الباحث القرآني

القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: [٤٢-٤٤] ﴿الَّذِينَ صَبَرُوا وعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ ﴿وما أرْسَلْنا مِن قَبْلِكَ إلا رِجالا نُوحِي إلَيْهِمْ فاسْألُوا أهْلَ الذِّكْرِ إنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: ٤٣] ﴿بِالبَيِّناتِ والزُّبُرِ وأنْـزَلْنا إلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ ما نُـزِّلَ إلَيْهِمْ ولَعَلَّهم يَتَفَكَّرُونَ﴾ [النحل: ٤٤] . ﴿الَّذِينَ صَبَرُوا﴾ أيْ: عَلى ما أُوذُوا في سَبِيلِ اللَّهِ: ﴿وعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ أيْ: فَلا (p-٣٨١٢)يَخْشَوْنَ أحَدًا غَيْرَهُ. والوَصْفانِ المَذْكُورانِ: الصَّبْرُ والتَّوَكُّلُ، مِن أُمَّهاتِ الصِّفاتِ الَّتِي يَجِبُ عَلى الدّاعِي إلى الحَقِّ، والمُدافِعِ عَنْهُ، أنْ يَكُونا خُلُقًا لَهُ؛ إذْ لا ظَفَرَ بِغايَةٍ إلّا بِهِما. ولِما عَجِبُوا مِن إيحاءِ اللَّهِ لِرَسُولِهِ، واصْطِفائِهِ بِرِسالَتِهِ؛ قِيلَ في دَرْءِ شُبْهَتِهِمْ. ﴿وما أرْسَلْنا مِن قَبْلِكَ إلا رِجالا نُوحِي إلَيْهِمْ فاسْألُوا أهْلَ الذِّكْرِ إنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: ٤٣] يَعْنِي أهْلَ الكِتابِ أوْ عُلَماءَ الأحْبارِ؛ لِيُعَلِّمُوكم أنَّهُ لَمْ يُرْسَلْ لِلدَّعْوَةِ العامَّةِ مَلَكٌ مِن أهْلِ السَّماءِ. فالذِّكْرُ: إمّا بِمَعْنى الكِتابِ لِما فِيهِ مِنَ الذِّكْرِ والعِظَةِ، كَقَوْلِهِ: ﴿إنْ هو إلا ذِكْرٌ﴾ [ص: ٨٧] أوْ بِمَعْنى الحِفْظِ لِأخْبارِ الأُمَمِ السّالِفَةِ. وفي الآيَةِ دَلِيلٌ عَلى وُجُوبِ الرُّجُوعِ إلى العُلَماءِ فِيما لا يُعْلَمُ. واسْتَدَلَّ بِها بَعْضُهم عَلى جَوازِ التَّقْلِيدِ في الفُرُوعِ لِلْعامِّيِّ. وفي ذَلِكَ بَحْثٌ طَوِيلٌ في " إيقاظِ الهِمَمِ " لِلْفُلانِيِّ، فارْجِعْ إلَيْهِ إنْ شِئْتَ. وأشارَ إلى طَرَفٍ مِنهُ في " فَتْحِ البَيانِ " . وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿بِالبَيِّناتِ والزُّبُرِ﴾ [النحل: ٤٤] أيْ: بِالآياتِ المُبَرْهِنَةِ عَلى صِدْقِهِمْ والكُتُبِ المُرْشِدَةِ إلى مَصالِحِ الخَلْقِ. والجارُّ مُتَعَلِّقٌ بِمُقَدَّرٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ ما قَبْلَهُ، أيْ: أرْسَلْناهم. أوْ بِـ (ما أرْسَلْنا) . أوْ بِـ (نُوحِي) أوْ بِـ (لا تَعْلَمُونَ)، عَلى أنَّ الشَّرْطَ لِلتَّبْكِيتِ والإلْزامِ: ﴿وأنْـزَلْنا إلَيْكَ الذِّكْرَ﴾ [النحل: ٤٤] أيِ: القُرْآنَ المُذَكِّرَ والمُوقِظَ مِن سِنَةِ الغَفْلَةِ: ﴿لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ ما نُـزِّلَ إلَيْهِمْ﴾ [النحل: ٤٤] أيْ: مِمّا أُمِرُوا ونُهُوا ووُعِدُوا وأُوعِدُوا: ﴿ولَعَلَّهم يَتَفَكَّرُونَ﴾ [النحل: ٤٤] أيْ: يَنْظُرُونَ لِأنْفُسِهِمْ فَيَهْتَدُونَ فَيَفُوزُونَ بِالنَّجاةِ في الدّارَيْنِ. أوْ يَتَأمَّلُونَ ما فِيهِ مِنَ العِبَرِ فَيَحْتَرِزُونَ عَمّا أصابَ الأوَّلِينَ. ولِذا تَأثَّرَهُ بِقَوْلِهِ:
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب