الباحث القرآني
(p-٣١٦)القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[١٥٣ ] ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ والصَّلاةِ إنَّ اللَّهَ مَعَ الصّابِرِينَ﴾
﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ والصَّلاةِ﴾ أرْشَدَ تَعالى المُؤْمِنِينَ، إثْرَ الأمْرِ بِالشُّكْرِ في الآيَةِ قَبْلُ، بِالِاسْتِعانَةِ بِالصَّبْرِ والصَّلاةِ. لِأنَّ العَبْدَ إمّا أنْ يَكُونَ في نِعْمَةٍ فَيَشْكُرُ عَلَيْها، أوْ في نِقْمَةٍ فَيَصْبِرُ عَلَيْها. كَما جاءَ في الحَدِيثِ: ««عَجَبًا لِلْمُؤْمِنِ لا يُقْضى لَهُ قَضاءٌ إلّا كانَ خَيْرًا لَهُ، إنْ أصابَتْهُ سَرّاءُ فَشَكَرَ كانَ خَيْرًا لَهُ، وإنْ أصابَتْهُ ضَرّاءُ فَصَبَرَ كانَ خَيْرًا لَهُ»» . وبَيَّنَ تَعالى أنَّ أجْوَدَ ما يُسْتَعانُ بِهِ عَلى تَحَمُّلِ المَصائِبِ في سَبِيلِ اللَّهِ، الصَّبْرُ والصَّلاةُ؛ كَما تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ: ﴿واسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ والصَّلاةِ وإنَّها لَكَبِيرَةٌ إلا عَلى الخاشِعِينَ﴾ [البقرة: ٤٥] وفي الحَدِيثِ: ««أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كانَ إذا حَزَبَهُ أمْرٌ صَلّى»» . ثُمَّ إنَّ الصَّبْرَ صَبْرانِ: صَبْرٌ عَلى تَرْكِ المَحارِمِ والمَآثِمِ، وصَبْرٌ عَلى فِعْلِ الطّاعاتِ والقُرُباتِ. والثّانِي أكْثَرُ ثَوابًا. لِأنَّهُ المَقْصُودُ. وأمّا الصَّبْرُ الثّالِثُ، وهو الصَّبْرُ عَلى المَصائِبِ والنَّوائِبِ، فَذاكَ أيْضًا واجِبٌ. كالِاسْتِغْفارِ مِنَ المَعائِبِ.
(p-٣١٧)وقالَ الإمامُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ في كِتابِهِ (السِّياسَةُ الشَّرْعِيَّةُ) وأعْظَمُ عَوْنٍ لِوَلِيِّ الأمْرِ خاصَّةً، ولِغَيْرِهِ عامَّةً ثَلاثَةُ أُمُورٍ: أحَدُها الإخْلاصُ لِلَّهِ، والتَّوَكُّلُ عَلَيْهِ بِالدُّعاءِ وغَيْرِهِ. وأصْلُ ذَلِكَ المُحافَظَةُ عَلى الصَّلاةِ بِالقَلْبِ والبَدَنِ. والثّانِي الإحْسانُ إلى الخَلْقِ بِالنَّفْعِ والمالِ الَّذِي هو الزَّكاةُ. والثّالِثُ الصَّبْرُ عَلى الأذى مِنَ الخَلْقِ وغَيْرِهِ مِنَ النَّوائِبِ؛ ولِهَذا يَجْمَعُ اللَّهُ بَيْنَ الصَّلاةِ والصَّبْرِ كَثِيرًا كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿واسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ والصَّلاةِ﴾ [البقرة: ٤٥] وكَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وأقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إنَّ الحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذَلِكَ ذِكْرى لِلذّاكِرِينَ﴾ [هود: ١١٤] ﴿واصْبِرْ فَإنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أجْرَ المُحْسِنِينَ﴾ [هود: ١١٥] وقَوْلِهِ: ﴿فاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وقَبْلَ غُرُوبِها﴾ [طه: ١٣٠] وأمّا قِرانُهُ بَيْنَ الصَّلاةِ والزَّكاةِ في القُرْآنِ فَكَثِيرٌ جِدًّا. فَبِالقِيامِ بِالصَّلاةِ والزَّكاةِ والصَّبْرِ يَصْلُحُ حالُ الرّاعِي والرَّعِيَّةِ. إذا عَرَفَ الإنْسانُ ما يَدْخُلُ في هَذِهِ الأسْماءِ الجامِعَةِ، يَدْخُلُ في الصَّلاةِ مِن ذِكْرِ اللَّهِ تَعالى ودُعائِهِ وتِلاوَةِ كِتابِهِ وإخْلاصِ الدِّينِ لَهُ والتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ، وفي الزَّكاةِ الإحْسانُ إلى الخَلْقِ بِالمالِ والنَّفْعِ: مِن نَصْرِ المَظْلُومِ وإعانَةِ المَلْهُوفِ وقَضاءِ حاجَةِ المُحْتاجِ. وفي الصَّبْرِ احْتِمالُ الأذى وكَظْمُ الغَيْظِ والعَفْوُ عَنِ النّاسِ ومُخالَفَةُ الهَوى وتَرْكُ الشَّرِّ والبَطَرِ. انْتَهى.
"إنَّ اللَّهَ مَعَ الصّابِرِينَ" قالَ الإمامُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ في (شَرْحِ حَدِيثِ النُّزُولِ): لَفْظُ المَعِيَّةِ في كِتابِ اللَّهِ جاءَ عامًّا كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وهُوَ مَعَكم أيْنَ ما كُنْتُمْ﴾ [الحديد: ٤] وفي قَوْلِهِ (p-٣١٨)﴿ما يَكُونُ مِن نَجْوى ثَلاثَةٍ إلا هو رابِعُهُمْ﴾ [المجادلة: ٧] إلى قَوْلِهِ: ﴿إلا هو مَعَهم أيْنَ ما كانُوا﴾ [المجادلة: ٧] وجاءَ خاصًّا كَما في قَوْلِهِ: ﴿إنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا والَّذِينَ هم مُحْسِنُونَ﴾ [النحل: ١٢٨] وقَوْلِهِ: ﴿إنَّنِي مَعَكُما أسْمَعُ وأرى﴾ [طه: ٤٦] وقَوْلِهِ: ﴿لا تَحْزَنْ إنَّ اللَّهَ مَعَنا﴾ [التوبة: ٤٠] فَلَوْ كانَ المُرادُ بِذاتِهِ مَعَ كُلِّ شَيْءٍ لَكانَ التَّعْمِيمُ يُناقِضُ التَّخْصِيصَ. فَإنَّهُ قَدْ عَلِمَ أنَّ قَوْلَهُ: ﴿لا تَحْزَنْ إنَّ اللَّهَ مَعَنا﴾ [التوبة: ٤٠] أرادَ بِهِ تَخْصِيصَ نَفْسِهِ وأبا بَكْرٍ دُونَ عَدُوِّهِمْ مِنَ الكُفّارِ، وكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿إنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا والَّذِينَ هم مُحْسِنُونَ﴾ [النحل: ١٢٨] خَصَّهم بِذَلِكَ دُونَ الظّالِمِينَ والفُجّارِ.
وأيْضًا، فَلَفْظُ المَعِيَّةِ لَيْسَتْ في لُغَةِ العَرَبِ ولا في شَيْءٍ مِنَ القُرْآنِ أنْ يُرادَ بِها اخْتِلاطُ إحْدى (p-٣١٩)الذّاتَيْنِ بِالأُخْرى. كَما في قَوْلِهِ: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ والَّذِينَ مَعَهُ﴾ [الفتح: ٢٩] وقَوْلِهِ: ﴿فَأُولَئِكَ مَعَ المُؤْمِنِينَ﴾ [النساء: ١٤٦] وقَوْلِهِ: ﴿اتَّقُوا اللَّهَ وكُونُوا مَعَ الصّادِقِينَ﴾ [التوبة: ١١٩] وقَوْلِهِ: ﴿وجاهَدُوا مَعَكُمْ﴾ [الأنفال: ٧٥] ومِثْلُ هَذا كَثِيرٌ. فامْتَنَعَ أنْ يَكُونَ قَوْلُهُ "وهُوَ مَعَكُمْ" يَدُلُّ عَلى أنْ تَكُونَ ذاتُهُ مُخْتَلِطَةً بِذَواتِ الخَلْقِ.
وقَدْ بَسَطَ الكَلامَ عَلَيْهِ في مَوْضِعٍ آخَرَ وبَيَّنَ أنَّ لَفْظَ المَعِيَّةِ في اللُّغَةِ، وإنِ اقْتَضى المُجامَعَةَ والمُصاحَبَةَ والمُقارَنَةَ، فَهو، إذا كانَ مَعَ العِبادِ، لَمْ يُنافِ ذَلِكَ عُلُوَّهُ عَلى عَرْشِهِ. ويَكُونُ حُكْمُ مَعِيَّتِهِ في كُلِّ مَوْطِنٍ بِحَسَبِهِ. فَمَعَ الخَلْقِ كُلِّهِمْ بِالعِلْمِ والقُدْرَةِ والسُّلْطانِ، ويَخُصُّ بَعْضَهم بِالإعانَةِ والنُّصْرَةِ والتَّأْيِيدِ. انْتَهى مُخْتَصَرًا.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱسۡتَعِینُوا۟ بِٱلصَّبۡرِ وَٱلصَّلَوٰةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











