الباحث القرآني
اَلْقَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[٧١-٧٢] ﴿يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإمامِهِمْ فَمَن أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتابَهم ولا يُظْلَمُونَ فَتِيلا﴾ ﴿ومَن كانَ في هَذِهِ أعْمى فَهو في الآخِرَةِ أعْمى وأضَلُّ سَبِيلا﴾ [الإسراء: ٧٢] .
﴿يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإمامِهِمْ﴾ أيْ: بِمَنِ اِئْتَمُّوا بِهِ مِن نَبِيٍّ أوْ مُقَدَّمٍ في اَلدِّينِ أوْ كِتابٍ أوْ دِينٍ. فَيُقالُ: يا أتْباعَ فُلانٍ ! يا أهْلَ دِينِ كَذا وكِتابِ كَذا. وقِيلَ: بِكِتابِ أعْمالِهِمْ، فَيُقالُ: يا أصْحابَ كِتابِ اَلْخَيْرِ ! ويا أصْحابَ كِتابِ اَلشَّرِّ ! قالُوا: وفِيهِ شَرَفٌ لِأصْحابِ اَلْحَدِيثِ؛ لِأنَّ إمامَهُمُ اَلنَّبِيُّ صَلّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ.
وقالَ القاشانِيُّ: أيْ: نَحْضُرُ كُلَّ طائِفَةٍ مِنَ اَلْأُمَمِ مَعَ شاهِدِهِمُ اَلَّذِي يَحْضُرُهم ويَتَوَجَّهُونَ إلَيْهِ ويَعْرِفُونَهُ، سَواءٌ كانَ صُورَةَ نَبِيٍّ آمَنُوا بِهِ، أوْ إمامٍ اِقْتَدَوْا بِهِ، أوْ دِينٍ أوْ كِتابٍ، أوْ ما شِئْتَ. عَلى أنْ تَكُونَ (اَلْباءُ) بِمَعْنى (مَعَ) . أوْ نَنْسِبُهم إلى إمامِهِمْ ونَدْعُوهم بِاسْمِهِ؛ لِكَوْنِهِ هو اَلْغالِبَ عَلَيْهِمْ وعَلى أمْرِهِمُ، اَلْمُسْتَعْلِي مَحَبَّتَهم إيّاهُ عَلى سائِرِ مُحِبّاتِهِمْ.
ورَجَّحَ اِبْنُ كَثِيرٍ، رَحِمَهُ اَللَّهُ، اَلْقَوْلَ بِأنَّ اَلْإمامَ هو كِتابُ اَلْأعْمالِ، لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْناهُ في إمامٍ مُبِينٍ﴾ [يس: ١٢] وقالَ تَعالى: ﴿ووُضِعَ الكِتابُ فَتَرى المُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمّا فِيهِ﴾ [الكهف: ٤٩] اَلْآيَةَ، وقالَ تَعالى: ﴿وتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إلى كِتابِها اليَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الجاثية: ٢٨] ﴿هَذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكم بِالحَقِّ إنّا كُنّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الجاثية: ٢٩] (p-٣٩٥٣)وما رَجَّحَهُ رَحِمَهُ اَللَّهُ هو اَلصَّوابُ؛ لِأنَّ اَلْقُرْآنَ يُفَسِّرُ بَعْضُهُ بَعْضًا، وأوَّلُ ما يَنْبَغِي اَلِاهْتِمامُ بِهِ في مَعانِي اَلْآياتِ، هو اَلرُّجُوعُ إلى نَظائِرِها. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَمَن أُوتِيَ﴾ أيْ: مِن هَؤُلاءِ اَلْمَدْعُوِّينَ: ﴿كِتابَهُ﴾ أيْ: كِتابَ أعْمالِهِ: ﴿بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتابَهُمْ﴾ أيْ: فَرَحًا وابْتِهاجًا بِما فِيهِ مِنَ اَلْعَمَلِ اَلصّالِحِ: ﴿ولا يُظْلَمُونَ فَتِيلا﴾ أيْ: لا يَنْقُصُوهُ مِن أُجُورِهِمْ قَدْرَ فَتِيلٍ، وهو ما في شِقِّ اَلنَّواةِ، أوْ ما تَفْتِلُهُ بَيْنَ أُصْبُعَيْكَ، أوْ هو أدْنى شَيْءٍ، فَإنَّ اَلْفَتِيلَ مَثَلٌ في اَلْقِلَّةِ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولا يُظْلَمُونَ شَيْئًا﴾ [مريم: ٦٠]
﴿ومَن كانَ في هَذِهِ أعْمى فَهو في الآخِرَةِ أعْمى وأضَلُّ سَبِيلا﴾ [الإسراء: ٧٢] أيْ: ومَن كانَ في هَذِهِ اَلْحَياةِ اَلدُّنْيا أعْمى عَنِ اَلِاهْتِداءِ إلى اَلْحَقِّ، فَهو في اَلْآخِرَةِ أعْمى لا يَرى طَرِيقَ اَلنَّجاةِ، وأضَلُّ سَبِيلًا مِنهُ في اَلدُّنْيا؛ لِأنَّ لَهُ في هَذِهِ اَلْحَياةِ آلاتٍ وأدَواتٍ وأسْبابًا يُمْكِنُهُ اَلِاهْتِداءُ بِها. وهو في مَقامِ اَلْكَسْبِ باقِي اَلِاسْتِعْدادِ. ولَمْ يَبْقَ هُناكَ شَيْءٌ مِن ذَلِكَ. قِيلَ: اَلْعَمى حَقِيقَةٌ فِيمَن لا يُدْرِكُ اَلْمُبْصِراتِ؛ لِفَسادِ حاسَّتِهِ، مَجازٌ في عَمى اَلْبَصِيرَةِ وهو عَدَمُ اَلِاهْتِداءِ إلى طَرِيقِ اَلنَّجاةِ. وقِيلَ: هو حَقِيقَةٌ فِيهِما. وعَلَيْهِ جُوِّزَ أنْ يَكُونَ (أعْمى) اَلثّانِي أفْعَلَ تَفْضِيلٍ؛ لِأنَّهُ مِن عَمى اَلْقَلْبِ لا عَمى اَلْبَصَرِ. ويَجُوزُ أنْ يُصاغَ مِنَ اَلْعُيُوبِ اَلْباطِنَةِ أفْعَلُ تَفْضِيلٍ كالأحْمَقِ والأبْلَهِ.
لَطِيفَةٌ:
قالَ اَلنّاصِرُ: يَحْتَمِلُ أنْ تَكُونَ هَذِهِ اَلْآيَةُ قَسِيمَةَ اَلْأُولى. أيْ: فَمَن أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَهو اَلَّذِي يُبْصِرُهُ ويَقْرَؤُهُ. ومَن كانَ في اَلدُّنْيا أعْمى غَيْرَ مُبْصِرٍ في نَفْسِهِ، ولا ناظِرٍ في مَعادِهِ، فَهو في اَلْآخِرَةِ كَذَلِكَ، غَيْرُ مُبْصِرٍ في كِتابِهِ، بَلْ أعْمى عَنْهُ، أوْ أشَدُّ عَمًى مِمّا كانَ في اَلدُّنْيا، عَلى اِخْتِلافِ اَلتَّأْوِيلَيْنِ. وقَوْلُهُ تَعالى:
(p-٣٩٥٤)
{"ayahs_start":71,"ayahs":["یَوۡمَ نَدۡعُوا۟ كُلَّ أُنَاسِۭ بِإِمَـٰمِهِمۡۖ فَمَنۡ أُوتِیَ كِتَـٰبَهُۥ بِیَمِینِهِۦ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ یَقۡرَءُونَ كِتَـٰبَهُمۡ وَلَا یُظۡلَمُونَ فَتِیلࣰا","وَمَن كَانَ فِی هَـٰذِهِۦۤ أَعۡمَىٰ فَهُوَ فِی ٱلۡـَٔاخِرَةِ أَعۡمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِیلࣰا"],"ayah":"یَوۡمَ نَدۡعُوا۟ كُلَّ أُنَاسِۭ بِإِمَـٰمِهِمۡۖ فَمَنۡ أُوتِیَ كِتَـٰبَهُۥ بِیَمِینِهِۦ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ یَقۡرَءُونَ كِتَـٰبَهُمۡ وَلَا یُظۡلَمُونَ فَتِیلࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق