الباحث القرآني
القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[١٨٠] ﴿كُتِبَ عَلَيْكم إذا حَضَرَ أحَدَكُمُ المَوْتُ إنْ تَرَكَ خَيْرًا الوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ والأقْرَبِينَ بِالمَعْرُوفِ حَقًّا عَلى المُتَّقِينَ﴾ .
﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ﴾ أيْ: فُرِضَ، كَما اسْتَفاضَ في الشَّرْعِ: ﴿إذا حَضَرَ أحَدَكُمُ المَوْتُ﴾ أيْ: أمارَتُهُ وهو المَرَضُ المُخَوِّفُ: ﴿إنْ تَرَكَ خَيْرًا﴾ أيْ: مالًا يَنْبَغِي أنْ يُوصِيَ فِيهِ. وقَدْ أُطْلِقَ في القُرْآنِ: الخَيْرُ وأُرِيدَ بِهِ المالُ في آياتٍ كَثِيرَةٍ، مِنها هَذِهِ، ومِنها قَوْلُهُ: ﴿وما تُنْفِقُوا مِن خَيْرٍ﴾ [البقرة: ٢٧٢] (p-٤٠٧)ومِنها: ﴿وإنَّهُ لِحُبِّ الخَيْرِ لَشَدِيدٌ﴾ [العاديات: ٨] ومِنها: ﴿رَبِّ إنِّي لِما أنْـزَلْتَ إلَيَّ مِن خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾ [القصص: ٢٤] إلى غَيْرِها. وإنَّما سُمِّيَ المالُ خَيْرًا؛ تَنْبِيهًا عَلى مَعْنًى لَطِيفٍ: وهو أنَّ المالَ الَّذِي يُحَسَنُ الوَصِيَّةُ بِهِ ما كانَ مَجْمُوعًا مِن وجْهٍ مَحْمُودٍ..! كَما أنَّ في التَّسْمِيَةِ إشارَةً إلى كَثْرَتِهِ، كَما قالَ بَعْضُهُمْ: لا يُقالُ لِلْمالِ خَيْرٌ حَتّى يَكُونَ كَثِيرًا، ومِن مَكانٍ طَيِّبٍ..!. وقَدْ رَوى ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ هِشامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أبِيهِ: أنْ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دَخَلَ عَلى رَجُلٍ مِن قَوْمِهِ يَعُودُهُ، فَقالَ لَهُ: أُوصِي؟ فَقالَ لَهُ عَلِيٌّ: إنَّما قالَ اللَّهُ: ﴿إنْ تَرَكَ خَيْرًا الوَصِيَّةُ﴾ إنَّما تَرَكْتَ شَيْئًا يَسِيرًا فاتْرُكْهُ لِوَلَدِكَ..! ورَوى الحاكِمُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: مَن لَمْ يَتْرُكْ سِتِّينَ دِينارًا لَمْ يَتْرُكْ خَيْرًا!. وقالَ طاوُسٌ: لَمْ يَتْرُكْ خَيْرًا مَن لَمْ يَتْرُكْ ثَمانِينَ دِينارًا. وقالَ قَتادَةُ: كانَ يُقالُ: ألْفًا فَما فَوْقَها.
ومِنهُ يُعْلَمُ أنْ لا تَحْدِيدَ لِلْكَثْرَةِ المَفْهُومَةِ، وأنَّ مَرَدَّها لِلْعُرْفِ لِاخْتِلافِ أحْوالِ الزَّمانِ والمَكانِ.
ثُمَّ ذُكِرَ نائِبُ فاعِلٍ كُتِبَ بَعْدَ أنِ اشْتَدَّ التَّشَوُّفُ إلَيْهِ، فَقالَ: الوَصِيَّةُ وتَذْكِيرُ الفِعْلِ الرّافِعِ لَها: إمّا لِأنَّهُ أُرِيدَ بِالوَصِيَّةِ الإيصاءُ، ولِذَلِكَ ذُكِرَ الضَّمِيرُ في قَوْلِهِ: ﴿فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَما سَمِعَهُ﴾ [البقرة: ١٨١] وإمّا لِلْفَصْلِ بَيْنَ الفِعْلِ ونائِبِهِ، لِأنَّ الكَلامَ لَمّا طالَ، كانَ الفاصِلُ بَيْنَ المُؤَنَّثِ والفِعْلِ كالعِوَضِ مِن تاءِ التَّأْنِيثِ. وقَوْلُهُ: ﴿لِلْوالِدَيْنِ﴾ بَدَأ بِهِما لِشَرَفِهِما وعِظَمِ حَقِّهِما: ﴿والأقْرَبِينَ﴾ مَن عَداهُما مِن جَمِيعِ القَراباتِ: ﴿بِالمَعْرُوفِ﴾ وهو ما تَتَقَبَّلُهُ الأنْفُسُ ولا تَجِدُ مِنهُ تَكَرُّهًا.
(p-٤٠٨)وفِي الصَّحِيحَيْنِ: «أنَّ سَعْدًا قالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ لِي مالًا ولا يَرِثُنِي إلّا ابْنَةٌ لِي: أفَأُوصِي بِثُلُثَيْ مالِي؟ قالَ: «لا» .. قالَ: فَبِالشَّطْرِ؟ قالَ: «لا» ..! قالَ: فالثُّلُثُ؟ قالَ: «الثُّلُثُ، والثُّلُثُ كَثِيرٌ، إنَّكَ إنْ تَذَرَ ورَثَتَكَ أغْنِياءَ خَيْرٌ مِن أنْ تَدَعَهم عالَةً يَتَكَفَّفُونَ النّاسَ»» !. وفي صَحِيحِ البُخارِيِّ أنَّ ابْنَ عَبّاسٍ قالَ: «لَوْ أنَّ النّاسَ غَضُّوا مِنَ الثُّلُثِ إلى الرُّبُعِ، فَإنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: «الثُّلُثُ والثُّلُثُ كَثِيرٌ»» ..!.
ورَوى الإمامُ أحْمَدُ عَنْ أبِي سَعِيدٍ مَوْلى بَنِي هاشِمٍ عَنْ زِيادِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ حَنْظَلَةَ: سَمِعْتُ (p-٤٠٩)حَنْظَلَةَ بْنَ جُذَيْمِ بْنِ حَنِيفَةَ «أنَّ جَدَّهُ حَنِيفَةَ أوْصى لِيَتِيمٍ في حِجْرِهِ بِمِائَةٍ مِنَ الإبِلِ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلى بَنِيهِ، فارْتَفَعُوا إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقالَ حَنِيفَةُ: إنِّي أوْصَيْتُ لِيَتِيمٍ لِي بِمِائَةٍ مِنَ (p-٤١٠)الإبِلِ كُنّا نُسَمِّيها: المُطَبِّيَّةُ، فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: «لا لا لا..! الصَّدَقَةُ خَمْسٌ، وإلّا فَعَشْرٌ، وإلّا فَخَمْسَ عَشْرَةَ، وإلّا فَعِشْرُونَ، وإلّا فَخَمْسٌ وعِشْرُونَ، وإلّا فَثَلاثُونَ، وإلّا فَخَمْسٌ وثَلاثُونَ، فَإنْ كَثُرَتْ فَأرْبَعُونَ»» ! وذَكَرَ الحَدِيثَ بِطُولِهِ.
ثُمَّ أكَّدَ تَعالى الوُجُوبَ بِقَوْلِهِ: ﴿حَقًّا﴾ - وكَذا قَوْلُهُ -: ﴿عَلى المُتَّقِينَ﴾ فَهو إلْهابٌ وتَهْيِيجٌ وتَذْكِيرٌ بِما أمامَهُ مِنَ القُدُومِ عَلى مَن يَسْألُهُ عَنِ النَّقِيرِ والقِطْمِيرِ.
{"ayah":"كُتِبَ عَلَیۡكُمۡ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلۡمَوۡتُ إِن تَرَكَ خَیۡرًا ٱلۡوَصِیَّةُ لِلۡوَ ٰلِدَیۡنِ وَٱلۡأَقۡرَبِینَ بِٱلۡمَعۡرُوفِۖ حَقًّا عَلَى ٱلۡمُتَّقِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق