الباحث القرآني

القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: [١٠-١١] ﴿وأنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ أعْتَدْنا لَهم عَذابًا ألِيمًا﴾ ﴿ويَدْعُ الإنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالخَيْرِ وكانَ الإنْسانُ عَجُولا﴾ [الإسراء: ١١] . ﴿وأنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ﴾ أيْ: بِالبَعْثِ والجَزاءِ عَلى الأعْمالِ: ﴿أعْتَدْنا لَهم عَذابًا ألِيمًا﴾ أيْ: في الآخِرَةِ، وهو عَذابُ النّارِ. ﴿ويَدْعُ الإنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالخَيْرِ﴾ [الإسراء: ١١] أيْ: مِثْلَ دُعائِهِ بِالخَيْرِ: ﴿وكانَ الإنْسانُ عَجُولا﴾ [الإسراء: ١١] قالَ أبُو السُّعُودِ: الآيَةُ بَيانٌ لِحالِ المَهْدِيِّ إثْرَ بَيانِ حالِ الهادِي. وإظْهارٌ لِما بَيْنَهُما مِنَ التَّبايُنِ. والمُرادُ بِالإنْسانِ الجِنْسُ، أُسْنِدَ إلَيْهِ حالُ بَعْضِ أفْرادِهِ. أوْ حَكى عَنْهُ حالَهُ في بَعْضِ أحْيانِهِ. فالمَعْنى، عَلى الأوَّلِ: أنَّ القُرْآنَ يَدْعُو الإنْسانَ إلى الخَيْرِ الَّذِي لا خَيْرَ فَوْقَهُ مِنَ الأجْرِ الكَبِيرِ. ويُحَذِّرُهُ مِنَ الشَّرِّ الَّذِي لا شَرَّ وراءَهُ مِنَ العَذابِ الألِيمِ، وهو، أيْ: بَعْضٌ مِنهُ وهو الكافِرُ، يَدْعُو لِنَفْسِهِ بِما هو الشَّرُّ مِنَ العَذابِ المَذْكُورِ، إمّا بِلِسانِهِ حَقِيقَةً كَدَأْبِ مَن قالَ: ﴿اللَّهُمَّ إنْ كانَ هَذا هو الحَقَّ مِن عِنْدِكَ فَأمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أوِ ائْتِنا بِعَذابٍ ألِيمٍ﴾ [الأنفال: ٣٢] ومَن قالَ: { فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إنْ كُنْتَ مِنَ الصّادِقِينَ }، إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِمّا حَكى عَنْهم. وإمّا بِأعْمالِهِمُ السَّيِّئَةِ المُفْضِيَةِ إلَيْهِ، المُوجِبَةِ لَهُ مَجازًا، كَما هو دَيْدَنُ كُلِّهِمْ. وقَوْلُهُ: ﴿وكانَ الإنْسانُ عَجُولا﴾ [الإسراء: ١١] يَعْنِي بِالإنْسانِ: مَن أسْنَدَ إلَيْهِ الدُّعاءَ المَذْكُورَ مِن أفْرادِهِ. عَجُولًا يُسارِعُ إلى طَلَبِ ما يَخْطِرُ بِبالِهِ، مُتَعامِيًا عَنْ ضَرَرِهِ. أوْ مُبالِغًا في العَجَلَةِ، يَسْتَعْجِلُ العَذابَ وهو آتِيهِ لا مَحالَةَ. فَفِيهِ نَوْعُ تَهَكُّمٍ بِهِ. وعَلى تَقْدِيرِ حَمْلِ الدُّعاءِ عَلى أعْمالِهِمْ، تُحْمَلُ العُجُولِيَّةُ عَلى اللَّجِّ والتَّمادِي في اسْتِيجابِ العَذابِ بِتِلْكَ الأعْمالِ. وعَلى الثّانِي: أنَّ القُرْآنَ يَدْعُو الإنْسانَ إلى ما هو خَيْرٌ. وهو في بَعْضِ أحْيانِهِ، كَما عِنْدَ الغَضَبِ، يَدَعُهُ ويَدْعُو اللَّهَ تَعالى لِنَفْسِهِ وأهْلِهِ ومالِهِ بِما هو شَرٌّ. وكانَ الإنْسانُ بِحَسَبِ جِبِلَّتِهِ عَجُولًا ضَجِرًا لا يَتَأنّى إلى أنْ يَزُولَ عَنْهُ ما يَعْتَرِيهِ. أوْ يَدْعُو بِما هو شَرٌّ وهو يَحْسَبُهُ خَيْرًا. وكانَ (p-٣٩٠٩)الإنْسانُ عَجُولًا غَيْرَ مُتَبَصِّرٍ لا يَتَدَبَّرُ في أُمُورِهِ حَقَّ التَّدَبُّرِ لِيَتَحَقَّقَ ما هو خَيْرٌ حَقِيقٌ بِالدُّعاءِ بِهِ، وما هو شَرٌّ جَدِيرٌ بِالِاسْتِعاذَةِ مِنهُ. انْتَهى. ثُمَّ أشارَ تَعالى إلى بَعْضِ وُجُوهِ الهِدايَةِ في القُرْآنِ، بِالإرْشادِ إلى مَسْلَكِ الِاسْتِدْلالِ بِالآياتِ والدَّلائِلِ الآفاقِيَّةِ، الَّتِي كُلٌّ مِنها بُرْهانٌ نَيِّرٌ لا رَيْبَ فِيهِ. ومِنهاجٌ بَيْنٌ لا يَضِلُّ مَن يَنْتَحِيهِ، بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ:
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب