الباحث القرآني

القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: [١٤٦ ] ﴿الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أبْناءَهم وإنَّ فَرِيقًا مِنهم لَيَكْتُمُونَ الحَقَّ وهم يَعْلَمُونَ﴾ ﴿الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أبْناءَهُمْ﴾ أيْ يَعْرِفُونَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مَعْرِفَةً لا امْتِراءَ فِيها، كَما لا يَمْتَرُونَ في مَعْرِفَةِ أوْلادِهِمْ مِن بَيْنِ أوْلادِ النّاسِ. وهَذِهِ المَعْرِفَةُ مُسْتَفادَةٌ مِنَ الكِتابِ. كَما أخْبَرَ تَعالى عَنْ نَعْتِهِ فِيهِ بِقَوْلِهِ: ﴿يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا (p-٣٠٥)عِنْدَهم في التَّوْراةِ والإنْجِيلِ﴾ [الأعراف: ١٥٧] يَعْنِي يَعْرِفُونَهُ بِالأوْصافِ المَذْكُورَةِ في التَّوْراةِ والإنْجِيلِ بِأنَّهُ هو النَّبِيُّ المَوْعُودُ بِحَيْثُ لا يَلْتَبِسُ عَلَيْهِمْ. كَما يَعْرِفُونَ أبْناءَهم، ولا تَلْتَبِسُ أشْخاصُهم بِغَيْرِهِمْ. فَهو تَشْبِيهٌ لِلْمَعْرِفَةِ العَقْلِيَّةِ الحاصِلَةِ مِن مُطالَعَةِ الكُتُبِ السَّماوِيَّةِ، بِالمَعْرِفَةِ الحِسِّيَّةِ في أنَّ كُلًّا مِنهُما يَقِينِيٌّ، لا اشْتِباهَ فِيهِ. وقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمْرَ أنَّهُ قالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ: أتَعْرِفُ مُحَمَّدًا كَما تَعْرِفُ ولَدَكَ ؟ قالَ: نَعَمْ وأكْثَرُ؛ نَزَلَ الأمِينُ مِنَ السَّماءِ عَلى الأمِينِ في الأرْضِ بِنَعْتِهِ فَعَرَفْتُهُ، وإنِّي لا أدْرِي ما كانَ مِن أُمِّهِ. فَقَبَّلَ عُمَرُ رَأْسَهُ ﴿وإنَّ فَرِيقًا مِنهُمْ﴾ أيْ أهْلَ الكِتابِ، مَعَ ذَلِكَ التَّحَقُّقِ والإيقانِ العِلْمِيِّ ﴿لَيَكْتُمُونَ الحَقَّ﴾ أيْ يُخْفُونَهُ ولا يُعْلِنُونَهُ ﴿وهم يَعْلَمُونَ﴾ أيِ الحَقَّ، أوْ عِقابَ الكِتْمانِ، أوْ أنَّهم يَكْتُمُونَ. قالَ الرّاغِبُ: لَمْ يَقُلْ يَكْتُمُونَهُ. لِأنَّ في كِتْمانِ أمْرِهِ كِتْمانَ الحَقِّ جُمْلَةً. وزادَ في ذَمِّهِمْ بِقَوْلِهِ "وهم يَعْلَمُونَ" فَإنَّهُ لَيْسَ المُرْتَكِبُ ذَنْبًا عَنْ جَهْلٍ، كَمَن يَرْتَكِبُهُ عَنْ عِلْمٍ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب