الباحث القرآني
القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[٢٠٧] ﴿ومِنَ النّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ واللَّهُ رَءُوفٌ بِالعِبادِ﴾ .
﴿ومِنَ النّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ﴾ أيْ: يَبِيعُها بِبَذْلِها في طاعَةِ اللَّهِ: ﴿ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ﴾ أيْ: طَلَبَ رِضاهُ: ﴿واللَّهُ رَءُوفٌ بِالعِبادِ﴾ حَيْثُ أرْشَدَهم لِما فِيهِ رِضاهُ، وأسْبَغَ عَلَيْهِمْ نِعْمَةً ظاهِرَةً وباطِنَةً، مَعَ كُفْرِهِمْ بِهِ، وتَقْصِيرِهِمْ في أمْرِهِ.
لَطِيفَةٌ:
قالَ بَعْضُهُمْ: كانَ مُقْتَضى المُقابَلَةِ لِلْفَرِيقِ الأوَّلِ أنْ يُوصَفَ هَذا الفَرِيقُ بِالعَمَلِ الصّالِحِ مَعَ عَدَمِ الدَّعْوى والتَّبَجُّحِ بِالقَوْلِ، أوْ مَعَ مُطابَقَةِ قَوْلِهِ لِعَمَلِهِ، ومُوافَقَةِ لِسانِهِ لِما في جَنانِهِ! والآيَةُ تَضَمَّنَتْ هَذا الوَصْفَ وإنْ لَمْ تَنْطِقْ بِهِ. فَإنَّ مَن يَبِيعُ نَفْسَهُ لِلَّهِ، لا يَبْغِي ثَمَنًا لَها غَيْرَ مَرْضاتِهِ، لا يَتَحَرّى إلّا العَمَلَ الصّالِحَ، وقَوْلَ الحَقِّ والإخْلاصَ في القَلْبِ، فَلا يَتَكَلَّمُ بِلِسانَيْنِ، (p-٥١٢)ولا يُقابِلُ النّاسَ بِوَجْهَيْنِ، ولا يُؤَثِّرُ عَلى ما عِنْدَ اللَّهِ عَرَضُ الحَياةِ الدُّنْيا... وهَذا هو المُؤْمِنُ الَّذِي يَعْتَدُّ القُرْآنُ بِإيمانِهِ...
وقَدْ أخْرَجَ الحارِثُ بْنُ أبِي أُسامَةَ في مُسْنَدِهِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ ورَزِينٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ قالَ: «أقْبَلَ صُهَيْبٌ مُهاجِرًا إلى النَّبِيِّ ﷺ، فاتَّبَعَهُ نَفَرٌ مِن قُرَيْشٍ، فَنَزَلَ عَنْ راحِلَتِهِ، وانْتَثَلَ ما في كِنانَتِهِ ثُمَّ قالَ: يا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ! لَقَدْ عَلِمْتُمْ أنِّي مِن أرْماكم رَجُلًا. وايْمُ اللَّهِ! لا تَصِلُونَ إلَيَّ حَتّى أرْمِيَ كُلَّ سَهْمٍ مَعِي في كِنانَتِي، ثُمَّ أضْرَبَ بِسَيْفِي ما بَقِيَ في يَدِي مِنهُ شَيْءٌ، ثُمَّ افْعَلُوا ما شِئْتُمْ، وإنْ شِئْتُمْ دَلَلْتُكم عَلى مالِي بِمَكَّةَ وخَلَّيْتُمْ سَبِيلِي؟ قالُوا: نَعَمْ! فَلَمّا قَدَمَ عَلى النَّبِيِّ ﷺ المَدِينَةَ قالَ: «رَبِحَ البَيْعُ، أبا يَحْيى! رَبِحَ، أبا يَحْيى...!» ونَزَلَتْ: ﴿ومِنَ النّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ﴾ الآيَةَ».
وأخْرَجَ الحاكِمُ في " المُسْتَدْرَكِ " نَحْوَهُ مِن طَرِيقِ ابْنِ المُسَيِّبِ عَنْ صُهَيْبٍ مَوْصُولًا. وأخْرَجَهُ أيْضًا مِن طَرِيقِ حَمّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ثابِتٍ عَنْ أنَسٍ. وفِيهِ التَّصْرِيحُ بِنُزُولِ الآيَةِ، وقالَ: صَحِيحٌ عَلى شَرْطِ مُسْلِمٍ ورُوِيَ أنَّها نَزَلَتْ في صُهَيْبٍ وغَيْرِهِ، كَما رُوِيَ في نُزُولِ الأُولى رِواياتٌ ساقَها بَعْضُ المُفَسِّرِينَ.
ولا تَنافِيَ في ذَلِكَ، لِأنَّ قَوْلَهُمْ: نَزَلَتْ في كَذا، تارَةً يُرادُ بِهِ أنَّ حالًا ما كانَ سَبَبًا لِنُزُولِها، بِمَعْنى أنَّها ما نَزَلَتْ إلّا لِأجْلِهِ، وهَذا يُعْلَمُ إمّا مِن إشْعارِ الآيَةِ بِذَلِكَ، أوْ مِن رِوايَةٍ صَحَّ سَنَدُها صِحَّةً لا مَطْعَنَ فِيهِ. وتارَةً يُرادُ بِهِ أنَّها نَزَلَتْ بَعْدَ وُقُوعِ شَأْنِ ما تَشْمَلُهُ بِعُمُومِها. فَيَقُولُ الرّاوِي عُقَيْبَ حُدُوثِ ذَلِكَ الشَّأْنِ: نَزَلَتْ في كَذا، والمُرادُ: أنَّها تَصْدُقُ عَلَيْهِ لا أنَّ ذَلِكَ الشَّأْنَ كانَ سَبَبًا لِلنُّزُولِ... وما رُوِيَ في هَذِهِ الآيَةِ مِن هَذا القَبِيلِ.
وإلى هَذا النَّوْعِ أشارَ الزَّرْكَشِيُّ في " البُرْهانِ " بِقَوْلِهِ: قَدْ عُرِفَ مِن عادَةِ الصَّحابَةِ والتّابِعَيْنِ أنَّ أحَدَهم إذا قالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ في كَذا، فَإنَّهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ أنَّها تَتَضَمَّنُ هَذا الحُكْمَ، لا أنَّ هَذا كانَ السَّبَبَ في نُزُولِها. فَهو مِن جِنْسِ الِاسْتِدْلالِ عَلى الحُكْمِ بِالآيَةِ، لا مِن جِنْسِ النَّقْلِ لِما وقَعَ....
(p-٥١٣)وقَدْ قَدَّمْنا أنَّ سَبَبَ النُّزُولِ مِمّا يَدْخُلُهُ الِاجْتِهادُ. وأنْ لا يُعَوَّلَ مِنهُ إلّا عَلى ما صَحَّ سَنَدُهُ. وما نَزَلْ عَنْهُ وارْتَقى عَنْ دَرَجَةِ الضَّعْفِ بِتَفَقُّهٍ فِيهِ.. فاحْرِصْ عَلى هَذا التَّحْقِيقِ. وقَدْ أسْلَفْنا في المُقَدِّمَةِ البَحْثَ فِيهِ مُسْتَوْفًى. وبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
{"ayah":"وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن یَشۡرِی نَفۡسَهُ ٱبۡتِغَاۤءَ مَرۡضَاتِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ رَءُوفُۢ بِٱلۡعِبَادِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











