الباحث القرآني

القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: [٢٢] ﴿سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهم كَلْبُهم ويَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهم كَلْبُهم رَجْمًا بِالغَيْبِ ويَقُولُونَ سَبْعَةٌ وثامِنُهم كَلْبُهم قُلْ رَبِّي أعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهم إلا قَلِيلٌ فَلا تُمارِ فِيهِمْ إلا مِراءً ظاهِرًا ولا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنهم أحَدًا﴾ . ﴿سَيَقُولُونَ﴾ أيِ: الخائِضُونَ في قِصَّتِهِمْ عَلى عَهْدِ النَّبِيِّ ﷺ مِن أهْلِ الكِتابِ الَّذِينَ لا عِلْمَ لَهم بِالحَقِيقَةِ:﴿ثَلاثَةٌ رابِعُهم كَلْبُهم ويَقُولُونَ﴾ أيْ: بَعْضٌ آخَرُ مِنهُمْ: ﴿خَمْسَةٌ سادِسُهم كَلْبُهم رَجْمًا بِالغَيْبِ﴾ أيْ: رَمْيًا وتَلَفُّظًا بِالَّذِي غابَ عَنْهم. يَعْنِي ظَنًّا خالِيًا عَنِ اليَقِينِ. قالَ ابْنُ كَثِيرٍ: كالَّذِي يَرْمِي إلى مَكانٍ لا يَعْرِفُهُ، فَإنَّهُ لا يَكادُ يُصِيبُ، وإنْ أصابَ فَبِلا قَصْدٍ: ﴿ويَقُولُونَ سَبْعَةٌ وثامِنُهم كَلْبُهُمْ﴾ حِكايَةٌ لِقَوْلِ فَرِيقٍ آخَرَ كانَ يَرى عُدَّتَهم هَذِهِ: ﴿قُلْ رَبِّي أعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهم إلا قَلِيلٌ﴾ أيْ: مِمَّنْ أطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ: ﴿فَلا تُمارِ فِيهِمْ إلا مِراءً ظاهِرًا﴾ أيْ: لا تُجادِلْ أهْلَ الكِتابِ في شَأْنِ أصْحابِ الكَهْفِ، إلّا جِدالًا ظاهِرًا لَيِّنًا غَيْرَ مُتَعَمِّقٍ فِيهِ. وذَلِكَ عَلى قَدْرِ ما تَعَرَّضَ لَهُ التَّنْزِيلُ الكَرِيمُ مِن وصْفِهِمْ بِالرَّجْمِ بِالغَيْبِ وعَدَمِ العِلْمِ عَلى الوَجْهِ الإجْمالِيِّ، وتَفْوِيضِ العِلْمِ إلى اللَّهِ سُبْحانَهُ، مِن غَيْرِ تَجْهِيلٍ لَهُمْ، ولا تَعْنِيفٍ بِهِمْ، في الرَّدِّ عَلَيْهِمْ كَما قالَ: ﴿وجادِلْهم بِالَّتِي هي أحْسَنُ﴾ [النحل: ١٢٥] فَإنَّ الأمْرَ (p-٤٠٤٠)فِي مَعْرِفَةِ ذَلِكَ لا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ كَبِيرُ فائِدَةٍ. قِيلَ: المُماراةُ المُجادَلَةُ. وقِيلَ بِالفَرْقِ. فالمُجادَلَةُ المُحاجَّةُ مُطْلَقًا. والمُماراةُ المُحاجَّةُ فِيما فِيهِ مِرْيَةٌ أيْ: تَرَدُّدٌ، لِأنَّها مِن (مَرَيْتُ النّاقَةَ) إذا مَسَحْتَ ضَرْعَها لِلْحَلِيبِ: ﴿ولا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنهم أحَدًا﴾ أيْ: لا تَسْألْ أحَدًا مِنهم عَنْ نَبَئِهِمْ. لِأنَّ السُّؤالَ إمّا لِلِاسْتِرْشادِ، أوْ لِلتَّعَنُّتِ والمُحاوَرَةِ. ولا عِلْمَ لَهم بِذَلِكَ إلّا ما يَقُولُونَهُ رَجْمًا بِالغَيْبِ. مِن غَيْرِ اسْتِنادٍ إلى كَلامٍ مَعْصُومٍ. والتَّعَنُّتُ لِلرَّدِّ عَلى الخَصْمِ وتَزْيِيفِ ما عِنْدَهُ، يُنافِي مَكارِمَ الأخْلاقِ. والمَعْنى: جاءَكَ الحَقُّ الَّذِي لا مِرْيَةَ فِيهِ، فَهو المُقَدَّمُ الحاكِمُ عَلى ما تَقَدَّمَ مِنَ الكُتُبِ والأقْوالِ. تَنْبِيهاتٌ: الأوَّلُ: ذَهَبَ أكْثَرُ المُفَسِّرِينَ إلى أنَّ قَوْلَ الخائِضِينَ الأخِيرَ، وهو أنَّهم سَبْعَةٌ وثامِنُهم كَلْبُهُمْ، هو الحَقُّ. لِأنَّهُ لَمْ يُوصَفْ بِكَوْنِهِ رَجْمًا بِالغَيْبِ كَما وُصِفَ الأوَّلانِ. ولِتَخْصِيصِهِ بِالواوِ في قَوْلِهِ: ﴿وثامِنُهُمْ﴾ وهي الواوُ الدّاخِلَةُ عَلى الجُمْلَةِ الواقِعَةِ صِفَةً لِلنَّكِرَةِ، لِإفادَةِ تَأْكِيدِ لُصُوقِ الصِّفَةِ بِالمَوْصُوفِ. والدَّلالَةُ عَلى أنَّ اتِّصافَهُ بِها أمْرٌ ثابِتٌ مُسْتَقِرٌّ. وأنَّهُ لا عَدَدَ وراءَهُ. كَما قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: حِينَ وقَعَتِ الواوُ انْقَطَعَتِ العُدَّةُ. وأقُولُ: لا يَخْفى ضَعْفُ التَّمَسُّكِ بِهَذَيْنِ الوَجْهَيْنِ لِتَقْوِيَةِ القَوْلِ الأخِيرِ. فَإنَّ عَدَمَ وصْفِهِ بِالرَّجْمِ بِالغَيْبِ إنَّما هو لِدَلالَةِ ما قَبْلَهُ عَلَيْهِ. وفي إعادَتِهِ إخْلالٌ بِالبَلاغَةِ. ومَسْألَةُ الواوِ أوْهى مِن بَيْتِ العَنْكَبُوتِ. فَإنَّ مِثْلَ هَذا النِّزاعِ لا يُكْتَفى بِحَسْمِهِ بِمِثْلِ هَذا الإيماءِ الدَّقِيقِ القَرِيبِ مِنَ الإلْغازِ. كَما لا يَخْفى عَلى مَن تَتَبَّعَ مَواقِعَ حَسْمِ الشُّبَهِ في الكِتابِ والسُّنَّةِ وكَلامِ البُلَغاءِ. لا سِيَّما والواوُ مِنَ المَحْكِيِّ لا مِنَ الحِكايَةِ. فَيَدُلُّ عَلى ثُبُوتِهِ عِنْدَ القائِلِ لا عِنْدَ اللَّهِ، فَلا يَكُونُ مِنَ الإيماءِ في شَيْءٍ. وجَوابُ بَعْضِهِمْ بِأنَّهُ تَعالى لَمّا حَكى قَوْلَهم قَبْلَ أنْ يَقُولُوهُ هَكَذا، لَقَّنَهم أنْ يَقُولُوهُ إذا أخْبَرُوا عَنْهُ بِهَذِهِ العِبارَةِ، وبِأنَّهُ لا مانِعَ أنْ تَكُونَ مِنَ الحِكايَةِ -بَعِيدٌ غايَةَ البُعْدِ، وتَكَلُّفٌ ظاهِرٌ، وإغْرابٌ في القَوْلِ. ثُمَّ قِيلَ: إنَّ هَذِهِ الجُمْلَةَ لا تَتَعَيَّنُ لِلْوَصْفِيَّةِ. لِجَوازِ كَوْنِها حالًا مِنَ النَّكِرَةِ، لِأنَّ اقْتِرانَها بِالواوِ مُسَوِّغٌ. ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ خَبَرًا عَنِ المُبْتَدَأِ المَحْذُوفِ. لِأنَّهُ يَجُوزُ في مِثْلِهِ إيرادُ الواوِ (p-٤٠٤١)وتَرْكُها. عَلى أنَّهُ إنَّما يَتِمُّ ما ذَكَرُوهُ لَوْ لَمْ يُتْبِعْ قَوْلَهم بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿قُلْ رَبِّي أعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ﴾ فَإنَّ في تَأثُّرِهِ لِلْأقْوالِ المُتَقَدِّمَةِ كُلِّها، بُرْهانًا ظاهِرًا عَلى أنَّهم لَمْ يَهْتَدُوا لِعِدَّتِهِمْ، وإرْشادًا إلى أنَّ الأحْسَنَ في مِثْلِ هَذا المَقامِ، رَدُّ العِلْمِ إلَيْهِ تَعالى. وإشارَةٌ إلى أنَّهُ لا احْتِياجَ إلى الخَوْضِ في مِثْلِ ذَلِكَ بِلا عِلْمٍ بَيِّنٍ وبُرْهانٍ نَيِّرٍ. وإنَّهُ إذا أوْقَفْنا عَلى الفَيْصَلِ قُلْنا بِهِ، وإلّا وقَفْنا. وقَدْ تَأكَّدَ هَذا بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ بَعْدَهُ: ﴿ما يَعْلَمُهم إلا قَلِيلٌ﴾ فَإنَّ فِيهِ دَلالَةً عَلى أنَّهُ يَعْلَمُهُمُ البَعْضُ مِمَّنْ لَمْ يَشَأِ الحَقُّ تَعْيِينَهُ. وهو إمّا نَبِيٌّ، أوْ مَن كانَ في مُدَّتِهِمْ، أوْ مَن نَقَّبَ عَنْ نَبَئِهِمْ بِإثارَةٍ صَحِيحَةٍ أوْ تَلَقٍّ عَنِ المَعْصُومِ. وفِيهِ إعْلامٌ بِأنَّهُ لَمْ يَضْرِبْ عَلى النّاسِ بِسَدٍّ مِن جَهالَةِ شَأْنِهِمْ. وبِالجُمْلَةِ، فالنَّظْمُ الكَرِيمُ، بِأُسْلُوبِهِ هَذا، لا يَدُلُّ عَلى أنَّ الأخِيرَ هو الحَقُّ كَما عَلِمْتُ. وأمّا ما رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما مِن قَوْلِهِ: أنا مِنَ القَلِيلِ الَّذِي اسْتَثْنى اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ. كانُوا سَبْعَةً -فَهُوَ مِنَ المَوْقُوفِ عَلَيْهِ. ولَوْ رُفِعَ إلى النَّبِيِّ ﷺ وصَحَّ سَنَدُهُ لَقُلْنا بِهِ عَلى أنَّهُ اخْتُلِفَ عَلى ابْنِ عَبّاسٍ في عِدَّتِهِمْ. فَرُوِيَ عَنْهُ أنَّهم ثَمانِيَةٌ، حَكاهُ ابْنُ إسْحاقَ عَنْ مُجاهِدٍ عَنْهُ. ورُوِيَ عَنْهُ سَبْعَةٌ. وهو حِكايَةُ قَتادَةَ وعِكْرِمَةَ عَنْهُ. ثُمَّ رَأيْتُ الرّازِيَّ نَقَلَ عَنِ القاضِي أنَّهُ قالَ: إنْ كانَ - ابْنُ عَبّاسٍ - قَدْ عَرَّفَهُ بِبَيانِ الرَّسُولِ، صَحَّ. وإنْ كانَ قَدْ تَعَلَّقَ بِحَرْفِ الواوِ فَضَعِيفٌ. انْتَهى. هَذا ما ظَهَرَ لِي الآنَ. وبَعْدَ كِتابَتِي لِما تَقَدَّمَ بِمُدَّةٍ، وقَفْتُ عَلى نَبَئِهِمْ في (طَبَقاتِ الشُّهَداءِ المَسِيحِيِّينَ) وأنَّ عِدَّتَهم سَبْعَةٌ عِنْدَهم كَما سَتَراهُ في آخِرِ الآياتِ فِيهِمْ. فَسَنَحَ لِي أنَّ ابْنَ عَبّاسٍ إنَّما جَزَمَ بِما جَزَمَ بِهِ، مِمّا قَوِيَ عِنْدَهُ مِن إشارَةِ الآيَةِ، كَما ذَكَرَهُ أُولَئِكَ الأكْثَرُونَ، ومِن تَواتُرِ عِدَّتِهِمْ مِن قَوْمِهِمْ ومِمَّنْ أُثِرَ عَنْهم. ثُمَّ حَقَّقَهُ وصَدَّقَهُ عَدَمُ النَّكِيرِ فِيهِ. وكَذَلِكَ جَزَمَ بِمِثْلِهِ الإمامُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ تَيْمِيَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ. حَيْثُ قالَ في (قاعِدَةٍ لَهُ في التَّفْسِيرِ): اشْتَمَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ عَلى الأدَبِ في هَذا المَقامِ -مَقامِ حِكايَةِ الأقْوالِ وتَعْلِيمِ ما يَنْبَغِي في مِثْلِ هَذا. فَإنَّهُ تَعالى أخْبَرَ عَنْهم بِثَلاثَةِ (p-٤٠٤٢)أقْوالٍ، ضَعَّفَ القَوْلَيْنِ الأوَّلَيْنِ وسَكَتَ عَنِ الثّالِثِ. فَدَلَّ عَلى صِحَّتِهِ. إذْ لَوْ كانَ باطِلًا لَرَدَّهُ كَما رَدَّهُما. ثُمَّ أرْشَدَ إلى أنَّ الِاطِّلاعَ عَلى عِدَّتِهِمْ لا طائِلَ تَحْتَهُ. فَيُقالُ في مِثْلِ هَذا: ﴿قُلْ رَبِّي أعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ﴾ فَإنَّهُ ما يَعْلَمُ بِذَلِكَ إلّا قَلِيلٌ مِنَ النّاسِ مِمَّنْ أطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ. فَبِهَذا قالَ: ﴿فَلا تُمارِ فِيهِمْ إلا مِراءً ظاهِرًا﴾ أيْ: لا تُجْهِدْ نَفْسَكَ فِيما لا طائِلَ تَحْتَهُ، ولا تَسْألْهم عَنْ ذَلِكَ فَإنَّهم لا يَعْلَمُونَ مِن ذَلِكَ إلّا رَجْمَ الغَيْبِ. فَهَذا أحْسَنُ ما يَكُونُ في حِكايَةِ الخِلافِ أنْ تَسْتَوْعِبَ الأقْوالَ في ذَلِكَ المَقامِ وأنْ يُنَبِّهَ عَلى الصَّحِيحِ مِنها ويُبْطِلَ الباطِلَ. ويَذْكُرُ فائِدَةَ الخِلافِ وثَمَرَتَهُ، لِئَلّا يَقَعَ النِّزاعُ والخِلافُ فِيما لا فائِدَةَ تَحْتَهُ، فَيَشْتَغِلُ بِهِ عَنِ الأهَمِّ. فَأمّا مَن حَكى خِلافًا في مَسْألَةٍ ولَمْ يَسْتَوْعِبْ أقْوالَ النّاسِ فِيها، فَهو ناقِصٌ. إذْ قَدْ يَكُونُ الصَّوابُ في الَّذِي تَرَكَهُ. أوْ يَحْكِي الخِلافَ ويُطْلِقُهُ ولا يُنَبِّهُ عَلى الصَّحِيحِ مِنَ الأقْوالِ، فَهو ناقِصٌ أيْضًا. انْتَهى كَلامُهُ رَحِمَهُ اللَّهُ، وهو الفَصْلُ في هَذا المَقامِ. الثّانِي: قالَ الرّازِيُّ: ذَكَرُوا في فائِدَةِ الواوِ في قَوْلِهِ: ﴿وثامِنُهُمْ﴾ وُجُوهًا: الأوَّلُ: ما ذَكَرُوهُ أنَّهُ يَدُلُّ عَلى أنَّ هَذا القَوْلَ أوْلى مِن سائِرِ الأقْوالِ. وقَدْ عَرَفْتَ ما فِيهِ. وثانِيها: أنَّ السَّبْعَةَ عِنْدَ العَرَبِ أصْلٌ في المُبالَغَةِ في العَدَدِ. وإذا كانَ كَذَلِكَ فَإذا وصَلُوا إلى الثَّمانِيَةِ ذَكَرُوا لَفْظًا يَدُلُّ عَلى الِاسْتِئْنافِ، فَقالُوا: وثَمانِيَةٌ. فَجاءَ هَذا الكَلامُ عَلى هَذا القانُونِ. قالُوا: ويَدُلُّ عَلَيْهِ نَظِيرُهُ في ثَلاثِ آياتٍ، وهي قَوْلُهُ: ﴿والنّاهُونَ عَنِ المُنْكَرِ﴾ [التوبة: ١١٢] لِأنَّ هَذا هو العَدَدُ الثّامِنُ مِنَ الأعْدادِ المُتَقَدِّمَةِ. وقَوْلُهُ: ﴿حَتّى إذا جاءُوها وفُتِحَتْ أبْوابُها﴾ [الزمر: ٧٣] لِأنَّ أبْوابَ الجَنَّةِ ثَمانِيَةٌ وأبْوابَ النّارِ سَبْعَةٌ. وقَوْلُهُ: ﴿ثَيِّباتٍ وأبْكارًا﴾ [التحريم: ٥] لِأنَّ قَوْلَهُ: وأبْكارًا هو العَدَدُ الثّامِنُ مِمّا تَقَدَّمَ. والنّاسُ يُسَمُّونَ هَذِهِ الواوَ واوَ الثَّمانِيَةِ ومَعْناهُ ما ذَكَرْناهُ. (p-٤٠٤٣)قالَ القَفّالُ: وهَذا لَيْسَ بِشَيْءٍ والدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إلَهَ إلا هو المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلامُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ العَزِيزُ الجَبّارُ المُتَكَبِّرُ﴾ [الحشر: ٢٣] ولَمْ يَذْكُرِ الواوَ في النَّعْتِ الثّامِنِ. انْتَهى. وقالَ في (الِانْتِصافِ): الصَّوابُ في الواوِ ما تَقَدَّمَ مِن كَوْنِها لِتَأْكِيدِ اللُّصُوقِ. لا كَمَن يَقُولُ إنَّها واوُ الثَّمانِيَةِ. فَإنَّ ذَلِكَ أمْرٌ لا يَسْتَقِرُّ لِمُثْبِتِهِ قَدَمٌ. ويَعُدُّونَ مَعَ هَذِهِ الواوَ في قَوْلِهِ في الجَنَّةِ: ﴿وفُتِحَتْ أبْوابُها﴾ [الزمر: ٧٣] قالُوا لِأنَّ أبْوابَ الجَنَّةِ ثَمانِيَةٌ وأبْوابَ النّارِ سَبْعَةٌ وهَبْ أنَّ في اللُّغَةِ واوًا تَصْحَبُ الثَّمانِيَةَ فَتَخْتَصُّ بِها، فَأيْنَ ذِكْرُ العَدَدِ في أبْوابِ الجَنَّةِ حَتّى يَنْتَهِيَ إلى الثّامِنِ فَتَصْحَبُهُ الواوُ؟ ورُبَّما عَدُّوا مِن ذَلِكَ: والنّاهُونَ عَنِ المُنْكَرِ وهو الثّامِنُ مِن قَوْلِهِ: ﴿التّائِبُونَ﴾ [التوبة: ١١٢] وهَذا أيْضًا مَرْدُودٌ بِأنَّ الواوَ إنَّما اقْتَرَنَتْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لِتَرْبُطَ بَيْنَها وبَيْنَ الأُولى الَّتِي هِيَ: الآمِرُونَ بِالمَعْرُوفِ لِما بَيْنَهُما مِنَ التَّناسُبِ والرَّبْطِ. ألا تَرى اقْتِرانَهُما في جَمِيعِ مَصادِرِهِما ومَوارِدِهِما؟ كَقَوْلِهِ: ﴿يَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ ويَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ﴾ [التوبة: ٧١] وكَقَوْلِهِ: ﴿وأْمُرْ بِالمَعْرُوفِ وانْهَ عَنِ المُنْكَرِ﴾ [لقمان: ١٧] ورُبَّما عَدَّ بَعْضُهم مِن ذَلِكَ، الواوَ في قَوْلِهِ: ﴿ثَيِّباتٍ وأبْكارًا﴾ [التحريم: ٥] لِأنَّهُ وجَدَها مَعَ الثّامِنِ. وهَذا غَلَطٌ فاحِشٌ. فَإنَّ هَذِهِ واوُ التَّقْسِيمِ. ولَوْ ذَهَبْتَ تَحْذِفُها فَتَقُولُ: ثَيِّباتٍ أبْكارًا لَمْ يَسْتَدَّ الكَلامُ. فَقَدْ وضَحَ أنَّ الواوَ في جَمِيعِ هَذِهِ المَواضِعِ المَعْدُودَةِ، وارِدَةٌ لِغَيْرِ ما زَعَمَهُ هَؤُلاءِ. واللَّهُ المُوَفِّقُ... انْتَهى. الثّالِثُ: حُكِيَ في (الإكْلِيلِ) عَنْ مُجاهِدٍ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَلا تُمارِ فِيهِمْ إلا مِراءً ظاهِرًا﴾ إلّا بِما أظْهَرْنا لَكَ. ومِثْلُهُ قَوْلُ السُّدِّيِّ: إلّا بِما أُوحِيَ إلَيْكَ. وإنَّ فِيهِ تَحْرِيمَ الجَدَلِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وبِلا حُجَّةٍ ظاهِرَةٍ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب