الباحث القرآني

وقَوْلُهُ تَعالى: (p-٤٠٢٧)القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: [١٣] ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأهم بِالحَقِّ إنَّهم فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وزِدْناهم هُدًى﴾ . ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأهم بِالحَقِّ﴾ شُرُوعٌ في تَمامِ بَسْطِ قِصَّتِهِمْ وتَفْصِيلِها. والحَقُّ الأمْرُ المُطابِقُ لِلْواقِعِ: ﴿إنَّهم فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ﴾ أيْ: بِوَحْدانِيَّتِهِ إيمانًا يَقِينِيًّا عِلْمِيًّا عَلى طَرِيقِ الِاسْتِدْلالِ، مَعَ اتِّفاقِ قَوْمِهِمْ عَلى الشِّرْكِ: ﴿وزِدْناهم هُدًى﴾ أيْ: بِتَرْجِيحِ جانِبِ اللَّهِ عَلى جانِبِ أنْفُسِهِمْ. قالَ ابْنُ كَثِيرٍ: الفِتْيَةُ -وهُمُ الشَّبابُ- أقْبَلُ لِلْحَقِّ وأهْدى لِلسَّبِيلِ، مِنَ الشُّيُوخِ الَّذِينَ قَدْ عَتَوْا وانْغَمَسُوا في دِينِ الباطِلِ. ولِهَذا كانَ أكْثَرُ المُسْتَجِيبِينَ لِلَّهِ تَعالى ولِرَسُولِهِ ﷺ شَبابًا. وأمّا عامَّةُ شُيُوخِ قُرَيْشٍ فاسْتَمَرُّوا عَلى ضَلالِهِمْ ولَمْ يُسْلِمْ مِنهم إلّا القَلِيلُ. وهَكَذا أخْبَرَ تَعالى عَنْ أصْحابِ الكَهْفِ أنَّهم كانُوا فِتْيَةً شَبابًا. وقَدْ يُرْوى عَنْ هَؤُلاءِ الفِتْيَةِ رِواياتٌ مُضْطَرِبَةٌ. أوْثَقُها أنَّ هَؤُلاءِ، كانَ قَدِمَ إلى مَدِينَتِهِمْ مَن يَدْعُو إلى الإيمانِ بِاللَّهِ تَعالى، وبِما جاءَ بِهِ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ. مِمَّنْ كانَ عَلى قِدَمِ الحَوارِيِّينَ. فاسْتَجابَ لِذَلِكَ الفِتْيَةُ المُنَوَّهُ بِهِمْ. وخَلَعُوا الوَثَنِيَّةَ الَّتِي عَلَيْها قَوْمُهم وفَرُّوا بِدِينِهِمْ خَشْيَةَ أنْ يَفْتِنَهم مَلِكُهم عَنْ دِينِهِمْ أوْ يَقْتُلَهم. فاسْتَخْفَوْا عَنْهُ في الكَهْفِ. واعْتَزَلُوا فِيهِ يَعْبُدُونَ اللَّهَ تَعالى وحْدَهُ. ثُمَّ رُوِيَ أنَّ المَلِكَ طَلَبَهم. فَقِيلَ: دَخَلُوا هَذا الكَهْفَ. فَقالَ قَوْمُهُمْ: لا نُرِيدُ لَهم عُقُوبَةً ولا عَذابًا أشَدَّ مِن أنْ نَرْدِمَ عَلَيْهِمْ هَذا الكَهْفَ. فَبَنَوْهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ رَدَمُوهُ. ثُمَّ إنَّ اللَّهَ بَعَثَ عَلَيْهِمْ مَلِكًا عَلى دِينِ عِيسى. فَرَفَعَ ذَلِكَ البِناءَ الَّذِي كانَ رُدِمَ عَلَيْهِمْ. فَقالَ بَعْضُهم لِبَعْضٍ: ﴿كَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا يَوْمًا أوْ بَعْضَ يَوْمٍ﴾ [الكهف: ١٩] حَتّى بَلَغَ: ﴿فابْعَثُوا أحَدَكم بِوَرِقِكم هَذِهِ إلى المَدِينَةِ﴾ [الكهف: ١٩] وكانَ ورِقُ ذَلِكَ الزَّمانِ لِدَوْلَةِ أهْلِهِ. فَأرْسَلُوا أحَدَهم يَأْتِيهِمْ بِطَعامٍ. فَلَمّا ذَهَبَ لِيَخْرُجَ رَأى عَلى بابِ الكَهْفِ شَيْئًا أنْكَرَهُ فَأرادَ أنْ يَرْجِعَ. ثُمَّ مَضى حَتّى دَخَلَ المَدِينَةَ. فَأنْكَرَ ما رَأى. ثُمَّ أخْرَجَ دِرْهَمًا فَنَظَرُوا إلَيْهِ فَأنْكَرُوهُ وأنْكَرُوا الدِّرْهَمَ. وقالُوا: مِن أيْنَ لَكَ هَذا؟ هَذا مِن ورِقٍ غَيْرِ هَذا الزَّمانِ. (p-٤٠٢٨)واجْتَمَعُوا عَلَيْهِ يَسْألُونَهُ. فَلَمْ يَزالُوا بِهِ حَتّى انْطَلَقُوا بِهِ إلى مَلِكِهِمْ. فَأخْبَرَهُ بِأمْرِهِ. فاسْتَبْشَرُوا بِهِ وبِأصْحابِهِ. وقِيلَ لَهُ: انْطَلِقْ فَأرِنا أصْحابَكَ. فانْطَلَقَ وانْطَلَقُوا مَعَهُ لِيُرِيَهم. فَدَخَلَ قَبْلَ القَوْمِ فَضَرَبَ عَلى آذانِهِمْ فَـ: ﴿قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا﴾ [الكهف: ٢١] هَذا ما أوْرَدَهُ ابْنُ جَرِيرٍ أوَّلًا، وفِيهِ كِفايَةٌ عَنْ غَيْرِهِ. وسَنَذْكُرُ في آخِرِ نَبَئِهِمْ ما عِنْدَ أهْلِ الكِتابِ النَّصارى مِن شَأْنِهِمْ. وقَدْ قِيلَ إنَّهم كانُوا في مَدِينَةٍ يُقالُ لَها (طَرْسُوسُ) مِن أعْمالِ طَرابُلُسَ الشّامِ. وفِيها مِنَ الآثارِ القَدِيمَةِ العَهْدِ، في جَبَلٍ بِها، ما يَزْعُمُ أهْلُها زَعْمًا مُتَوارَثًا، أنَّهُ لِأصْحابِ الكَهْفِ. واللَّهُ أعْلَمُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب