الباحث القرآني
ثُمَّ بَيَّنَ تَعالى أنَّ العاقِبَةَ لِرُسُلِهِ، وأنَّ نَصْرَهُ يَأْتِيهِمْ إذا تَمادى تَكْذِيبُهُمْ، تَثْبِيتًا لِفُؤادِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، فَقالَ سُبْحانَهُ:
القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[ ١١٠ ] ﴿حَتّى إذا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وظَنُّوا أنَّهم قَدْ كُذِبُوا جاءَهم نَصْرُنا فَنُجِّيَ مَن نَشاءُ ولا يُرَدُّ بَأْسُنا عَنِ القَوْمِ المُجْرِمِينَ﴾
﴿حَتّى إذا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ﴾ أيْ: مِن إجابَةِ قَوْمِهِمْ ﴿وظَنُّوا﴾ أيْ: عَلِمُوا وتَيَقَّنُوا، يَعْنِي: الرُّسُلَ ﴿أنَّهم قَدْ كُذِبُوا جاءَهم نَصْرُنا﴾ يُقْرَأُ (كُذِّبُوا) بِضَمِّ الكافِ وتَشْدِيدِ الذّالِ. أيْ: كَذَّبَهم قَوْمُهم بِما جاءُوا بِهِ؛ لِطُولِ البَلاءِ عَلَيْهِمْ. ويُقْرَأُ بِضَمِّ الكافِ وتَخْفِيفِ الذّالِ، فالضَّمِيرُ في ﴿ظَنُّوا﴾ [الجن: ٧] -عَلى ما اخْتارُوهُ- لِلْقَوْمِ. أيْ: ظَنُّوا أنَّ الرُّسُلَ قَدْ كُذِّبُوا. أيْ: ما وُعِدُوا بِهِ مِنَ النَّصْرِ.
ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّ الضَّمِيرَ لِلرُّسُلِ. أيْ: وظَنُّوا حِينَ ضَعُفُوا وغُلِبُوا أنَّهم قَدْ أُخْلِفُوا ما وعَدَهُمُ اللَّهُ مِنَ النَّصْرِ. وقالَ: كانُوا بَشَرًا، وتَلا قَوْلَهُ تَعالى: ﴿وزُلْزِلُوا حَتّى يَقُولَ الرَّسُولُ والَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢١٤] وقَدِ اسْتَشْكَلُوهُ عَلى ابْنِ عَبّاسٍ، وتَأوَّلُوا لِكَلامِهِ وُجُوهًا.
(p-٣٦١٥)قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أرادَ بِالظَّنِّ ما يَخْطُرُ بِالبالِ، ويَهْجِسُ في القَلْبِ، مِن شُبَهِ الوَسْوَسَةِ، وحَدِيثِ النَّفْسِ، عَلى ما عَلَيْهِ البَشَرِيَّةُ. انْتَهى.
وقِيلَ: المُرادُ بِظَنِّهِمْ عَلَيْهِمُ السَّلامُ ذَلِكَ؛ المُبالَغَةُ في التَّراخِي والإمْهالِ، عَلى طَرِيقِ الِاسْتِعارَةِ التَّمْثِيلِيَّةِ، بِأنْ شَبَّهَ المُبالَغَةَ في التَّراخِي بِظَنِّ الكَذِبِ، بِاعْتِبارِ اسْتِلْزامِ كُلٍّ مِنهُما؛ لِعَدَمِ تَرَتُّبِ المَطْلُوبِ، فاسْتُعْمِلَ ما لِأحَدِهِما لِلْآخَرِ.
وقالَ الخَطّابِيُّ: لا شَكَّ أنَّ ابْنَ عَبّاسٍ لا يُجِيزُ عَلى الرُّسُلِ أنَّها تُكْذَبُ بِالوَحْيِ، ولا تَشُكُّ في صِدْقِ المُخْبِرِ، فَيُحْمَلُ كَلامُهُ عَلى أنَّهُ أرادَ أنَّهُمْ، لِطُولِ البَلاءِ عَلَيْهِمْ، وإبْطاءِ النَّصْرِ، وشِدَّةِ اسْتِنْجازِ ما وُعِدُوا بِهِ- تَوَهَّمُوا أنَّ الَّذِي جاءَهم مِنَ الوَحْيِ كانَ حُسْبانًا مِن أنْفُسِهِمْ، وظَنُّوا عَلَيْها الغَلَطَ في تَلَقِّي ما ورَدَ عَلَيْهِمْ مِن ذَلِكَ، فَيَكُونُ الَّذِي بُنِيَ لَهُ الفِعْلُ أنْفُسَهُمْ، لا الآتِيَ بِالوَحْيِ. والمُرادُ بِـ (الكَذِبِ): الغَلَطُ، لا حَقِيقَةُ الكَذِبِ، كَما يَقُولُ القائِلُ: كَذَّبَتْكَ نَفْسُكَ.
قالَ الحافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: ويُؤَيِّدُهُ قِراءَةُ مُجاهِدٍ: ((وظَنُّوا أنَّهم قَدْ كَذَبُوا)) بِفَتْحِ أوَّلِهِ مَعَ التَّخْفِيفِ أيْ: غَلِطُوا. ويَكُونُ فاعِلُ (وظَنُّوا) الرُّسُلَ.
