الباحث القرآني

(p-٣٧٧)القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: [١٧٢] ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّباتِ ما رَزَقْناكم واشْكُرُوا لِلَّهِ إنْ كُنْتُمْ إيّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ﴾ أيْ: ما أخْلَصْناهُ لَكم مِنَ الشُّبَهِ، ولا تَعَرَّضُوا لِما فِيهِ دَنَسٌ كَما أحَلَّهُ المُشْرِكُونَ مِنَ المُحَرَّماتِ، ولا تُحَرِّمُوا ما أحَلُّوا مِنها مِنَ السّائِبَةِ وما مَعَها: ﴿واشْكُرُوا لِلَّهِ﴾ الَّذِي رَزَقَكم هَذِهِ النِّعَمَ: ﴿إنْ كُنْتُمْ إيّاهُ﴾ أيْ: وحْدَهُ: ﴿تَعْبُدُونَ﴾ أيْ: إنْ صَحَّ أنَّكم تَخُصُّونَهُ بِالعِبادَةِ، وتُقِرُّونَ أنَّهُ سُبْحانَهُ هو المُنْعِمُ لا غَيْرَ. قالَ الإمامُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ في " جَوابِ أهْلِ الإيمانِ ": الطَّيِّباتُ الَّتِي أباحَها هي المَطاعِمُ النّافِعَةُ لِلْعُقُولِ والأخْلاقِ، والخَبائِثُ هي الضّارَّةُ في العُقُولِ والأخْلاقِ، كَما أنَّ الخَمْرَ أُمُّ الخَبائِثِ لِأنَّها تُفْسِدُ العُقُولَ والأخْلاقَ. فَأباحَ اللَّهُ الطَّيِّباتِ لِلْمُتَّقِينَ الَّتِي يَسْتَعِينُونَ بِها عَلى عِبادَةِ رَبِّهِمُ الَّتِي خُلِقُوا لَها. وحَرَّمَ عَلَيْهِمُ الخَبائِثَ الَّتِي تَضُرُّهم في المَقْصُودِ الَّذِي خُلِقُوا لَهُ، وأمَرَهم مَعَ أكْلِها بِالشُّكْرِ، ونَهاهم عَنْ تَحْرِيمِها، فَمَن أكَلَها ولَمْ يَشْكُرْ تَرَكَ ما أمَرَ اللَّهُ بِهِ واسْتَحَقَّ العُقُوبَةَ، ومَن حَرَّمَها كالرُّهْبانِ فَقَدْ تَعَدّى حُدُودَ اللَّهِ فاسْتَحَقَّ العُقُوبَةَ. وفِي الحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: ««إنَّ اللَّهَ لِيَرْضى عَنِ العَبْدِ أنْ يَأْكُلَ الأكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْها، أوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْها»» . وفي حَدِيثٍ آخَرَ: ««الطّاعِمُ الشّاكِرُ بِمَنزِلَةِ الصّائِمِ الصّابِرِ»» . (p-٣٧٨)وقالَ تَعالى: ﴿لَتُسْألُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾ [التكاثر: ٨] أيْ: عَنْ شُكْرِهِ؛ فَإنَّهُ لا يُبِيحُ شَيْئًا ويُعاقِبُ مَن فَعَلَهُ، ولَكِنْ يَسْألُهُ عَنِ الواجِبِ الَّذِي أوْجَبَهُ مَعَهُ، وعَمّا حَرَّمَهُ عَلَيْهِ، هَلْ فَرَّطَ بِتَرْكِ مَأْمُورٍ أوْ فِعْلِ مَحْظُورٍ؟ كَما قالَ تَعالى: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أحَلَّ اللَّهُ لَكم ولا تَعْتَدُوا إنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ المُعْتَدِينَ﴾ [المائدة: ٨٧] ولَمّا قَيَّدَ تَعالى الإذْنَ لَهم بِالطَّيِّبِ مِنَ الرِّزْقِ، افْتَقَرَ الأمْرُ إلى بَيانِ الخَبِيثِ مِنهُ لِيُجْتَنَبَ، فَبَيَّنَ صَرِيحًا ما حَرَّمَ عَلَيْهِمْ مِمّا كانَ المُشْرِكُونَ يَسْتَحِلُّونَهُ ويُحَرِّمُونَ غَيْرَهُ وأفْهَمَ حِلَّ ما عَداهُ، وأنَّهُ كَثِيرٌ جِدًّا لِيَزْدادَ المُخاطَبُ شُكْرًا، فَقالَ:
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب