الباحث القرآني
(p-٣٥٩٠)القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[ ٩٣ ] ﴿اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذا فَألْقُوهُ عَلى وجْهِ أبِي يَأْتِ بَصِيرًا وأْتُونِي بِأهْلِكم أجْمَعِينَ﴾
﴿اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذا فَألْقُوهُ عَلى وجْهِ أبِي يَأْتِ بَصِيرًا وأْتُونِي بِأهْلِكم أجْمَعِينَ﴾ أرادَ يُوسُفُ تَبْشِيرَ أبِيهِ بِحَياتِهِ، وإدْخالَ السُّرُورِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، وتَصْدِيقَهُ بِإرْسالِ حُلَّةٍ مِن حُلَلِهِ الَّتِي كانَ يَسْتَشْعِرُ بِها أوْ يَتَدَثَّرُ، لِيَكُونَ في مُقابَلَةِ القَمِيصِ الأوَّلِ، جالِبِ الحُزْنِ، وغِشاوَةِ العَيْنِ. و(الإلْقاءُ عَلى وجْهِهِ) بِمَعْنى المُبالَغَةِ في تَقْرِيبِهِ مِنهُ، لِما نالَهُ مِن ضَعْفِ بَصَرِهِ، فَتَتَراجَعُ إلَيْهِ قُوَّةُ بَصَرِهِ، بِانْتِعاشِ قَلْبِهِ، بِشَمِّهِ واطْمِئْنانِهِ عَلى سَلامَتِهِ. ولِلْمُفْرِحاتِ تَأْثِيرٌ عَظِيمٌ في صِحَّةِ الجِسْمِ، وتَقْوِيَةِ الأعْضاءِ، وقَدْ جَوَّدَ الكَلامَ في ذَلِكَ الحَكِيمُ داوُدُ الأنْطاكِيُّ في (تَذْكِرَتِهِ) في مادَّةِ مُفْرِحٍ بِما لا يُسْتَغْنى عَنْ مُراجَعَتِهِ.
وفِي (الكُنُوزِ) مِن كُتُبِ الطِّبِّ: الفَرَحُ، إنْ كانَ بِلُطْفٍ، فَإنَّهُ يَنْفَعُ الجِسْمَ، ويَبْسُطُ النَّفْسَ، ويُرِيحُ العَقْلَ، فَتَقْوى الأعْضاءُ وتَنْتَعِشُ. انْتَهى.
ثُمَّ رَأيْتُ الرّازِيُّ عَوَّلَ عَلى نَحْوِ ما ذَكَرْناهُ، وعِبارَتُهُ: قالَ المُفَسِّرُونَ: لَمّا عَرَّفَهم يُوسُفُ سَألَهم عَنْ أبِيهِ، فَقالُوا: ذَهَبَتْ عَيْناهُ، فَأعْطاهم قَمِيصَهُ. قالَ المُحَقِّقُونَ: إنَّما عَرَفَ أنَّ إلْقاءَ القَمِيصِ عَلى وجْهِهِ يُوجِبُ قُوَّةَ البَصَرِ بِوَحْيٍ مِنَ اللَّهِ تَعالى، ولَوْلا الوَحْيُ، لَما عَرَفَ ذَلِكَ؛ لِأنَّ العَقْلَ لا يَدُلُّ عَلَيْهِ. ويُمْكِنُ أنْ يُقالَ: لَعَلَّ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلامُ عَلِمَ أنَّ أباهُ ما صارَ أعْمى إلّا أنَّهُ مِن كَثْرَةِ البُكاءِ، وضِيقِ القَلْبِ، ضَعُفَ بَصَرُهُ، فَإذا أُلْقِيَ عَلَيْهِ قَمِيصُهُ، فَلا بُدَّ أنْ يَنْشَرِحَ صَدْرُهُ، وأنْ يَحْصُلَ في قَلْبِهِ الفَرَحُ الشَّدِيدُ، وذَلِكَ يُقَوِّي الرُّوحَ، ويُزِيلُ الضَّعْفَ عَنِ القُوى، فَحِينَئِذٍ يَقْوى بَصَرُهُ، ويَزُولُ عَنْهُ ذَلِكَ النُّقْصانُ. فَهَذا القَدْرُ مِمّا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ بِالقَلْبِ. فَإنَّ القَوانِينَ الطِّبِّيَّةَ تَدُلُّ عَلى صِحَّةِ هَذا المَعْنى. انْتَهى.
(p-٣٥٩١)ولَعَلَّ الرّازِيَّ عَنى بِالمُحَقِّقِينَ الصُّوفِيَّةَ، أوْ مَن يَقِفُ عَلى الظّاهِرِ وُقُوفًا بَحْتًا، ولا يَخْفى أنَّ أُسْلُوبَ التَّنْزِيلِ في كِناياتِهِ ومَجازاتِهِ أُسْلُوبٌ فَرِيدٌ، يَنْبَغِي التَّفَطُّنُ لَهُ.
وقَدْ جَوَّزَ في قَوْلِهِ: ﴿يَأْتِ بَصِيرًا﴾ أنْ يَكُونَ مَعْناهُ يَصِيرُ بَصِيرًا، أوْ يَجِيءُ إلَيَّ بَصِيرًا، عَلى حَقِيقَةِ الإتْيانِ فَـ (بَصِيرًا) حالٌ. قِيلَ: يَنْصُرُهُ قَوْلُهُ: ﴿وأْتُونِي بِأهْلِكم أجْمَعِينَ﴾ أيْ: بِأبِي وغَيْرِهِ، وفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأنَّ اتِّحادَ الفِعْلَيْنِ هُنا في المَبْنى لا يَدُلُّ عَلى اتِّحادِهِما في المَعْنى. ولا يُقالُ: الأصْلُ الحَقِيقَةُ؛ لِأنَّ ذَلِكَ فِيما يَقْتَضِيهِ السِّياقُ، ولا اقْتِضاءَ هُنا. فالأوَّلُ أرَقُّ وأبْدَعُ، لِما فِيهِ مِنَ التَّجانُسِ.
رُوِيَ أنَّ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلامُ، بَعْدَ أنْ دَعا لَهم بِالمَغْفِرَةِ قالَ لَهُمْ: إنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي أمامَكم لِأُحْيِيكُمْ، وقَدْ مَضَتْ سَنَتا جُوعٍ في الأرْضِ، وبَقِيَ خَمْسُ سِنِينَ، لَيْسَ فِيها حَرْثٌ ولا حَصادٌ. فَأرْسَلَنِي اللَّهُ أمامَكم لِيَجْعَلَ لَكم بَقِيَّةً في الأرْضِ، ويَسْتَبْقِيكم لِنَجاةٍ عَظِيمَةٍ. وقَدْ جَعَلَنِي سُبْحانَهُ أبًا لِفِرْعَوْنَ، وسَيِّدًا لِجَمِيعِ أهْلِهِ، ومُتَسَلِّطًا عَلى جَمِيعِ أرْضِ مِصْرَ، فَبادِرُوا وأشْخِصُوا إلى أبِي، وأخْبِرُوهُ بِجَمِيعِ مَجْدِي بِمِصْرَ، وما رَأيْتُمُوهُ، وقُولُوا لَهُ: كَذا قالَ ابْنُكَ يُوسُفُ: قَدْ جَعَلَنِي اللَّهُ سَيِّدًا لِجَمِيعِ المِصْرِيِّينَ، فَهَلُمَّ إلَيَّ، فَتَقُمْ في أرْضِ جاسانَ، وتَكُونُ قَرِيبًا مِنِّي أنْتَ وبَنُوكَ، وبَنُو بَنِيكَ، ومَواشِيكَ، وجَمِيعُ ما هو لَكَ، وأعُولُكَ، ها هُنا، فَقَدْ بَقِيَ خَمْسُ سِنِينَ مُجْدِبَةٌ، فَأخْشى أنْ يَهْلِكَ الأهْلُ والمالُ. وكانَ نَما الخَبَرُ إلى بَيْتِ فِرْعَوْنَ. وقِيلَ: جاءَ إخْوَةُ يُوسُفَ، فَسُرَّ بِذَلِكَ فِرْعَوْنُ وخاصَّتُهُ، وأمَرَهُ أيْضًا بِأنْ يُؤَكِّدَ عَلَيْهِمْ إتْيانَهم بِأبِيهِمْ وأهْلِهِمْ، ووَعَدَهم خَيْرَ أرْضٍ في مِصْرَ تَكُونُ لَهُمْ؛ لِئَلّا يَأْسَفُوا عَلى ما خَلَّفُوا. ثُمَّ زَوَّدَ يُوسُفُ إخْوَتَهُ أحْسَنَ زادٍ، وأعْطاهم مِنَ الحُلَلِ والثِّيابِ والدَّراهِمِ مِقْدارًا وافِرًا، وبَعَثَ إلى أبِيهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ، وأصْحَبَهم عَجَلاتٍ لِأطْفالِهِمْ ونِسائِهِمْ، وأوْصاهم ألّا يَتَخاصَمُوا في الطَّرِيقِ -واللَّهُ أعْلَمُ-.
وقَوْلُهُ تَعالى:
{"ayah":"ٱذۡهَبُوا۟ بِقَمِیصِی هَـٰذَا فَأَلۡقُوهُ عَلَىٰ وَجۡهِ أَبِی یَأۡتِ بَصِیرࣰا وَأۡتُونِی بِأَهۡلِكُمۡ أَجۡمَعِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