وقالَ أبُو نَصْرٍ القُشَيْرِيُّ: ولا يَبْعُدُ أنَّ المُرادَ خَطَرَ بِقَلْبِ الرُّسُلِ، فَصَرَفُوهُ عَنْ أنْفُسِهِمْ. أوِ المَعْنى: قَرُبُوا مِنَ الظَّنِّ، كَما يُقالُ: بَلَغْتُ المَنزِلَ، إذا قَرُبْتَ مِنهُ.
وقالَ التِّرْمِذِيُّ الحَكِيمُ: وجْهُهُ: أنَّ الرُّسُلَ كانَتْ تَخافُ بَعْدَ أنْ وعَدَهُمُ اللَّهُ النَّصْرَ؛ أنْ يَتَخَلَّفَ النَّصْرُ، لا مِن تُهْمَةٍ بِوَعْدِ اللَّهِ، بَلْ لِتُهْمَةِ النُّفُوسِ أنْ تَكُونَ قَدْ أحْدَثَتْ حَدَثًا يَنْقُضُ ذَلِكَ الشَّرْطَ، فَكانَ الأمْرُ إذا طالَ، واشْتَدَّ البَلاءُ عَلَيْهِمْ؛ دَخَلَهُمُ الظَّنُّ مِن هَذِهِ الجِهَةِ.
وحَكى الواحِدِيُّ عَنِ ابْنِ الأنْبارِيِّ أنَّهُ قالَ: ما رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ غَيْرُ مُعَوَّلٍ عَلَيْهِ، وأنَّهُ لَيْسَ مِن كَلامِهِ، بَلْ تُؤُوِّلُ عَلَيْهِ.
(p-٣٦١٦)قالَ ابْنُ حَجَرٍ: وعَجَبٌ لِابْنِ الأنْبارِيِّ في جَزْمِهِ بِأنَّهُ لا يَصِحُّ ثُمَّ لِلزَّمَخْشَرِيِّ في تَوَقُّفِهِ عَنْ صِحَّةِ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، فَإنَّهُ صَحَّ عَنْهُ، أيْ: فَرَواهُ البُخارِيُّ في تَفْسِيرِ البَقَرَةِ بِلَفْظِ: ذَهَبَ بِها هُناكَ، وأشارَ إلى السَّماءِ، وزادَ الإسْماعِيلِيُّ عَنْهُ: كانُوا بَشَرًا ضَعُفُوا وأيِسُوا وظَنُّوا أنَّهم قَدْ كَذَّبُوا.
ورَوى البُخارِيُّ أنَّ عائِشَةَ كانَتْ تُقْرَأُ (كَذَّبُوا) مُشَدَّدَةً، وتَتَأوَّلُها عَلى المَعْنى الأوَّلِ، وأنَّ عُرْوَةَ قالَ لَها: لَعَلَّها (كَذَبُوا) مُخَفَّفَةٌ، فَقالَتْ: مَعاذَ اللَّهِ!.
قالَ الحافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: وهَذا ظاهِرٌ في أنَّها أنْكَرَتِ القِراءَةَ بِالتَّخْفِيفِ، ولَعَلَّها لَمْ تَبْلُغْها مِمَّنْ يَرْجِعُ إلَيْهِ في ذَلِكَ، وقَدْ قَرَأها بِالتَّخْفِيفِ أئِمَّةُ الكُوفَةِ مِنَ القُرّاءِ: عاصِمٌ ويَحْيى بْنُ وثّابٍ والأعْمَشُ وحَمْزَةُ والكِسائِيُّ. ووافَقَهم مِنَ الحِجازِيِّينَ أبُو جَعْفَرِ بْنُ القَعْقاعِ. وهي قِراءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ وابْنِ عَبّاسٍ وأبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّلْمِيِّ، والحَسَنِ البَصْرِيِّ ومُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ في آخَرِينَ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَنُجِّيَ مَن نَشاءُ﴾ وهُمُ الرُّسُلُ والمُؤْمِنُونَ بِهِمْ. وقُرِئَ (فَنُنْجِي) بِالتَّخْفِيفِ والتَّشْدِيدِ. وقُرِئَ (فَنَجا).
﴿ولا يُرَدُّ بَأْسُنا﴾ أيْ: عَذابُنا. ﴿عَنِ القَوْمِ المُجْرِمِينَ﴾ أيْ: إذا نَزَلَ بِهِمْ.
وفِيهِ بَيانُ مَن شاءَ اللَّهُ نَجاتَهُمْ؛ لِأنَّهُ يَعْلَمُ مِنَ المُقابَلَةِ أنَّهم مَن لَيْسُوا بِمُجْرِمِينَ، وهم مَن تَقَدَّمَ.
{"ayah":"حَتَّىٰۤ إِذَا ٱسۡتَیۡـَٔسَ ٱلرُّسُلُ وَظَنُّوۤا۟ أَنَّهُمۡ قَدۡ كُذِبُوا۟ جَاۤءَهُمۡ نَصۡرُنَا فَنُجِّیَ مَن نَّشَاۤءُۖ وَلَا یُرَدُّ بَأۡسُنَا عَنِ ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡمُجۡرِمِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











