الباحث القرآني

اَلْقَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: [١٧-١٨] ﴿أفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لا يَخْلُقُ أفَلا تَذَكَّرُونَ﴾ ﴿وإنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها إنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النحل: ١٨] . ﴿أفَمَن يَخْلُقُ﴾ أيْ: كُلَّ شَيْءٍ، لا سِيَّما تِلْكَ اَلْمَصْنُوعاتُ اَلْعَظِيمَةُ اَلْمَذْكُورَةُ، وهو اَللَّهُ اَلْواحِدُ اَلْأحَدُ: ﴿كَمَن لا يَخْلُقُ﴾ أيْ: شَيْئًا ما، وهو ما يَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ، وهَذا تَبْكِيتٌ لِلْمُشْرِكِينَ وإبْطالٌ لِإشْراكِهِمْ بِإنْكارِ أنْ يُساوِيَهُ ويَسْتَحِقَّ مُشارَكَتَهُ ما لا يَقْدِرُ عَلى خَلْقِ شَيْءٍ مِن ذَلِكَ، بَلْ عَلى إيجادِ شَيْءٍ ما. وزَعَمَ اَلزَّمَخْشَرِيُّ ومُتابِعُوهُ؛ أنَّ قَضِيَّةَ اَلْإلْزامِ أنْ يُقالَ: (أفَمَن لا يَخْلُقُ كَمَن يَخْلُقُ) ثُمَّ تَكَلَّمُوا في سِرِّهِ. وقَدْ تَقَدَّمَ اَلْكَلامُ في ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولَيْسَ الذَّكَرُ كالأُنْثى﴾ [آل عمران: ٣٦] فَجَدَّدَ بِهِ عَهْدًا: ﴿أفَلا تَذَكَّرُونَ﴾ أيْ: فَتَعْرِفُوا فَسادَ ذَلِكَ، فَإنَّهُ لِوُضُوحِهِ لا يَفْتَقِرُ إلى شَيْءٍ سِوى اَلتَّذَكُّرِ. ثُمَّ نَبَّهَ، سُبْحانَهُ وتَعالى، عَلى كَثْرَةِ نِعَمِهِ عَلَيْهِمْ وإحْسانِهِ بِما لا يُحْصى؛ إشارَةً إلى أنَّ حَقَّ عِبادَتِهِ غَيْرُ مَقْدُورٍ، بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وإنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها﴾ [النحل: ١٨] أيْ: لا تَضْبُطُوا عَدَدَها ولا تَبْلُغُهُ طاقَتُكم، فَضْلًا أنْ تُطِيقُوا اَلْقِيامَ بِحَقِّها مِن أداءِ اَلشُّكْرِ: ﴿إنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النحل: ١٨] أيْ: حَيْثُ يَتَجاوَزُ عَنِ اَلتَّقْصِيرِ في أداءِ شُكْرِها، ولا يَقْطَعُها عَنْكم لِتَفْرِيطِكم، ولا يُعاجِلُكم بِالعُقُوبَةِ عَلى كُفْرانِها. قالَهُ اَلزَّمَخْشَرِيُّ. ولاحَظَ اِبْنُ جَرِيرٍ؛ أنَّ مَغْفِرَتَهُ تَعالى ورَحْمَتَهُ لَهم، إذا تابُوا وأنابُوا. أيْ: فَيَتَجاوَزُ عَنْ تَقْصِيرِهِمْ بِشُكْرِها اَلْحَقِيقِيِّ، ولا يُعَذِّبُهم بَعْدَ تَوْبَتِهِمْ وإنابَتِهِمْ إلى طاعَتِهِ. لَطِيفَةٌ: قالَ أبُو اَلسُّعُودِ: كانَ اَلظّاهِرُ إيرادَ هَذِهِ اَلْآيَةِ عُقَيْبَ ما تَقَدَّمَ مِنَ اَلنِّعَمِ اَلْمُعَدَّدَةِ، تَكْمِلَةً (p-٣٧٩٢)لَها عَلى طَرِيقَةِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ويَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: ٨] ولَعَلَّ فَصْلَ ما بَيْنَهُما بِقَوْلِهِ: ﴿أفَمَن يَخْلُقُ﴾ لِلْمُبادَرَةِ إلى إلْزامِ اَلْحُجَّةِ، وإلْقاءِ اَلْحَجَرِ، إثْرَ تَفْصِيلِ ما فَصَّلَ مِنَ اَلْأفاعِيلِ، اَلَّتِي هي أدِلَّةُ اَلْوَحْدانِيَّةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب