الباحث القرآني

(p-٣٤١٧)القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: [ ١٢ ] ﴿فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إلَيْكَ وضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أنْ يَقُولُوا لَوْلا أُنْـزِلَ عَلَيْهِ كَنْـزٌ أوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إنَّما أنْتَ نَذِيرٌ واللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وكِيلٌ﴾ ﴿فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إلَيْكَ وضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ﴾ أيْ بِتِلاوَتِهِ عَلَيْهِمْ، وتَبْلِيغِهِ إلَيْهِمْ، ﴿أنْ يَقُولُوا﴾ أيْ مَخافَةُ أنْ يَقُولُوا، تَعامِيًا عَنْ تِلْكَ البَراهِينِ الَّتِي لا تَكادُ تَخْفى صِحَّتُها عَلى أحَدٍ مِمَّنْ لَهُ أدْنى بَصِيرَةٍ، وتَمادِيًا في العِنادِ عَلى وجْهِ الِاقْتِراحِ ﴿لَوْلا أُنْـزِلَ عَلَيْهِ كَنْـزٌ أوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ﴾ أيْ هَلّا أُنْزِلَ عَلَيْهِ ما اقْتَرَحْنا مِنَ الكَنْزِ والمَلائِكَةِ، زَعْمًا أنَّ الرَّسُولَ مَتْبُوعٌ، لا بُدَّ لَهُ مِنَ الإنْفاقِ عَلى أتْباعِهِ، ولا يَتَأتّى مَعَ عَدَمِ سَلْطَنَتِهِ إلّا بِإلْقاءِ الكَنْزِ عَلَيْهِ، أوْ مَجِيءِ مَلَكٍ مَعَهُ يُصَدِّقُ بِرِسالَتِهِ، فَقالَ تَعالى: ﴿إنَّما أنْتَ نَذِيرٌ﴾ أيْ لَيْسَ عَلَيْكَ إلّا الإنْذارُ بِما أُوحِيَ إلَيْكَ، غَيْرُ مُبالٍ بِما صَدَرَ مِنهم مِن الِاقْتِراحِ ﴿واللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وكِيلٌ﴾ أيْ فَيَحْفَظُ ما يَقُولُونَ ويُجازِيهِمْ عَلَيْهِ، فَكِلْ أمْرَكَ إلَيْهِ، وبَلِّغْ وحْيَهُ بِقَلْبٍ مُنْشَرِحٍ، غَيْرَ مُبالٍ بِهِمْ. لَطائِفُ: الأُولى: قالَ القاشانِيُّ: لَمّا لَمْ يَقْبَلُوا كَلامَهُ ﷺ بِالإرادَةِ، وأنْكَرُوا قَوْلَهُ بِالِاقْتِراحاتِ الفاسِدَةِ، وقابَلُوهُ بِالعِنادِ والِاسْتِهْزاءِ، ضاقَ صَدْرُهُ، ولَمْ يَنْبَسِطْ لِلْكَلامِ، إذِ الإرادَةُ تَجْذِبُ الكَلامَ، وقَبُولُ المُسْتَمِعِ يَزِيدُ نَشاطَ المُتَكَلِّمِ، ويُوجِبُ بَسْطَهُ فِيهِ، وإذا لَمْ يَجِدِ المُتَكَلِّمُ مَحَلًّا قابِلًا لَمْ يَتَسَهَّلْ لَهُ، وبَقِيَ كَرْبًا عِنْدَهُ، فَشَجَّعَهُ اللَّهُ تَعالى بِذَلِكَ، وهَيَّجَ قُوَّتَهُ ونَشاطَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿إنَّما أنْتَ نَذِيرٌ﴾ فَلا يَخْلُو إنْذارُكَ مِن إحْدى الفائِدَتَيْنِ: إمّا رَفْعُ الحِجابِ أنْ يُنْجَعَ فِيمَن وفَّقَهُ اللَّهُ تَعالى لِذَلِكَ، وإمّا إلْزامُ الحُجَّةِ لِمَن لَمْ يُوَفَّقْ لِذَلِكَ، ثُمَّ كِلِ الهِدايَةَ إلَيْهِ. (p-٣٤١٨)الثّانِيَةُ: لا يَخْفى أنَّ (لَعَلَّ) لِلتَّرَجِّي، وهُوَ، وإنِ اقْتَضى التَّوَقُّعَ، إلّا أنَّهُ لا يَلْزَمُ مِن تَوَقُّعِ الشَّيْءِ وُقُوعُهُ، ولا تَرَجَّحَ وُقُوعُهُ؛ لِوُجُودِ ما يَمْنَعُ مِنهُ وتَوَقُّعُ ما لا يَقَعُ مِنهُ، المَقْصُودُ تَحْرِيضُهُ عَلى تَرْكِهِ، وتَهْيِيجُ داعِيَتِهِ. وقِيلَ: (لَعَلَّ) هُنا لِلتَّبْعِيدِ لا لِلتَّرَجِّي، فَإنَّها تُسْتَعْمَلُ كَذَلِكَ، كَما تَقُولُ العَرَبُ: لَعَلَّكَ تَفْعَلُ كَذا، لِمَن لا يَقْدِرُ عَلَيْهِ. فالمَعْنى: لا نَتْرُكُ. وقِيلَ: إنَّها لِلِاسْتِفْهامِ الإنْكارِيِّ كَما في الحَدِيثِ: ««لَعَلَّنا أعْجَلْناكَ»» . وقِيلَ: هي لِتَوَقُّعِ الكُفّارِ، فَكَما تَكُونُ لِتَوَقُّعِ المُتَكَلِّمِ، وهو الأصْلُ؛ لِأنَّ مَعانِيَ الإنْشاءاتِ قائِمَةٌ بِهِ- تَكُونُ لِتَوَقُّعِ المُخاطَبِ أوْ غَيْرِهِ، مِمَّنْ لَهُ مُلابَسَةٌ بِمَعْناهُ كَما هُنا. فالمَعْنى: إنَّكَ بَلَغْتَ الجُهْدَ في تَبْلِيغِهِمْ أنَّهم يَتَوَقَّعُونَ مِنكَ تَرْكَ التَّبْلِيغِ لِبَعْضِهِ -كَذا في (العِنايَةِ)-. الثّالِثَةُ: إنَّما عَدَلَ عَنْ (ضَيِّقٍ) الصِّفَةِ المُشَبَّهَةِ إلى (ضائِقٍ) اسْمِ الفاعِلِ؛ لِيَدُلَّ عَلى أنَّهُ ضِيقٌ عارِضٌ، غَيْرُ ثابِتٍ؛ لِأنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كانَ أفْسَحَ النّاسِ صَدْرًا. وكَذا كُلُّ صِفَةٍ مُشَبَّهَةٍ إذا قُصِدَ بِها الحُدُوثُ تُحَوَّلُ إلى فاعِلٍ، فَيَقُولُونَ في سَيِّدٍ سائِدٌ، وفي جَوادٍ جائِدٌ، وفي سَمِينٍ سامِنٌ، قالَ: ؎بِمَنزِلَةٍ أمّا اللَّئِيمُ فَسامِنٌ بِها وكِرامُ النّاسِ بادٍ شُحُوبُها وظاهِرُ كَلامِ أبِي حَيّانَ أنَّهُ مَقِيسٌ. وقِيلَ إنَّهُ لِمُشابَهَةِ (تارِكٌ). ومِنهُ يُعْلَمُ أنَّ المُشاكَلَةَ قَدْ تَكُونُ حَقِيقَةً -كَذا في (العِنايَةِ)-. وقَوْلُهُ تَعالى:
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب