القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[١١٠] ﴿ثُمَّ إنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِن بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وصَبَرُوا إنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ .
﴿ثُمَّ إنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِن بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وصَبَرُوا إنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ بَيانٌ لِلَّذِينِ كانُوا مُسْتَضْعَفِينَ بِمَكَّةَ، مُهانِينَ في قَوْمِهِمْ، وافَقُوهم عَلى الفِتْنَةِ ظاهِرًا، ثُمَّ أمْكَنَهُمُ الخَلاصُ بِالهِجْرَةِ، فَتَرَكُوا بِلادَهم وأهالِيَهم وأمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللَّهِ وغُفْرانِهِ، وجاهَدُوا الكافِرِينَ وصَبَرُوا عَلى مَشاقِّ الجِهادِ. أخْبَرَ تَعالى أنَّ هَؤُلاءِ مِن بَعْدِ الفِتْنَةِ المَذْكُورَةِ، أيْ: إجابَتِهِمْ إلَيْها: ﴿لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ فَيَغْفِرُ لَهم ما فَرَطَ مِنهم ويَرْحَمُهم بِالجَزاءِ الحَسَنِ.
والجارُّ في قَوْلِهِ: ﴿لِلَّذِينَ﴾ مُتَعَلِّقٌ بِالخَبَرِ عَلى نِيَّةِ التَّقْدِيمِ والتَّأْخِيرِ، والخَبَرُ لِـ (إنَّ) الأُولى. والثّانِيَةُ مُكَرَّرَةٌ لِلتَّأْكِيدِ. أوْ لِلثّانِيَةِ وخَبَرُ الأُولى مُقَدَّرٌ، وشَمِلَ قَوْلُهُ: ﴿هاجَرُوا﴾ (p-٣٨٦٧)مَن هاجَرَ إلى الحَبَشَةِ مِن مَكَّةَ فِرارًا بِدِينِهِ مِنَ الفِتْنَةِ، ومَن هاجَرَ بَعْدُ إلى المَدِينَةِ كَذَلِكَ. كَما شَمِلَ قَوْلُهُ: ﴿جاهَدُوا﴾ في بَثِّ الحَقِّ ونَشْرِ كَلِمَةِ الإيمانِ والدِّفاعِ عَنْهُ. أوْ قاتَلُوا في سَبِيلِ اللَّهِ، ولِأجْلِ هَذا الِاحْتِمالِ في الفِعْلَيْنِ قِيلَ: الآيَةُ مَدَنِيَّةٌ، وقَوْلُهُ تَعالى:
{"ayah":"ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِینَ هَاجَرُوا۟ مِنۢ بَعۡدِ مَا فُتِنُوا۟ ثُمَّ جَـٰهَدُوا۟ وَصَبَرُوۤا۟ إِنَّ رَبَّكَ مِنۢ بَعۡدِهَا لَغَفُورࣱ رَّحِیمࣱ"}