الباحث القرآني

القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: [ ٢٧ ] ﴿ويَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنْـزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِن رَبِّهِ قُلْ إنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشاءُ ويَهْدِي إلَيْهِ مَن أنابَ﴾ ﴿ويَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنْـزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِن رَبِّهِ﴾ كَقَوْلِهِمْ: ﴿فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الأوَّلُونَ﴾ [الأنبياء: ٥] وتَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى هَذا غَيْرَ مَرَّةٍ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿قُلْ إنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشاءُ ويَهْدِي إلَيْهِ مَن أنابَ﴾ جُمْلَةٌ جَرَتْ مَجْرى التَّعَجُّبِ مِن قَوْلِهِمْ، مُشِيرَةً إلى أنَّهُ مِن بابِ العِنادِ والِاقْتِراحِ لِما لا تَقْتَضِيهِ الحِكْمَةُ مِنَ الآياتِ المَحْسُوسَةِ الَّتِي لا يُمْهَلُ أحَدٌ بَعْدَ مَجِيئِها، لا مِن بابِ طَلَبِ الهِدايَةِ. وإلّا فَلَوْ كانَ بُغْيَتُهم طَلَبَ الهِدايَةِ بِآيَةٍ لَكَفاهم إنْزالُ هَذا الكِتابِ مِن مِثْلِهِ، صَلَواتُ اللَّهِ عَلَيْهِ، آيَةً، فَإنَّهُ آيَةُ الآياتِ...!. ولَكِنَّهم قَوْمٌ (p-٣٦٧٦)آثَرُوا الضَّلالَ عَلى الهُدى، زاغُوا عَنْهُ فَأزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهم. فَطَوى ما دَلَّ عَلَيْهِ هَذِهِ الجُمْلَةُ؛ إيجازًا لِلْعِلْمِ بِها. قالَ أبُو السُّعُودِ: ﴿قُلْ إنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشاءُ﴾ إضْلالُهُ مَشِيئَةٌ تابِعَةٌ لِلْحِكْمَةِ الدّاعِيَةِ إلَيْها، أيْ يَخْلُقُ فِيهِ الضَّلالَ لِصَرْفِهِ اخْتِيارَهُ إلى تَحْصِيلِهِ، ويَدَعُهُ مُنْهَمِكًا فِيهِ؛ لِعِلْمِهِ بِأنَّهُ لا يَنْجَعُ فِيهِ اللُّطْفُ ولا يَنْفَعُهُ الإرْشادُ، كَمَن كانَ عَلى صِفَتِكم في المُكابَرَةِ والعِنادِ، والغُلُوِّ في الفَسادِ. فَلا سَبِيلَ لَهُ إلى الِاهْتِداءِ، ولَوْ جاءَتْهُ كُلُّ آيَةٍ. ثُمَّ قالَ: ﴿ويَهْدِي إلَيْهِ مَن أنابَ﴾ أيْ: أقْبَلَ إلى الحَقِّ، وتَأمَّلَ في تَضاعِيفِ ما نَزَلَ مِن دَلائِلِهِ الواضِحَةِ. وحَقِيقَةُ الإنابَةِ الدُّخُولُ في نَوْبَةِ الخَيْرِ. وإيثارُ إيرادِها في الصِّلَةِ عَلى إيرادِ المَشِيئَةِ، كَما في الصِّلَةِ الأُولى؛ لِلتَّنْبِيهِ عَلى الدّاعِي إلى الهِدايَةِ بَلْ إلى مَشِيئَتِها، والإشْعارِ بِما دَعا إلى المَشِيئَةِ الأُولى المُكابَرَةِ. وفِيهِ حَثٌّ لِلْكَفَرَةِ عَلى الإقْلاعِ عَمّا هم عَلَيْهِ مِنَ العُتُوِّ والعِنادِ. وإيثارُ صِيغَةِ الماضِي لِلْإيماءِ إلى اسْتِدْعاءِ الهِدايَةِ لِسابِقَةِ الإنابَةِ، كَما أنَّ إيثارَ صِيغَةِ المُضارِعِ في الصِّلَةِ الأُولى لِلدَّلالَةِ عَلى اسْتِمْرارِ المَشِيئَةِ حَسَبَ اسْتِمْرارِ مُكابَرَتِهِمُ. انْتَهى. وقَوْلُهُ تَعالى:
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب