الباحث القرآني
(p-٢٧٦)القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[١٤٠ ] ﴿أمْ تَقُولُونَ إنَّ إبْراهِيمَ وإسْماعِيلَ وإسْحاقَ ويَعْقُوبَ والأسْباطَ كانُوا هُودًا أوْ نَصارى قُلْ أأنْتُمْ أعْلَمُ أمِ اللَّهُ ومَن أظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وما اللَّهُ بِغافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ﴾
"أمْ تَقُولُونَ إنَّ إبْراهِيمَ" خَلِيلَ اللَّهِ "وإسْماعِيلَ وإسْحاقَ" ابْنَيْهِ "ويَعْقُوبَ" ابْنَ إسْحاقَ "والأسْباطَ" أوْلادَ يَعْقُوبَ: "كانُوا هُودًا أوْ نَصارى" أيْ عَلى مِلَّتِهِمْ، إمّا اليَهُودِيَّةِ وإمّا النَّصْرانِيَّةِ "قُلْ أأنْتُمْ أعْلَمُ أمِ اللَّهُ" أيِ الَّذِي لَهُ الإحاطَةُ كُلُّها أعْلَمُ. فَلا يُمْكِنُهم أنْ يَقُولُوا: نَحْنُ. وإنْ قالُوا: اللَّهُ، فَقَدْ بَرَّأ اللَّهُ إبْراهِيمَ ومَن مَعَهُ مِن ذَلِكَ. فَبَطَلَ ما ادَّعَوْا. وثَبَتَ أنَّهم، عَلَيْهِمُ السَّلامُ، كانُوا عَلى الحَنِيفِيَّةِ مُسْلِمِينَ مُبَرَّئِينَ عَنِ اليَهُودِيَّةِ والنَّصْرانِيَّةِ. هَذا مَعَ أنَّ رَدَّ قَوْلِهِمْ هَذا أظْهَرُ ظاهِرٍ مِن حَيْثُ إنَّهُ لا يَعْقِلُ أنْ يَكُونَ السّابِقُ عَلى نِسْبَةٍ لِلّاحِقِ، ما حَدَثَتْ إلّا بَعْدَهُ بِمُدَدٍ مُتَطاوِلَةٍ. وسَيَأْتِي النَّصُّ الصَّرِيحُ بِإبْطالِ ذَلِكَ في آلِ عِمْرانَ. ولِما كانَ العِلْمُ عِنْدَهم عَنِ اللَّهِ بِأنَّ الخَلِيلَ ومَن ذُكِرَ مَعَهُ، عَلَيْهِمُ السَّلامُ، عَلى دِينِ الإسْلامِ، وكانُوا يَكْتُمُونَ ما عِنْدَهم مِن ذَلِكَ. مَعَ تَقْرِيرِ اللَّهِ لَهم بِهِ واسْتِخْبارِهِمْ عَنْهُ ونَهْيِهِ لَهم عَنْ كِتْمانِهِ وما يُقارِبُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿ولا تَلْبِسُوا الحَقَّ بِالباطِلِ﴾ [البقرة: ٤٢] الآيَةَ- أشارَ إلى أشَدِّ الوَعِيدِ في كِتْمانِ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿ومَن أظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً﴾ مَوْجُودَةً ومَوْعُودَةً "عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ" وهو كِتْمانُ العِلْمِ الَّذِي هو الإخْبارُ بِما أنْزَلَ اللَّهُ. والِاسْتِفْهامُ إنْكارٌ لِأنْ يَكُونَ أحَدٌ أظْلَمَ مِن أهْلِ الكِتابِ حَيْثُ كَتَمُوا شَهادَتَهُ تَعالى لَهم، عَلَيْهِمُ السَّلامُ، بِالحَنِيفِيَّةِ والبَراءَةِ مِنَ الفَرِيقَيْنِ.
(p-٢٧٧)قالَ التَّقِيُّ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: سَمّى تَعالى ما عِنْدَهم مِنَ العِلْمِ شَهادَةً كَما قالَ: ﴿إنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أنْـزَلْنا مِنَ البَيِّناتِ والهُدى﴾ [البقرة: ١٥٩] الآيَةَ، كَأنَّهُ قالَ: خَبَرًا عِنْدَهُ، دِينًا عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ، وبَيانًا عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ، وعِلْمًا عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ فَإنْ كانَ قَوْلُهُ "مِنَ اللَّهِ" مُتَعَلِّقًا بِـ "كَتَمَ" فَإنَّهُ يَعُمُّ كُلَّ الشَّهاداتِ. وإنْ كانَ مُتَعَلِّقًا بِـ "عِنْدَهُ"، وهو الأوْجَهُ، أوْ بِشَهادَةٍ، أوْ بِهِما، فَإنَّ الأمْرَ في ذَلِكَ واحِدٌ. أيْ شَهادَةً اسْتَقَرَّتْ عِنْدَهُ مِن جِهَةِ اللَّهِ. فَهو كِتْمانُ شَهاداتِ العِلْمِ المَوْرُوثِ عَنِ الأنْبِياءِ. فَسَمّى الإخْبارَ بِهِ شَهادَةً.
ثُمَّ قالَ: وكَذَلِكَ الأخْبارُ النَّبَوِيَّةُ إنَّما يُرادُ بِالشَّهادَةِ فِيها الإخْبارُ: ﴿وما اللَّهُ بِغافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ﴾ تَهْدِيدٌ ووَعِيدٌ شَدِيدٌ. أيْ أنَّ عِلْمَهُ مُحِيطٌ بِكم وسَيَجْزِيكم عَلَيْهِ.
قالَ الرّازِيُّ: هَذا هو الكَلامُ الجامِعُ لِكُلِّ وعِيدٍ. ومَن تَصَوَّرَ أنَّهُ تَعالى عالِمٌ بِسِرِّهِ وإعْلانِهِ، ولا يَخْفى عَلَيْهِ خافِيَةٌ، وأنَّهُ مِن وراءِ مُجازاتِهِ، إنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ، وإنْ شَرًّا فَشَرٌّ لا يَمْضِي عَلَيْهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ إلّا وهو حَذِرٌ خائِفٌ. ألا تَرى أنَّ أحَدَنا لَوْ كانَ عَلَيْهِ رَقِيبٌ مِن جِهَةِ سُلْطانٍ يَعِدُّ عَلَيْهِ الأنْفاسَ، لَكانَ دائِمَ الحَذَرِ والوَجَلِ، مَعَ أنَّ ذَلِكَ الرَّقِيبَ لا يَعْرِفُ إلّا الظّاهِرَ، فَكَيْفَ بِالرَّبِّ الرَّقِيبِ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ وأخْفى، إذا هَدَّدَ وأوْعَدَ بِهَذا الجِنْسِ مِنَ القَوْلِ ؟
{"ayah":"أَمۡ تَقُولُونَ إِنَّ إِبۡرَ ٰهِـۧمَ وَإِسۡمَـٰعِیلَ وَإِسۡحَـٰقَ وَیَعۡقُوبَ وَٱلۡأَسۡبَاطَ كَانُوا۟ هُودًا أَوۡ نَصَـٰرَىٰۗ قُلۡ ءَأَنتُمۡ أَعۡلَمُ أَمِ ٱللَّهُۗ وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَـٰدَةً عِندَهُۥ مِنَ ٱللَّهِۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَـٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق