الباحث القرآني

القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: [٧٢-٧٤] ﴿واللَّهُ جَعَلَ لَكم مِن أنْفُسِكم أزْواجًا وجَعَلَ لَكم مِن أزْواجِكم بَنِينَ وحَفَدَةً ورَزَقَكم مِنَ الطَّيِّباتِ أفَبِالباطِلِ يُؤْمِنُونَ وبِنِعْمَتِ اللَّهِ هم يَكْفُرُونَ﴾ ﴿ويَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ما لا يَمْلِكُ لَهم رِزْقًا مِنَ السَّماواتِ والأرْضِ شَيْئًا ولا يَسْتَطِيعُونَ﴾ [النحل: ٧٣] ﴿فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأمْثالَ إنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وأنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: ٧٤] . ﴿واللَّهُ جَعَلَ لَكم مِن أنْفُسِكُمْ﴾ أيْ: في جِنْسِكم وشَكْلِكم إناثًا أزْواجًا لِتَأْنَسُوا بِها وتَحْصُلَ المَوَدَّةُ والأُلْفَةُ والرَّحْمَةُ: ﴿وجَعَلَ لَكم مِن أزْواجِكم بَنِينَ وحَفَدَةً﴾ أيْ: بَناتٍ وأوْلادَ أوْلادٍ: ﴿ورَزَقَكم مِنَ الطَّيِّباتِ أفَبِالباطِلِ يُؤْمِنُونَ﴾ وهو مَنفَعَةُ الأصْنامِ وشَفاعَتُها: ﴿وبِنِعْمَتِ اللَّهِ هم يَكْفُرُونَ﴾ أيْ: في إضافَةِ نِعَمِهِ إلى الأصْنامِ، أوْ في تَحْرِيمِ ما أحَلَّ لَهم. ﴿ويَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ما لا يَمْلِكُ لَهم رِزْقًا مِنَ السَّماواتِ والأرْضِ شَيْئًا﴾ [النحل: ٧٣] أيْ: مِن مَطَرٍ أوْ نَباتٍ و(شَيْئًا) نُصِبَ عَلى المَفْعُولِيَّةِ مِن (رِزْقٍ) إنْ كانَ مَصْدَرًا، وإنْ جُعِلَ اسْمًا لِلْمَرْزُوقِ فَـ (شَيْئًا) بَدَلٌ مِنهُ بِمَعْنى قَلِيلًا. و(مِنَ السَّماواتِ) مُتَعَلِّقٌ بِـ (يَمْلِكُ) عَلى كَوْنِ الرِّزْقِ مَصْدَرًا. أوْ هو صِفَةٌ لِـ (رِزْقًا): ﴿ولا يَسْتَطِيعُونَ﴾ [النحل: ٧٣] أيْ: أنْ يَتَمَلَّكُوهُ. أوْ لا اسْتِطاعَةَ لَهم أصْلًا. أوِ الضَّمِيرُ لِلْمُشْرِكِينَ. أيْ: ولا يَسْتَطِيعُونَ مَعَ أنَّهم أحْياءٌ مُتَصَرِّفُونَ فَكَيْفَ بِالجَمادِ ؟ ! . ﴿فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأمْثالَ﴾ [النحل: ٧٤] أيْ: فَلا تَجْعَلُوا لَهُ أنْدادًا وأمْثالًا. والضَّرْبُ لِلْمَثَلِ فِيهِ مَعْنى الجَعْلِ. والأمْثالُ جَمْعُ (مِثْلٍ) بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ عَلى هَذا، وقِيلَ: جَمْعُ (مَثَلٍ) بِفَتْحَتَيْنِ، والآيَةُ اسْتِعارَةٌ تَمْثِيلِيَّةٌ لِلْإشْراكِ بِهِ. حَيْثُ جَعَلَ المُشْرِكَ بِهِ الَّذِي يُشَبِّهُهُ بِخَلْقِهِ، بِمَنزِلَةِ ضارِبِ المَثَلِ. (p-٣٨٣٤)فَإنَّ المُشَبِّهَ المَخْذُولَ يُشَبِّهُ صِفَةً بِصِفَةٍ، وذاتًا بِذاتٍ. كَما أنَّ ضارِبَ المَثَلِ كَذَلِكَ. فَكَأنَّهُ قِيلَ: ولا تُشْرِكُوا. وعَدَلَ عَنْهُ لِما ذُكِرَ؛ دَلالَةً عَلى التَّعْمِيمِ في النَّهْيِ عَنِ التَّشْبِيهِ وصْفًا وذاتًا. وفي لَفْظَةِ (الأمْثالَ) لِمَن لا مِثالَ لَهُ، نَعْيٌ عَظِيمٌ عَلى سُوءِ فِعْلِهِمْ. كَذا في (شَرْحُ الكَشّافِ) . ﴿إنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وأنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: ٧٤] أيْ: يَعْلَمُ قُبْحَ ما تُشْرِكُونَ وأنْتُمْ لا تَعْلَمُونَهُ. ولَوْ عَلِمْتُمُوهُ لَما جَرَأْتُمْ عَلَيْهِ، فَهو تَعْلِيلٌ لِلنَّهْيِ. أوْ يَعْلَمُ كُنْهَ الأشْياءِ وأنْتُمْ لا تَعْلَمُونَهُ، فَدَعُوا رَأْيَكم وقِياسَكم دُونَ نَصِّهِ. ولَمّا نَهاهم عَنْ ضَرْبِ المَثَلِ الفِعْلِيِّ وهو الإشْراكُ؛ عَقَّبَهُ بِالكَشْفِ لِذِي البَصِيرَةِ، عَنْ حالِهِمْ في تِلْكَ الغَفْلَةِ، وحالِ مَن تابَعَهم، بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ:
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب