الباحث القرآني

(p-٣٦٦٢)القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: [ ١٤ ] ﴿لَهُ دَعْوَةُ الحَقِّ والَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهم بِشَيْءٍ إلا كَباسِطِ كَفَّيْهِ إلى الماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وما هو بِبالِغِهِ وما دُعاءُ الكافِرِينَ إلا في ضَلالٍ﴾ ﴿لَهُ دَعْوَةُ الحَقِّ﴾ أيِ" الدُّعاءُ الحَقُّ بِالعِبادَةِ والتَّضَرُّعِ والإنابَةِ؛ وتَوْجِيهُ الوَجْهِ ثابِتٌ لَهُ تَعالى لا لِغَيْرِهِ. لِأنَّهُ الَّذِي يُجِيبُ المُضْطَرَّ ويَكْشِفُ السُّوءَ فَهو الحَقِيقُ بِأنْ يُعْبَدَ وحْدَهُ بِالدُّعاءِ والِالتِجاءِ. فَإضافَةُ الدَّعْوَةِ لِلْحَقِّ مِن إضافَةِ المَوْصُوفِ لِلصِّفَةِ. وفِيها إيذانٌ بِمُلابَسَتِها لِلْحَقِّ، واخْتِصاصِها بِهِ، وكَوْنِها بِمَعْزِلٍ مِن شائِبَةِ البُطْلانِ والضَّياعِ والضَّلالِ، كَما يُقالُ: كَلِمَةُ الحَقِّ. ثُمَّ بَيَّنَ تَعالى مِثالَ مَن يَعْبُدُ مِنَ الأصْنامِ ويَدَّعِي في عَدَمِ النَّفْعِ والجَدْوى بِقَوْلِهِ: ﴿والَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ﴾ أيِ: الأصْنامَ الَّذِينَ يَدْعُوهُمُ المُشْرِكُونَ مِن دُونِهِ تَعالى ﴿لا يَسْتَجِيبُونَ لَهم بِشَيْءٍ﴾ أيْ: مِن مَطْلُوباتِهِمْ ﴿إلا كَباسِطِ كَفَّيْهِ إلى الماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وما هو بِبالِغِهِ﴾ أيْ: إلّا اسْتِجابَةً كاسْتِجابَةِ باسِطِ كَفَّيْهِ، أيْ كاسْتِجابَةِ الماءِ لِمَن مَدَّ يَدَيْهِ إلَيْهِ يَطْلُبُ مِنهُ أنْ يَبْلُغَ فاهُ، والماءُ جَمادٌ لا يَشْعُرُ بِبَسْطِ كَفَّيْهِ ولا بِظَمَئِهِ وحاجَتِهِ إلَيْهِ، فَلا يَقْدِرُ أنْ يُجِيبَ دُعاءَهُ ويَبْلُغَ فاهُ، وكَذَلِكَ ما يَدْعُونَهُ، جَمادٌ لا يَحِسُّ بِدُعائِهِمْ ولا يَسْتَطِيعُ إجابَتَهم ولا يَقْدِرُ عَلى نَفْعِهِمْ!. والغَرَضُ نَفْيُ الِاسْتِجابَةِ عَلى القَطْعِ بِتَصْوِيرِ أنَّهم أحْوَجُ ما يَكُونُونَ إلَيْها لِتَحْصِيلِ مَباغِيهِمْ؛ أخْيَبُ ما يَكُونُ أحَدٌ في سَعْيِهِ لِما هو مُضْطَرٌّ إلَيْهِ فَضْلًا عَنْ مُجَرَّدِ الحاجَةِ. وحاصِلُهُ: أنَّهُ شَبَّهَ آلِهَتَهم حِينَ اسْتِكْفائِهِمْ إيّاهم ما أهَمَّهم بِلِسانِ الِاضْطِرارِ في عَدَمِ الشُّعُورِ فَضْلًا عَنْ الِاسْتِطاعَةِ لِلِاسْتِجابَةِ، وبَقائِهِمْ لِذَلِكَ في الخُسْرانِ- بِحالِ ماءٍ بِمَرْأى مِن عَطْشانَ باسِطٍ كَفَّيْهِ إلَيْهِ يُنادِيهِ عِبارَةً وإشارَةً. فَهو لِذَلِكَ في زِيادَةِ ظَمَأٍ وشِدَّةِ خُسْرانٍ! والتَّشْبِيهُ عَلى هَذا مِنَ المُرَكَّبِ التَّمْثِيلِيِّ في الأصْلِ، أبْرَزُ في مَعْرِضِ التَّهَكُّمِ، حَيْثُ أثْبَتَ (p-٣٦٦٣)لِلْماءِ اسْتِجابَةً، زِيادَةً في التَّخْسِيرِ والتَّحْسِيرِ. فالِاسْتِثْناءُ مُفَرَّغٌ مِن أعَمِّ عامِّ المَصْدَرِ، أيْ: لا يَسْتَجِيبُونَ شَيْئًا مِن الِاسْتِجابَةِ، والضَّمِيرُ في (هُوَ) لِلْماءِ و(بالِغُهُ) لِلْفَمِ، وقِيلَ: الأوَّلُ لِلْباسِطِ والثّانِي لِلْماءِ. وبَسَطَ الكَفَّ: نَشَرَ الأصابِعَ مَمْدُودَةً كَما في قَوْلِهِ: ؎تَعَوَّدَ بَسْطَ الكَفِّ حَتّى لَوْ أنَّهُ أرادَ انْقِباضًا لَمْ تُطِعْهُ أنامِلُهُ ﴿وما دُعاءُ الكافِرِينَ﴾ أيْ: عِبادَتُهم والتِجاؤُهم لِآلِهَتِهِمْ ﴿إلا في ضَلالٍ﴾ أيْ: في ضَياعٍ لا مَنفَعَةَ فِيهِ لِعَدَمِ إمْكانِ إجابَتِهِمْ. وقَوْلُهُ تَعالى:
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب