(p-٣٦٧٨)القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[ ٣٠ ] ﴿كَذَلِكَ أرْسَلْناكَ في أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِها أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أوْحَيْنا إلَيْكَ وهم يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هو رَبِّي لا إلَهَ إلا هو عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وإلَيْهِ مَتابِ﴾
﴿كَذَلِكَ أرْسَلْناكَ في أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ﴾ أيْ مَضَتْ ﴿مِن قَبْلِها أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أوْحَيْنا إلَيْكَ﴾ أيْ: لِتُبَلِّغَهم هَذا الوَحْيَ العَظِيمَ والذِّكْرَ الحَكِيمَ، كَما بَلَّغَ مَن خَلا قَبْلَكَ مِنَ المُرْسَلِينَ أُمَمَهم. وقَوْلُهُ: ﴿وهم يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ﴾ جُمْلَةٌ حالِيَّةٌ أوْ مُسْتَأْنَفَةٌ، أيْ: يَكْفُرُونَ بِالبَلِيغِ الرَّحْمَةَ، الَّذِي وسِعَتْ رَحْمَتُهُ كُلَّ شَيْءٍ، والعُدُولُ إلى المَظْهَرِ الدّالِّ عَلى الرَّحْمَةِ، إشارَةٌ إلى أنَّ الإرْسالَ ناشِئٌ مِنها، كَما قالَ تَعالى: ﴿وما أرْسَلْناكَ إلا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ﴾ [الأنبياء: ١٠٧] وإلى أنَّهم لَمْ يَشْكُرُوا نِعْمَةَ هَذا الوَحْيِ الَّذِي هو مَدارُ المَنافِعِ الدِّينِيَّةِ والدُّنْيَوِيَّةِ، وإلى أنَّ الرَّحْمَنَ مِن أسْمائِهِ الحُسْنى ونُعُوتِهِ العُلْيا، وقَدْ كانُوا يَتَجافَوْنَ هَذا الِاسْمَ الكَرِيمَ. ولِهَذا لَمْ يَرْضَوْا يَوْمَ الحُدَيْبِيَةِ أنْ يَكْتُبُوا (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) وقالُوا: ما نَدْرِي ما الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ؟ كَما في الصَّحِيحِ. وقَدْ قالَ تَعالى: ﴿قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ﴾ [الإسراء: ١١٠] وفي (صَحِيحِ مُسْلِمٍ) عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: ««أحَبُّ الأسْماءِ إلى اللَّهِ عَبْدُ اللَّهِ وعَبْدُ الرَّحْمَنِ»» .
﴿قُلْ هُوَ﴾ أيِ: الرَّحْمَنُ الَّذِي كَفَرْتُمْ بِهِ وأنْكَرْتُمْ مَعْرِفَتَهُ: ﴿رَبِّي لا إلَهَ إلا هو عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وإلَيْهِ مَتابِ﴾ أيْ: تَوْبَتِي وإنابَتِي. فَإنَّهُ لا يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ غَيْرُهُ. ثُمَّ أشارَ تَعالى إلى عَظَمَةِ هَذا الوَحْيِ وتَفْضِيلِهِ عَلى ما سِواهُ بِقَوْلِهِ:
{"ayah":"كَذَ ٰلِكَ أَرۡسَلۡنَـٰكَ فِیۤ أُمَّةࣲ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهَاۤ أُمَمࣱ لِّتَتۡلُوَا۟ عَلَیۡهِمُ ٱلَّذِیۤ أَوۡحَیۡنَاۤ إِلَیۡكَ وَهُمۡ یَكۡفُرُونَ بِٱلرَّحۡمَـٰنِۚ قُلۡ هُوَ رَبِّی لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ عَلَیۡهِ تَوَكَّلۡتُ وَإِلَیۡهِ مَتَابِ"}