الباحث القرآني

(p-٤٠٢٢)القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: [٢] ﴿قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِن لَدُنْهُ ويُبَشِّرَ المُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصّالِحاتِ أنَّ لَهم أجْرًا حَسَنًا﴾ [٣] ﴿ماكِثِينَ فِيهِ أبَدًا﴾ [الكهف: ٣] ﴿قَيِّمًا﴾ أيْ: قَيِّمًا بِمَصالِحِ العِبادِ وما لا بُدَّ لَهم مِنهُ مِنَ الشَّرائِعِ. فَهو وصْفٌ لَهُ بِأنَّهُ مُكَمِّلٌ لَهُمْ، بَعْدَ وصْفِهِ بِأنَّهُ كامِلٌ في نَفْسِهِ. أوْ قَيِّمًا عَلى الكُتُبِ السّالِفَةِ، مُهَيْمِنًا عَلَيْها. أوْ مُتَناهِيًا في الِاسْتِقامَةِ والِاعْتِدالِ. فَيَكُونُ تَأْكِيدًا لِما دَلَّ عَلَيْهِ نَفْيُ العِوَجِ. مَعَ إفادَةِ كَوْنِ ذَلِكَ مِن صِفاتِهِ الذّاتِيَّةِ اللّازِمَةِ لَهُ، حَسْبَما تُنْبِئُ عَنْهُ الصِّيغَةُ. وانْتِصابُهُ بِمُضْمَرٍ تَقْدِيرُهُ جَعَلَهُ كَما ذَكَرْنا. عَلى أنَّهُ جُمْلَةٌ مُسْتَأْنِفَةٌ. وفِيهِ وُجُوهٌ أُخَرُ. تَنْبِيهٌ: ذَهَبَ القاشانِيُّ أنَّ الضَّمِيرَ في " لَهُ " وما بَعْدَهُ لِقَوْلِهِ: " عَبْدِهِ " قالَ: أيْ: لَمْ يَجْعَلْ لِعَبْدِهِ زَيْغًا ومَيْلًا. وجَعَلَهُ قَيِّمًا، يَعْنِي مُسْتَقِيمًا، كَما أُمِرَ بِقَوْلِهِ: ﴿فاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ﴾ [هود: ١١٢] أوْ قَيِّمًا بِأمْرِ العِبادِ وهِدايَتِهِمْ، إذِ التَّكْمِيلُ يَتَرَتَّبُ عَلى الكَمالِ. لِأنَّهُ: عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، لَمّا فَرَغَ مِن تَقْوِيمِ نَفْسِهِ وتَزْكِيَتِها، أُقِيمَتْ نُفُوسُ أُمَّتِهِ مَقامَ نَفْسِهِ. فَأُمِرَ بِتَقْوِيمِها وتَزْكِيَتِها. ولِهَذا المَعْنى سُمِّي إبْراهِيمُ، صَلَواتُ اللَّهِ عَلَيْهِ، أُمَّةً. وهَذِهِ القَيِّمِيَّةُ أيِ: القِيامُ بِهِدايَةِ النّاسِ، داخِلَةٌ في الِاسْتِقامَةِ المَأْمُورِ هو بِها في الحَقِيقَةِ، انْتَهى. والأظْهَرُ الوَجْهُ الأوَّلُ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِن لَدُنْهُ﴾ أيْ: لِيُنْذِرَ مَن خالَفَهُ ولَمْ يُؤْمِن بِهِ، عَذابًا شَدِيدًا عاجِلًا أوْ آجِلًا. و(البَأْسُ): القَهْرُ والعَذابُ، وخَصَّصَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿مِن لَدُنْهُ﴾ إشارَةً إلى زِيادَةِ هَوْلِهِ. ولِذَلِكَ عَظَّمَهُ بِالتَّنْكِيرِ. مُتَعَلِّقٌ بِأنْزَلَ أوْ بِعامِلِ قَيِّمًا: ﴿ويُبَشِّرَ (p-٤٠٢٣)المُؤْمِنِينَ﴾ أيْ: بِهِ. وقالَ القاشانِيُّ: أيِ: المُوَحِّدِينَ، لِكَوْنِهِمْ في مُقابَلَةِ المُشْرِكِينَ، الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ ولَدًا. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصّالِحاتِ﴾ أيْ: مِنَ الخَيْراتِ والفَضائِلِ: ﴿أنَّ لَهُمْ﴾ أيْ: بِأنَّ لَهُمْ، بِمُقابَلَةِ إيمانِهِمْ وأعْمالِهِمُ المَذْكُورَةِ: ﴿أجْرًا حَسَنًا﴾ وهو الجَنَّةُ: ﴿ماكِثِينَ فِيهِ أبَدًا﴾ [الكهف: ٣]
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب