الباحث القرآني
(p-٦٢٧٢)بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
سُورَةُ الماعُونِ
مَدَنِيَّةٌ، وآيُها سَبْعٌ.
(p-٦٢٧٣)بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[ ١ - ٧ ] ﴿أرَأيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ﴾ ﴿فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ اليَتِيمَ﴾ [الماعون: ٢] ﴿ولا يَحُضُّ عَلى طَعامِ المِسْكِينِ﴾ [الماعون: ٣] ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ﴾ [الماعون: ٤] ﴿الَّذِينَ هم عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ﴾ [الماعون: ٥] ﴿الَّذِينَ هم يُراءُونَ﴾ [الماعون: ٦] ﴿ويَمْنَعُونَ الماعُونَ﴾ [الماعون: ٧]
﴿أرَأيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ﴾ أيْ: بِثَوابِ اللَّهِ وعِقابِهِ، فَلا يُطِيعُهُ في أمْرِهِ ونَهْيِهِ، قالَ أبُو السُّعُودِ: اسْتِفْهامٌ أُرِيدَ بِهِ تَشْوِيقُ السّامِعِ إلى مَعْرِفَةِ مَن سِيقَ لَهُ الكَلامُ والتَّعْجِيبُ مِنهُ. والخِطابُ لِلنَّبِيِّ ﷺ، أوْ لِكُلِّ عاقِلٍ. والرُّؤْيَةُ بِمَعْنى العِلْمِ.
والفاءُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ اليَتِيمَ﴾ [الماعون: ٢] جَوابُ شَرْطٍ مَحْذُوفٍ، عَلى أنَّ (ذَلِكَ) مُبْتَدَأٌ والمَوْصُولُ خَبَرُهُ، والمَعْنى: هَلْ عَرَفْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالجَزاءِ أوْ بِالإسْلامِ، أنْ لَمْ تَعْرِفْهُ أوْ إنْ أرَدْتَ أنْ تَعْرِفَهُ فَهو الَّذِي يَدْفَعُ اليَتِيمَ دَفْعًا عَنِيفًا ويَزْجُرُهُ زَجْرًا قَبِيحًا. يُقالُ: دَفَعْتُ فُلانًا عَنْ حَقِّهِ: دَفَعْتُ عَنْهُ وظَلَمْتُهُ.
﴿ولا يَحُضُّ عَلى طَعامِ المِسْكِينِ﴾ [الماعون: ٣] أيْ: لا يَحُثُّ غَيْرَهُ مِن ذَوِي اليَسارِ عَلى إطْعامِ المُحْتاجِ وسَدِّ خُلَّتِهِ، بَلْ يَبْخَلُ بِسَعْيِهِ عِنْدَ الأغْنِياءِ لِإغاثَةِ البُؤَساءِ.
قالَ الشِّهابُ: إنْ كانَ الطَّعامُ بِمَعْنى الإطْعامِ -كَما قالَهُ الرّاغِبُ- فَهو ظاهِرٌ، وإلّا فَفِيهِ مُضافٌ مُقَدَّرٌ، أيْ: بَذْلُ طَعامِ المِسْكِينِ. واخْتِيارُهُ عَلى الإطْعامِ لِلْإشْعارِ بِأنَّهُ كَأنَّهُ مالِكٌ لِما يُعْطى لَهُ (p-٦٢٧٤)كَما في قَوْلِهِ: ﴿فِي أمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ﴾ [المعارج: ٢٤] ﴿لِلسّائِلِ والمَحْرُومِ﴾ [المعارج: ٢٥] فَهو بَيانٌ لِشِدَّةِ الِاسْتِحْقاقِ. وفِيهِ إشارَةٌ لِلنَّهْيِ عَنْ الِامْتِنانِ.
قالَ أبُو السُّعُودِ: وإذا كانَ حالُ مَن تَرَكَ حَثَّ غَيْرِهِ عَلى ما يُذْكَرُ، فَما ظَنُّكَ بِحالِ مَن تَرَكَ ذَلِكَ مَعَ القُدْرَةِ؟
قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: جُعِلَ عِلْمُ التَّكْذِيبِ بِالجَزاءِ مَنعَ المَعْرُوفِ والإقْدامَ عَلى إيذاءِ الضَّعِيفِ، يَعْنِي أنَّهُ لَوْ آمَنَ بِالجَزاءِ وأيْقَنَ بِالوَعِيدِ، لَخَشِيَ اللَّهَ تَعالى وعِقابَهُ، ولَمْ يُقْدِمْ عَلى ذَلِكَ، فَحِينَ أقْدَمَ عَلَيْهِ عُلِمَ أنَّهُ مُكَذِّبٌ، فَما أشَدَّهُ مِن كَلامٍ! وما أخْوَفَهُ مِن مَقامٍ! وما أبْلَغَهُ في التَّحْذِيرِ مِنَ المَعْصِيَةِ وإنَّها جَدِيرَةٌ بِأنْ يَسْتَدِلَّ بِها عَلى ضَعْفِ الإيمانِ ورَخاوَةِ عَقْدِ اليَقِينِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ﴾ [الماعون: ٤] ﴿الَّذِينَ هم عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ﴾ [الماعون: ٥] قالَ ابْنُ جَرِيرٍ: أيْ: لاهُونَ يَتَغافَلُونَ عَنْها وذَلِكَ بِاللَّهْوِ عَنْها والتَّشاغُلِ بِغَيْرِها، وتَضْيِيعِها أحْيانًا وتَضْيِيعِ وقْتِها أُخْرى. وقالَ القاشانِيُّ: أيْ: فَوَيْلٌ لَهُمْ، أيْ: لِلْمَوْصُوفِينَ بِهَذِهِ الصِّفاتِ، مِن دَعِّ اليَتِيمِ وعَدَمِ الحَثِّ عَلى طَعامِ المِسْكِينِ الَّذِي إنْ صَلَّوْا غَفَلُوا عَنْ صَلاتِهِمْ لِاحْتِجابِهِمْ عَنْ حَقِيقَتِها بِجَهْلِهِمْ وعَدَمِ حُضُورِهِمْ. و(المُصَلِّينَ) مِن بابِ وضْعِ الظّاهِرِ مَوْضِعَ المُضْمَرِ لِلتَّسْجِيلِ عَلَيْهِمْ بِأنَّ أشْرَفَ أفْعالِهِمْ وصُوَرَ حَسَناتِهِمْ سَيِّئاتٌ وذُنُوبٌ، لِعَدَمِ ما هي بِهِ مُعْتَبِرَةٌ مِنَ الحُضُورِ والإخْلاصِ، وأُورِدَ عَلى صِيغَةِ الجَمْعِ لِأنَّ المُرادَ بِالَّذِي يَكْذِبُ هو الجِنْسُ.
﴿الَّذِينَ هم يُراءُونَ﴾ [الماعون: ٦] أيْ: يُراؤُونَ النّاسَ بِصَلاتِهِمْ إذا صَلَّوْا لِأنَّهم لا يُصَلُّونَ رَغْبَةً في ثَوابٍ، ولا رَهْبَةً مِن عِقابٍ، وإنَّما يُصَلُّونَها لِيَراهُمُ المُؤْمِنُونَ فَيَظُنُّوهم مِنهم فَيَكُفُّوا عَنْهم. وأصْلُ المُراءاةِ أنْ تَرى غَيْرَكَ ويَراكَ، أُرِيدَ بِهِ العَمَلُ عِنْدَ النّاسِ لِيُثْنُوا عَلَيْهِمْ، أوْضَحَهُ الشِّهابُ.
﴿ويَمْنَعُونَ الماعُونَ﴾ [الماعون: ٧] أيْ: ما يُعانُ بِهِ الخَلْقُ ويُصْرَفُ في مَعُونَتِهِمْ مِنَ الأمْوالِ والأمْتِعَةِ وكُلِّ ما يَنْتَفِعُ بِهِ، لِكَوْنِ الجَهْلِ حاكِمًا عَلَيْهِمْ بِالِاسْتِئْثارِ بِالمَنافِعِ وحِرْمانِهِمْ عَنِ النَّظَرِ التَّوْحِيدِيِّ (p-٦٢٧٥)وعَدَمِ اعْتِقادِهِمْ بِالجَزاءِ؛ فَلا مَحَبَّةَ لَهم لِلْحَقِّ لِلرُّكُونِ إلى العالَمِ الفانِي، ولا عَدالَةَ في أنْفُسِهِمْ لِلِاتِّصافِ بِالرَّذائِلِ والبُعْدِ عَنِ الفَضائِلِ، فَلا يُعاوِنُونَ أحَدًا فَلَنْ يُفْلِحُوا أبَدًا، قالَهُ القاشانِيُّ.
تَنْبِيهٌ:
المَعْنِيُّ بِهَذِهِ الآياتِ أوَّلًا وبِالذّاتِ المُنافِقُونَ في عَهْدِ النُّبُوَّةِ، ويَدْخُلُ فِيها ثانِيًا وبِالعَرْضِ كُلُّ مَن وُجِدَ فِيهِمْ تِلْكَ الخِلالُ الذَّمِيمَةُ اعْتِبارًا بِالعُمُومِ؛ فالسُّورَةُ مَدَنِيَّةٌ ونَظِيرُها في المُنافِقِينَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وإذا قامُوا إلى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراءُونَ النّاسَ ولا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إلا قَلِيلا﴾ [النساء: ١٤٢] ولِذا قالَ ابْنُ عَبّاسٍ فِيما رَواهُ ابْنُ جَرِيرٍ: هُمُ المُنافِقُونَ كانُوا يُراؤُونَ النّاسَ بِصَلاتِهِمْ إذا حَضَرُوا، ويَتْرُكُونَها إذا غابُوا، ويَمْنَعُونَهُمُ العارِيَةَ بُغْضًا لَهُمْ، وهو الماعُونُ.
{"ayahs_start":1,"ayahs":["أَرَءَیۡتَ ٱلَّذِی یُكَذِّبُ بِٱلدِّینِ","فَذَ ٰلِكَ ٱلَّذِی یَدُعُّ ٱلۡیَتِیمَ","وَلَا یَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلۡمِسۡكِینِ","فَوَیۡلࣱ لِّلۡمُصَلِّینَ","ٱلَّذِینَ هُمۡ عَن صَلَاتِهِمۡ سَاهُونَ","ٱلَّذِینَ هُمۡ یُرَاۤءُونَ","وَیَمۡنَعُونَ ٱلۡمَاعُونَ"],"ayah":"وَلَا یَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلۡمِسۡكِینِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق