الباحث القرآني
(p-٣٧٥)القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[١٧١] ﴿ومَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إلا دُعاءً ونِداءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهم لا يَعْقِلُونَ﴾
﴿ومَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ﴾ أيْ: يَصِيحُ، يُقالُ: نَعَقَ الرّاعِي بِغَنَمِهِ: صاحَ بِها وزَجَرَها. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿بِما لا يَسْمَعُ إلا دُعاءً ونِداءً﴾ أيْ: بِالبَهائِمِ الَّتِي لا تَسْمَعُ إلّا دُعاءَ النّاعِقِ ونِداءَهُ - الَّذِي هو تَصْوِيتٌ بِها، وزَجْرٌ لَها - ولا تَفْقَهُ شَيْئًا آخَرَ، ولا تَعِي كَما يَفْهَمُ العُقَلاءُ ويَعُونَ. وقَدْ أفْهَمَ هَذا الإيجازُ البَلِيغَ تَمْثِيلَيْنِ في مَثَلٍ واحِدٍ. فَكَأنَّ وفاءَ اللَّفْظِ: مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا ومَثَلُ داعِيهِمْ كَمَثَلِ الرّاعِي ومَثَلِ ما يَرْعى مِنَ البَهائِمِ. وهو مِن أعْلى خِطابِ فُصَحاءِ العَرَبِ، ومَن لا يَصِلُ فَهْمُهُ إلى جَمْعِ المَثَلَيْنِ، يَقْتَصِرُ عَلى تَأْوِيلِهِ بِمَثَلٍ واحِدٍ، فَيُقَدَّرُ في الكَلامِ: ومَثَلُ داعِي الَّذِينَ كَفَرُوا. أشارَ لِذَلِكَ الحَرالِيُّ فِيما نَقَلَهُ البِقاعِيُّ عَنْهُ.
وقالَ الفَرّاءُ: أضافَ تَعالى المَثَلَ إلى الَّذِينَ كَفَرُوا، ثُمَّ شَبَّهَهم بِالرّاعِي ولَمْ يَقُلْ كالغَنَمِ. والمَعْنى واللَّهُ أعْلَمُ: مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كالبَهائِمِ الَّتِي لا تَفْقَهُ ما يَقُولُ الرّاعِي أكْثَرَ مِنَ الصَّوْتِ، فَأضافَ التَّشْبِيهَ إلى الرّاعِي والمَعْنى في المَرْعِيِّ. قالَ: ومِثْلُهُ في الكَلامِ: فُلانٌ يَخافُكَ كَخَوْفِ الأسَدِ. المَعْنى كَخَوْفِهِ الأسَدَ، لِأنَّ الأسَدَ مَعْرُوفٌ أنَّهُ المَخُوفُ.
وقِيلَ: أُرِيدَ تَشْبِيهُ حالِ الكافِرِ في دُعائِهِ الصَّنَمَ بِحالِ مَن يَنْعَقُ بِما لا يَسْمَعُهُ. والمَعْنى: مَثَلُ هَؤُلاءِ في دُعائِهِمْ آلِهَتَهُمُ الَّتِي لا تَفْقَهُ دُعاءَهم كَمَثَلِ النّاعِقِ بِغَنَمِهِ فَلا يَنْتَفِعُ مِن نَعِيقِهِ بِشَيْءٍ، غَيْرَ أنَّهُ هو في دُعاءٍ ونِداءٍ. وكَذَلِكَ المُشْرِكُ لَيْسَ لَهُ مِن دُعائِهِ وعِبادَتِهِ إلّا العَناءُ.
(p-٣٧٦)وقالَ ابْنُ القَيِّمِ في " أعْلامِ المُوَقِّعِينَ ": ولَكَ أنْ تَجْعَلَ هَذا مِنَ التَّشْبِيهِ المُرَكَّبِ، وأنْ تَجْعَلَهُ مِنَ التَّشْبِيهِ المُفَرِّقِ. فَإنْ جَعَلْتَهُ مِنَ المُرَكَّبِ: كانَ تَشْبِيهًا لِلْكَفّارِ في عَدَمِ فِقْهِهِمْ وانْتِفاعِهِمْ بِالغَنَمِ الَّتِي يَنْعَقُ بِها الرّاعِي فَلا تَفْقَهُ مِن قَوْلِهِ شَيْئًا غَيْرَ الصَّوْتِ المُجَرَّدِ الَّذِي هو الدُّعاءُ والنِّداءُ. وإنْ جَعَلْتَهُ مِنَ التَّشْبِيهِ المُفَرِّقِ: فالَّذِينَ كَفَرُوا بِمَنزِلَةِ البَهائِمِ، ودُعاءُ داعِيهِمْ إلى الطَّرِيقِ والهُدى بِمَنزِلَةِ الَّذِي يَنْعَقُ بِها، ودُعاؤُهم إلى الهُدى بِمَنزِلَةِ النَّعْقِ، وإدْراكُهم مُجَرَّدَ الدُّعاءِ والنِّداءِ كَإدْراكِ البَهائِمِ مُجَرَّدَ صَوْتِ النّاعِقِ. واللَّهُ أعْلَمُ.
قالَ الرّازِيُّ: اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا حَكى عَنِ الكُفّارِ أنَّهم عِنْدَ الدُّعاءِ إلى اتِّباعِ ما أنْزَلَ اللَّهُ، تَرَكُوا النَّظَرَ والتَّدَبُّرَ، وأخْلَدُوا إلى التَّقْلِيدِ، وقالُوا: بَلْ نَتَّبِعُ ما ألْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا، ضَرَبَ لَهم هَذا المَثَلَ تَنْبِيهًا لِلسّامِعِينَ لَهم إنَّهم إنَّما وقَعُوا فِيما وقَعُوا فِيهِ: بِسَبَبِ تَرْكِ الإصْغاءِ، وقِلَّةِ الِاهْتِمامِ بِالدِّينِ، فَصَيَّرَهم مِن هَذا الوَجْهِ بِمَنزِلَةِ الأنْعامِ...! ومِثْلُ هَذا المَثَلِ يَزِيدُ السّامِعَ مَعْرِفَةً بِأحْوالِ الكُفّارِ، ويُحَقِّرُ إلى الكافِرِ نَفْسَهُ إذا سَمِعَ ذَلِكَ، فَيَكُونُ كَسْرًا لِقَلْبِهِ، وتَضْيِيقًا لِصَدْرِهِ حَيْثُ صَيَّرَهُ كالبَهِيمَةِ فَيَكُونُ في ذَلِكَ نِهايَةُ الزَّجْرِ والرَّدْعِ لِمَن يَسْمَعُهُ عَنْ أنْ يَسْلُكَ مِثْلَ طَرِيقِهِ في التَّقْلِيدِ. ثُمَّ زادَ في تَبْكِيتِهِمْ فَقالَ: ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهم لا يَعْقِلُونَ﴾ فَهم بِمَنزِلَةِ الصُّمِّ: في أنَّ الَّذِي سَمِعُوهُ كَأنَّهم لَمْ يَسْمَعُوهُ، وبِمَنزِلَةِ البُكْمِ: في أنَّهم لَمْ يَسْتَجِيبُوا لِما دُعُوا إلَيْهِ، وبِمَنزِلَةِ العُمْيِ: مِن حَيْثُ إنَّهم أعْرَضُوا عَنِ الدَّلائِلِ فَصارُوا كَأنَّهم لَمْ يُشاهِدُوها. ولَمّا كانَ طَرِيقُ اكْتِسابِ العَقْلِ المُكْتَسَبِ هو الِاسْتِعانَةَ بِهَذِهِ القُوى الثَّلاثَةِ، فَلَمّا أعْرَضُوا عَنْها، فَقَدُوا العَقْلَ المُكْتَسَبَ. ولِهَذا قِيلَ: مَن فَقَدَ حِسًّا فَقَدَ عِلْمًا..!
{"ayah":"وَمَثَلُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ كَمَثَلِ ٱلَّذِی یَنۡعِقُ بِمَا لَا یَسۡمَعُ إِلَّا دُعَاۤءࣰ وَنِدَاۤءࣰۚ صُمُّۢ بُكۡمٌ عُمۡیࣱ فَهُمۡ لَا یَعۡقِلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











