الباحث القرآني

القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: [٨٧] ﴿وألْقَوْا إلى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وضَلَّ عَنْهم ما كانُوا يَفْتَرُونَ﴾ . ﴿وألْقَوْا﴾ أيْ: وألْقى الَّذِينَ ظَلَمُوا: ﴿إلى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ﴾ أيِ: الِاسْتِسْلامَ لِحُكْمِهِ بَعْدَ إبائِهِمْ في الدُّنْيا: ﴿وضَلَّ عَنْهم ما كانُوا يَفْتَرُونَ﴾ أيْ مِن أنَّ لِلَّهِ شُرَكاءَ، وأنَّهم يَشْفَعُونَ لَهم عِنْدَ اللَّهِ تَعالى. فَإنْ قِيلَ: قَدْ جاءَ إنْكارُهم كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ﴾ [المجادلة: ١٨] والجَوابُ (كَما قالَ القاشانِيُّ): إنَّ ذَلِكَ بِحَسَبِ المَواقِفِ. فالإنْكارُ في المَوْقِفِ الأوَّلِ وقْتَ قُوَّةِ هَيْئاتِ الرَّذائِلِ وشَدَّةِ شَكِيمَةِ النَّفْسِ في الشَّيْطَنَةِ وغايَةِ البُعْدِ عَنِ النُّورِ الإلَهِيِّ، لِلِاحْتِجابِ بِالحُجُبِ الغَلِيظَةِ والغَواشِي المُظْلِمَةِ حَتّى لا يَعْلَمَ أنَّهُ كانَ يَراهُ ويَطَّلِعُ عَلَيْهِ. ونِهايَةُ تَكَدُّرِ نُورِ الفِطْرَةِ حَتّى يُمْكِنَهُ إظْهارُ خِلافِ مُقْتَضاهُ، والِاسْتِسْلامُ في المَوْقِفِ الثّانِي بَعْدَ مُرُورِ أحْقابٍ كَثِيرَةٍ مِن ساعاتِ اليَوْمِ، الَّذِي كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ، حِينَ زالَتِ الهَيْئاتُ ورَقَّتْ، وضَعُفَتْ شَراشِرُ النَّفْسِ في رَذائِلِها، وقَرُبَ مِن عالَمِ النُّورِ، لِرِقَّةِ الحُجُبِ ولَمَعانِ نُورِ فِطْرَتِهِ الأُولى، فَيَعْتَرِفُ ويَنْقادُ. هَذا إذا كانَ الِاسْتِسْلامُ والإنْكارُ لِنُفُوسٍ بِعَيْنِها. وقَدْ يَكُونُ الِاسْتِسْلامُ لِلْبَعْضِ الَّذِينَ لَمْ تَرْسَخْ هَيْئاتُ رَذائِلِهِمْ ولَمْ تَغْلُظْ حُجُبُهم ولَمْ يَنْطَفِئْ نُورُ اسْتِعْدادِهِمْ. (p-٣٨٤٨)والإنْكارُ لِمَن رَسَخَتْ فِيهِ الهَيْئاتُ وقَوِيَتْ وغَلَبَتْ عَلَيْهِ الشَّيْطَنَةَ واسْتَقَرَّتْ، وكَثُفَ الحِجابُ وبَطَلَ الِاسْتِعْدادُ، واللَّهُ أعْلَمُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب