الباحث القرآني
القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[ ٢٧ ] ﴿فَقالَ المَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ ما نَراكَ إلا بَشَرًا مِثْلَنا وما نَراكَ اتَّبَعَكَ إلا الَّذِينَ هم أراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ وما نَرى لَكم عَلَيْنا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكم كاذِبِينَ﴾
﴿فَقالَ المَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ﴾ أيِ السّادَةُ والكُبَراءُ، ﴿ما نَراكَ إلا (p-٣٤٢٨)بَشَرًا مِثْلَنا﴾ أيْ: لَسْتَ بِمَلَكٍ، ولَكِنَّكَ بَشَرٌ، فَكَيْفَ أُوحِيَ إلَيْكَ مِن دُونِنا.
قالَ القاشانِيُّ: أيْ فَقالَ الأشْرافُ المَلِيئُونَ بِأُمُورِ الدُّنْيا، القادِرُونَ عَلَيْها، الَّذِينَ حُجِبُوا بِعَقْلِهِمْ ومَعْقُولِهِمْ عَنِ الحَقِّ ﴿ما نَراكَ إلا بَشَرًا مِثْلَنا﴾ لِكَوْنِهِمْ ظاهِرِيِّينَ، واقِفِينَ عَلى حَدِّ العَقْلِ المَشُوبِ بِالوَهْمِ، المُتَحَيِّرِ بِالهَوى، الَّذِي هو عَقْلُ المَعاشِ، لا يَرَوْنَ لِأحَدٍ طَوْرًا وراءَ ما بَلَغُوا إلَيْهِ مِنَ العَقْلِ، غَيْرَ مُطَّلِعِينَ عَلى مَراتِبِ الِاسْتِعْداداتِ والكَمالاتِ، طَوْرًا بَعْدَ طَوْرٍ، ورُتْبَةً فَوْقَ رُتْبَةٍ، إلى ما لا يَعْلَمُهُ إلّا اللَّهُ، فَلَمْ يَشْعُرُوا بِمَقامِ النُّبُوَّةِ ومَعْناها.
﴿وما نَراكَ اتَّبَعَكَ إلا الَّذِينَ هم أراذِلُنا﴾ أيْ فُقَراؤُنا الأدْنَوْنَ مِنّا؛ إذِ المَرْتَبَةُ الرِّفْعَةُ عِنْدَهم بِالمالِ والجاهِ لَيْسَ إلّا، كَما قالَ تَعالى: ﴿يَعْلَمُونَ ظاهِرًا مِنَ الحَياةِ الدُّنْيا وهم عَنِ الآخِرَةِ هم غافِلُونَ﴾ [الروم: ٧]
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿بادِيَ الرَّأْيِ﴾ أيْ بَدِيهَةَ الرَّأْيِ؛ لِأنَّهم ضِعافُ العُقُولِ، عاجِزُونَ عَنْ كَسْبِ المَعاشِ، ونَحْنُ أصْحابُ فِكْرٍ ونَظَرٍ. قالُوا ذَلِكَ لِاحْتِجابِهِمْ بِعَقْلِهِمُ القاصِرِ عَنْ إدْراكِ الحَقِيقَةِ والفَضِيلَةِ المَعْنَوِيَّةِ؛ لِقِصَرِ تَصَرُّفِهِ عَلى كَسْبِ المَعاشِ، والوُقُوفِ عَلى حَدِّهِ. وأمّا أتْباعُ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَإنَّهم أصْحابُ هِمَمٍ بَعِيدَةٍ، وعُقُولٍ حائِمَةٍ حَوْلَ القُدْسِ، غَيْرِ مُلْتَفِتَةٍ إلى ما يَلْتَفِتُ غَيْرُهم إلَيْهِ، فَلِذَلِكَ اسْتَنْزَلُوا عُقُولَهم واسْتَحْقَرُوها.
تَنْبِيهٌ:
(بادِيَ) قَرَأهُ أبُو عَمْرٍو بِالهَمْزَةِ، والباقُونَ بِالياءِ.
فَأمّا الأوَّلُ فَمَعْناهُ أوَّلُ الرَّأْيِ. بِمَعْنى أنَّهُ صَدَرَ مِن غَيْرِ رَوِيَّةٍ وتَأمُّلٍ، أوَّلَ وهْلَةٍ.
وأمّا الثّانِي: فَيُحْتَمَلُ أنَّ أصْلَهُ ما تَقَدَّمَ، فَقُلِبَتِ الياءُ عَنِ الهَمْزَةِ تَخْفِيفًا، ويُحْتَمَلُ أنَّها أصْلِيَّةٌ مِن بَدا يَبْدُو، كَعَلا يَعْلُو. والمَعْنى: ظاهِرُ الرَّأْيِ دُونَ باطِنِهِ، ولَوْ تُؤَمِّلَ لَعُرِفَ باطِنُهُ، وهو في المَعْنى كالأوَّلِ. وعَلى كِلَيْهِما، هو مَنصُوبٌ عَلى الظَّرْفِيَّةِ. والعامِلُ فِيهِ إمّا (نَراكَ) أوِ (اتَّبَعَكَ).
قالَ النّاصِرُ: زَعَمَ هَؤُلاءِ أنْ يَحُجُّوا نُوحًا بِمَنِ اتَّبَعَهُ مِن وجْهَيْنِ:
أحَدُهُما: أنَّ المُتَّبِعِينَ آراءَهُ لَيْسُوا قُدْوَةً ولا أُسْوَةً.
(p-٣٤٢٩)والثّانِي: أنَّهم مَعَ ذَلِكَ لَمْ يَتَرَوَّوْا في اتِّباعِهِ، ولا أمْعَنُوا الفِكْرَةَ في صِحَّةِ ما جاءَ بِهِ، وإنَّما بادَرُوا إلى ذَلِكَ مِن غَيْرِ فِكْرَةٍ ولا رَوِيَّةٍ، وغَرَضُ هَؤُلاءِ ألّا تَقُومَ عَلَيْهِمْ حُجَّةٌ بِأنَّ مِنهم مَن صَدَّقَهُ وآمَنَ بِهِ -انْتَهى-.
أيْ وكِلا الوَجْهَيْنِ يُبَرْهِنانِ عَلى جَهْلِهِمْ وقِصَرِ عَقْلِهِمْ، أمّا الأوَّلُ فَلا خَفاءَ في أنَّهُ لَيْسَ بِعارٍ عَلى الحَقِّ رَذالَةُ مَنِ اتَّبَعَهُ، بَلْ أتْباعُهُ هُمُ الأشْرافُ، ولَوْ كانُوا فُقَراءَ، والَّذِينَ يَأْبَوْنَهُ هُمُ الأدْنَوْنَ، ولَوْ كانُوا أغْنِياءَ. وفي الغالِبِ، ما يَتَّبِعُ الحَقَّ إلّا ضَعَفَةُ الخَلْقِ، كَما يَغْلِبُ عَلى الكُبَراءِ مُخالَفَتُهُ، كَما قالَ تَعالى: ﴿وكَذَلِكَ ما أرْسَلْنا مِن قَبْلِكَ في قَرْيَةٍ مِن نَذِيرٍ إلا قالَ مُتْرَفُوها إنّا وجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وإنّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ﴾ [الزخرف: ٢٣] ولَمّا سَألَ هِرَقْلُ مِلْكُ الرُّومِ، أبا سُفْيانَ عَنْ نُعُوتِ النَّبِيِّ ﷺ، قالَ لَهم فِيما قالَ: أشْرافُ النّاسِ اتَّبَعُوهُ أمْ ضُعَفاؤُهُمْ؟ فَقالَ: بَلْ ضُعَفاؤُهُمْ، فَقالَ هِرَقْلُ: هم أتْباعُ الرُّسُلِ.
وأمّا الثّانِي: فَإنَّ البِدارَ لِاعْتِناقِ الحَقِّ مِن أسْمى الفَضائِلِ؛ لِأنَّ الحَقَّ إذا وضُحَ فَلا يَبْقى لِلرَّأْيِ ولا لِلْفِكْرِ مَجالٌ، ولا بُدَّ مِنِ اتِّباعِهِ حالَتَئِذٍ لِكُلِّ ذِي فِطْنَةٍ، ولا يَتَرَدَّدُ إلّا غَبِيٌّ أوْ عَيِيٌّ، ولا أجْلى مِمّا يَدْعُو إلَيْهِ الرُّسُلُ عَلَيْهِمُ السَّلامُ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وما نَرى لَكُمْ﴾ خِطابٌ لِنُوحٍ وأتْباعِهِ ﴿عَلَيْنا مِن فَضْلٍ﴾ أيْ تَقَدُّمٍ يُؤَهِّلُكم لِلنُّبُوَّةِ واسْتِحْقاقُ المُتابَعَةِ؛ لِأنَّ الفَضْلَ مَحْصُورٌ عِنْدَهم بِالغِنى والمالِ.
قالَ الزَّمَخْشَرِيٍّ: كانَ الأشْرافُ عِنْدَهم مَن لَهُ جاهٌ ومالٌ، كَما تَرى أكْثَرَ المُتَّسِمِينَ بِالإسْلامِ يَعْتَقِدُونَ ذَلِكَ، ويَبْنُونَ عَلَيْهِ إكْرامَهم وإهانَتَهم. ولَقَدْ زَلَّ عَنْهم أنَّ التَّقَدُّمَ في الدُّنْيا لا يُقَرِّبُ أحَدًا مِنَ اللَّهِ، وإنَّما يُبْعِدُهُ ولا يَرْفَعُهُ، بَلْ يَضَعُهُ، فَضْلًا عَنْ أنْ يَجْعَلَهُ سَبَبًا في الِاخْتِيارِ لِلنُّبُوَّةِ، والتَّأْهِيلِ لَها، عَلى أنَّ الأنْبِياءَ عَلَيْهِمُ السَّلامُ بُعِثُوا مُرَغِّبِينَ في طَلَبِ الآخِرَةِ، (p-٣٤٣٠)مُصَغِّرِينَ لِشَأْنِ الدُّنْيا، وشَأْنِ مَن أخْلَدَ إلَيْها، فَما أبْعَدَ حالَهم عَلَيْهِمُ السَّلامُ مِن الِاتِّصافِ بِما يَبْعُدُ مِنَ اللَّهِ، والتَّشَرُّفِ بِما هو ضِعَةٌ عِنْدَ اللَّهِ!
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿بَلْ نَظُنُّكم كاذِبِينَ﴾ أيْ فِيما تَدْعُونَهُ مِنَ الإصْلاحِ وتَرَتُّبِ السَّعادَةِ والنَّجاةِ عَلَيْهِ.
{"ayah":"فَقَالَ ٱلۡمَلَأُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ مِن قَوۡمِهِۦ مَا نَرَىٰكَ إِلَّا بَشَرࣰا مِّثۡلَنَا وَمَا نَرَىٰكَ ٱتَّبَعَكَ إِلَّا ٱلَّذِینَ هُمۡ أَرَاذِلُنَا بَادِیَ ٱلرَّأۡیِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمۡ عَلَیۡنَا مِن فَضۡلِۭ بَلۡ نَظُنُّكُمۡ كَـٰذِبِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











