِما. وتَقْدِيمُ الجَنَّةِ هُنا عَلى المَغْفِرَةِ مَعَ سَبْقِها عَلَيْها، لِرِعايَةِ مُقابَلَةِ النّارِ ابْتِداءً: ﴿بِإذْنِهِ﴾ بِأمْرِهِ: ﴿ويُبَيِّنُ آياتِهِ﴾ أمْرَهُ ونَهْيَهُ في التَّزْوِيجِ: ﴿لِلنّاسِ لَعَلَّهم يَتَذَكَّرُونَ﴾ لِكَيْ يَتَّعِظُوا ويَنْتَهُوا عَنْ تَزْوِيجِ الحَرامِ، ويُوالُوا أوْلِياءَ اللَّهِ - وهُمُ المُؤْمِنُونَ - بِالمُعاشَرَةِ والمُصاهَرَةِ فَيَفُوزُوا بِما دُعُوا إلَيْهِ مِنَ الجَنَّةِ والغُفْرانِ.
هَذا وقَدْ قِيلَ: مَعْنى: ﴿واللَّهُ يَدْعُو﴾ وأوْلِياءُ اللَّهِ يَدْعُونَ، وهُمُ المُؤْمِنُونَ، عَلى حَذْفِ المُضافِ وإقامَةِ المُضافِ إلَيْهِ مَقامَهُ؛ تَشْرِيفًا لَهُمْ، وتَفْخِيمًا لِشَأْنِهِمْ، حَيْثُ جَعَلَ فِعْلَهَمْ فِعْلَ نَفْسِهِ صُورَةً، ومَلْحَظُهُ رِعايَةُ المُقابَلَةِ، كَأنَّهُ قِيلَ: أعْداءُ اللَّهِ يَدْعُونَ إلى النّارِ، وأوْلِياءُ اللَّهِ (p-٥٦٠)يَدْعُونَ إلى الجَنَّةِ والمَغْفِرَةِ. إلّا أنَّ فِيهِ فَواتَ رِعايَةٍ تُناسِبُ الضَّمائِرَ، فَإنَّ الضَّمِيرَ في المَعْطُوفِ عَلى الخَبَرِ أعْنِي قَوْلَهُ تَعالى: ﴿ويُبَيِّنُ﴾ لِلَّهِ تَعالى، فَيَلْزَمُ التَّفْكِيكُ.
تَنْبِيهٌ:
قالَ الرّاغِبُ: حَقِيقَةُ التَّذَكُّرِ، الِاسْتِذْكارُ عَنْ نِسْيانٍ أوْ غَفْلَةٍ لِما اشْتَبَهَ القَلْبُ. قالَ: إنْ قِيلَ: إلى أيِّ شَيْءٍ أشارَ بِهَذا التَّذَكُّرِ؟ قِيلَ: إنَّ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ رَكَّبَ فِينا بِالفِطْرَةِ مَعْرِفَتَهُ ومَعْرِفَةَ آلائِهِ. والإنْسانُ - بِاسْتِفادَةِ العِلْمِ - يَتَذَكَّرُ ما ذُكِرَ فِيهِ، فَهَذا مَعْنى التَّذَكُّرِ. ثُمَّ قالَ: وقَدْ قِيلَ: الرَّجاءُ مِنَ اللَّهِ واجِبٌ، بِمَعْنى أنَّهُ إذا رَجانا حَقَّقَ رَجانا. قالَ: وهَذِهِ مَسْألَةٌ لا يُمْكِنُ تَصَوُّرُها إنْ لَمْ نَبْلُغْها بِتَعاطِي هَذِهِ الأفْعالِ الَّتِي شَرَطَها اللَّهُ تَعالى. فَلِذَلِكَ صَعُبَ إدْراكُها لَنا.
{"ayah":"وَلَا تَنكِحُوا۟ ٱلۡمُشۡرِكَـٰتِ حَتَّىٰ یُؤۡمِنَّۚ وَلَأَمَةࣱ مُّؤۡمِنَةٌ خَیۡرࣱ مِّن مُّشۡرِكَةࣲ وَلَوۡ أَعۡجَبَتۡكُمۡۗ وَلَا تُنكِحُوا۟ ٱلۡمُشۡرِكِینَ حَتَّىٰ یُؤۡمِنُوا۟ۚ وَلَعَبۡدࣱ مُّؤۡمِنٌ خَیۡرࣱ مِّن مُّشۡرِكࣲ وَلَوۡ أَعۡجَبَكُمۡۗ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ یَدۡعُونَ إِلَى ٱلنَّارِۖ وَٱللَّهُ یَدۡعُوۤا۟ إِلَى ٱلۡجَنَّةِ وَٱلۡمَغۡفِرَةِ بِإِذۡنِهِۦۖ وَیُبَیِّنُ ءَایَـٰتِهِۦ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ یَتَذَكَّرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











