الباحث القرآني

(p-٢٠٦)القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: [١٠١ ] ﴿ولَمّا جاءَهم رَسُولٌ مِن عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهم نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ كِتابَ اللَّهِ وراءَ ظُهُورِهِمْ كَأنَّهم لا يَعْلَمُونَ﴾ ﴿ولَمّا جاءَهم رَسُولٌ مِن عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهم نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ كِتابَ اللَّهِ وراءَ ظُهُورِهِمْ كَأنَّهم لا يَعْلَمُونَ﴾ تَصْرِيحٌ بِما طَوى قَبْلُ. فَإنَّ نَبْذَهُمُ العُهُودَ الَّتِي تَقَدَّمَ اللَّهُ إلَيْهِمْ في التَّمَسُّكِ بِها والقِيامِ بِحَقِّها، أعْقَبَهُمُ التَّكْذِيبَ بِالرَّسُولِ المَبْعُوثِ إلَيْهِمْ وإلى النّاسِ كافَّةً، الَّذِي في كُتُبِهِمْ نَعْتُهُ، كَما قالَ تَعالى: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهم في التَّوْراةِ والإنْجِيلِ﴾ [الأعراف: ١٥٧] الآيَةَ، فَتَنْكِيرُ "رَسُولٌ" لِلتَّفْخِيمِ. والجارُّ بَعْدَهُ مُتَعَلِّقٌ بِجاءَ، أوْ بِمَحْذُوفٍ وقَعَ صِفَةً لِرَسُولٍ، لِإفادَةِ مَزِيدِ تَعْظِيمِهِ بِتَأْكِيدِ ما أفادَهُ التَّنْكِيرُ مِنَ الفَخامَةِ الذّاتِيَّةِ بِالفَخامَةِ الإضافِيَّةِ، وقَوْلُهُ "كِتابَ اللَّهِ" يَعْنِي التَّوْراةَ، لِأنَّهم بِكُفْرِهِمْ بِرَسُولِ اللَّهِ، المُصَدِّقِ لِما مَعَهم، كافِرُونَ بِها، نابِذُونَ لَها. وقِيلَ "كِتابَ اللَّهِ" القُرْآنُ نَبَذُوهُ بَعْدَ ما لَزِمَهم تَلَقِّيهِ بِالقَبُولِ. وقَوْلُهُ "وراءَ ظُهُورِهِمْ" مَثَلٌ لِتَرْكِهِمْ وإعْراضِهِمْ عَنْهُ، مُثِّلَ بِما يُرْمى بِهِ وراءَ الظَّهْرِ اسْتِغْناءً عَنْهُ، وقِلَّةَ التِفاتٍ إلَيْهِ، وقَوْلُهُ "كَأنَّهم لا يَعْلَمُونَ" جُمْلَةٌ حالِيَّةٌ، أيْ نَبَذُوهُ وراءَ ظُهُورِهِمْ، مُشَبَّهِينَ بِمَن لا يَعْلَمُهُ. فَإنْ أُرِيدَ بِهِمْ أحْبارُهم، فالمَعْنى كَأنَّهم لا يَعْلَمُونَهُ عَلى وجْهِ الإيقانِ، ولا يَعْرِفُونَ ما فِيهِ مِن دَلائِلَ نُبُوَّتِهِ ﷺ . فَفِيهِ إيذانٌ بِأنَّ عِلْمَهم بِهِ رَصِينٌ، لَكِنَّهم يَتَجاهَلُونَ. أوْ كَأنَّهم (p-٢٠٧)لا يَعْلَمُونَ أنَّهُ كِتابُ اللَّهِ، أوْ لا يَعْلَمُونَ أصْلًا، كَما إذا أُرِيدَ بِهِمُ الكُلُّ. وفِي هَذَيْنِ الوَجْهَيْنِ، زِيادَةُ مُبالَغَةٍ في إعْراضِهِمْ عَمّا في التَّوْراةِ مِن دَلائِلِ النُّبُوَّةِ. وهَذا، وإنْ أُرِيدَ بِما نَبَذُوهُ مِن كِتابِ اللَّهِ القُرْآنِ، فالمُرادُ بِالعِلْمِ المَنفِيِّ في "كَأنَّهم لا يَعْلَمُونَ" هو العِلْمُ بِأنَّهُ كِتابُ اللَّهِ، فَفِيهِ ما في الوَجْهِ الأوَّلِ مِنَ الإشْعارِ بِأنَّهم مُتَيَقِّنُونَ في ذَلِكَ، وإنَّما يَكْفُرُونَ بِهِ مُكابَرَةً وعِنادًا، وقَوْلُهُ تَعالى:
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب