الباحث القرآني

(p-٣٤٠٧)بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سُورَةُ هُودٍ أُضِيفَتْ إلَيْهِ لِتَضَمُّنِها نَبَأهُ مَعَ قَوْمِهِ، وتَمْيِيزًا لَها، وإنْ تَضَمَّنَتْ أنْباءَ غَيْرِهِ مِنَ الأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ. وقالَ المَهايِمِيُّ: سُمِّيَتْ بِهِ لِقَوْلِهِ: ﴿إنِّي تَوَكَّلْتُ عَلى اللَّهِ رَبِّي ورَبِّكم ما مِن دابَّةٍ إلا هو آخِذٌ بِناصِيَتِها إنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [هود: ٥٦] الدّالِّ عَلى تَوْحِيدِ الأفْعالِ، مَعَ اسْتِقامَتِهِ بِإعْطاءِ كُلِّ مُسْتَعِدٍّ ما يَسْتَعِدُّ لَهُ، المُقْتَضِيَةِ لِلْأحْكامِ والجَزاءِ، وهي مِن أعْظَمِ المَقاصِدِ. اهـ. وهِيَ مَكِّيَّةٌ. واسْتَثْنى مِنها ثَلاثَ آياتٍ أُنْزِلَتْ بِالمَدِينَةِ فَأُلْحِقَتْ بِها: ﴿فَلَعَلَّكَ تارِكٌ﴾ [هود: ١٢] ﴿أفَمَن كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِن رَبِّهِ﴾ [هود: ١٧] ﴿وأقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ﴾ [هود: ١١٤] وآياتُها مِائَةٌ وثَلاثٌ وعِشْرُونَ. رَوى الحاكِمُ «عَنْ أبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ! قَدْ شِبْتَ! قالَ: قَدْ شَيَّبَتْنِي (هُودٌ) و(الواقِعَةُ) و(المُرْسَلاتُ) و(عَمَّ يَتَساءَلُونَ) و(إذا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ)» ورَواهُ هو والتِّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. ورُوِيَ أيْضًا عَنْ أنَسٍ وسَهْلٍ وعِمْرانَ، وفي رِوايَةٍ: «شَيَّبَتْنِي هُودٌ وأخَواتُها ذِكْرُ يَوْمِ القِيامَةِ وقِصَصِ الأُمَمِ». وفِي رِوايَةٍ: «شَيَّبَتْنِي هُودٌ وأخَواتُها. وما فُعِلَ بِالأُمَمِ». (p-٣٤٠٨)بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: [ ١ ] ﴿الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾ ﴿الر﴾ تَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى مِثْلِها في أوَّلِ سُورَةِ البَقَرَةِ فَلْيُتَذَكَّرْ. ﴿كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ﴾ أيْ نُظِّمَتْ نَظْمًا رَصِينًا مُحْكَمًا مُعْجِزًا، وأُثْبِتَتْ دائِمَةً عَلى حالِها لا تَتَبَدَّلُ ولا تَتَغَيَّرُ ولا تَفْسُدُ، مَحْفُوظَةً عَنْ كُلِّ نَقْصٍ وآفَةٍ ﴿ثُمَّ فُصِّلَتْ﴾ أيْ لِأنْواعٍ مِن دَلائِلِ التَّوْحِيدِ والأحْكامِ والمَواعِظِ والقِصَصِ، كَما تُفَصَّلُ القَلائِدُ بِالفَرائِدِ. أوْ جُعِلَتْ فُصُولًا سُورَةً سُورَةً، وآيَةً آيَةً، أوْ فَصَّلَ فِيها ما يَحْتاجُ إلَيْهِ العِبادُ، أيْ: بَيَّنَ ولَخَّصَ. قِيلَ: (ثُمَّ) هُنا لِلتَّراخِي في الحُكْمِ، أيِ الرُّتْبَةِ، أوِ التَّراخِي بَيْنَ الإخْبارَيْنِ، لا لِلتَّراخِي في الوَقْتِ، لِأنَّ التَّفْصِيلَ والإحْكامَ صِفَتانِ لِشَيْءٍ واحِدٍ، لا تَنْفَكُّ إحْداهُما عَنِ الأُخْرى، فَلَيْسَ بَيْنَهُما تَرَتُّبٌ وتَراخٍ، وهَذا التَّكَلُّفُ عَلى أنَّ (ثُمَّ) تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ، وقَدْ خالَفَ قَوْمٌ في اقْتِضائِها إيّاهُ، كَما حَكاهُ في (المُغْنِي). ﴿مِن لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾ أيْ إحْكامُها وتَفْصِيلُها مِن لَدُنْ حَكِيمٍ بَناها عَلى عِلْمٍ وحِكْمَةٍ، لا يُمْكِنُ أحْسَنُ مِنها، وأشَدُّ إحْكامًا، وخَبِيرٌ بِتَفاصِيلِها عَلى ما يَنْبَغِي في النِّظامِ الحُكْمِيِّ في تَقْدِيرِها وتَوْقِيتِها وتَرْتِيبِها -قالَهُ القاشانِيُّ-. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وفِيهِ طِباقٌ حَسَنٌ؛ لِأنَّ المَعْنى أحْكَمُها حَكِيمٌ وفَصَّلَها، أيْ بَيَّنَها وشَرَحَها خَبِيرٌ عالِمٌ بِكَيْفِيّاتِ الأُمُورِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب