الباحث القرآني
(p-٦٢٦٨)بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
سُورَةُ قُرَيْشٍ
مَكِّيَّةٌ، وآيُها أرْبَعٌ.
(p-٦٢٦٩)بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[ ١ - ٤ ] ﴿لإيلافِ قُرَيْشٍ﴾ ﴿إيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ والصَّيْفِ﴾ [قريش: ٢] ﴿فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذا البَيْتِ﴾ [قريش: ٣] ﴿الَّذِي أطْعَمَهم مِن جُوعٍ وآمَنَهم مِن خَوْفٍ﴾ [قريش: ٤]
﴿لإيلافِ قُرَيْشٍ﴾ ﴿إيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ والصَّيْفِ﴾ [قريش: ٢] قالَ ابْنُ هِشامٍ: إيلافِ قُرَيْشٍ إلْفُهُمُ الخُرُوجَ إلى الشّامِ في تِجارَتِهِمْ. وكانَتْ لَهم خَرْجَتانِ: خَرْجَةٌ في الشِّتاءِ وخَرْجَةٌ في الصَّيْفِ. قالَ: أخْبَرَنِي أبُو زَيْدٍ الأنْصارِيُّ أنَّ العَرَبَ تَقُولُ: ألِفْتُ الشَّيْءَ إلْفًا، وآلَفْتُهُ إيلافًا، في مَعْنًى واحِدٍ، وأنْشَدَنِي لِذِي الرُّمَّةِ:
؎مِنَ المُؤْلِفاتِ الرَّمْلَ إدْماءُ حُرَّةٌ شُعاعُ الضُّحى في لَوْنِها يَتَوَضَّحُ
والإيلافُ أيْضًا أنْ يَكُونَ لِلْإنْسانِ ألْفٌ مِنَ الإبِلِ أوِ البَقَرِ أوِ الغَنَمِ أوْ غَيْرِ ذَلِكَ، ويُقالُ: آلَفَ فُلانٌ إيلافًا، قالَ الكُمَيْتُ بْنُ زَيْدٍ:
؎بِعامٍ يَقُولُ لَهُ المُؤْلِفُو ∗∗∗ نَ هَذا المُعِيمُ لَنا المُرْجِلُ
(p-٦٢٧٠)والمُعِيمُ العامُ الَّذِي قَلَّ فِيهِ اللَّبَنُ. والإيلافُ أيْضًا أنْ يَصِيرَ القَوْمُ ألْفًا يُقالُ: آلَفَ القَوْمُ إيلافًا. قالَ الكُمَيْتُ:
؎وآلُ مُزَيْقِياءَ غَداةَ لاقَوْا ∗∗∗ بَنِي سَعْدِ بْنِ ضَبَّةَ مُؤْلِفِينا
والإيلافُ أيْضًا أنْ يُؤْلِفَ الشَّيْءَ فَيَأْلَفُهُ ويَلْزَمُهُ، يُقالُ: آلَفْتُهُ إيّاهُ إيلافًا. والإيلافُ أيْضًا أنْ تُصَيِّرَ ما دُونَ الألْفِ ألْفًا، يُقالُ: آلَفْتُهُ إيلافًا. انْتَهى. ولِوُرُودِ الإيلافِ بِهَذِهِ المَعانِي، ظَهَرَ سِرُّ إبْدالِهِ بِالمُقَيَّدِ مِنهُ بَعْدَ إطْلاقِهِ، مَعَ ما في الإبْهامِ، ثُمَّ التَّفْسِيرُ مِنَ التَّفْخِيمِ والتَّقْرِيرِ. رَوى ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قالَ: كانَتْ قُرَيْشٌ قَدْ ألِفُوا بُصْرى واليَمَنَ، يَخْتَلِفُونَ إلى هَذِهِ في الشِّتاءِ وإلى تِلْكَ في الصَّيْفِ. وعَنِ ابْنِ زَيْدٍ قالَ: كانَتْ لَهم رِحْلَتانِ: الصَّيْفُ إلى الشّامِ والشِّتاءُ إلى اليَمَنِ في التِّجارَةِ، إذا كانَ الشِّتاءُ امْتَنَعَ الشّامُ مِنهم لِمَكانِ البَرْدِ. وكانَتْ رِحْلَتُهم في الشِّتاءِ إلى اليَمَنِ.
وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: كانُوا يُشَتُّونَ بِمَكَّةَ ويُصَيِّفُونَ بِالطّائِفِ. والأكْثَرُونَ عَلى الأوَّلِ. واللّامُ في قَوْلِ ﴿لإيلافِ﴾ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: ﴿فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذا البَيْتِ﴾ [قريش: ٣] أيْ: فَلْيَعْبُدُوهُ لِأجْلِ إيلافِهِمُ الرِّحْلَتَيْنِ. ودَخَلَتِ الفاءُ لِما في الكَلامِ مِن مَعْنى الشَّرْطِ؛ إذِ المَعْنى: أنَّ نِعَمَ اللَّهِ تَعالى عَلَيْهِمْ غَيْرُ مَحْصُورَةٍ، فَإنْ لَمْ يَعْبُدُوهُ لِسائِرِ نِعَمِهِ فَلْيَعْبُدُوهُ لِهَذِهِ النِّعْمَةِ الجَلِيلَةِ. والبَيْتُ هو الكَعْبَةُ المُشَرَّفَةُ الَّذِي أطْعَمَهم مِن جُوعٍ أيْ جُوعٍ شَدِيدٍ كانُوا فِيهِ قَبْلَ الرِّحْلَتَيْنِ فَـ (مِن) تَعْلِيلِيَّةٌ أيْ أنْعَمَ عَلَيْهِمْ وأطْعَمَهم لِإزالَةِ الجُوعِ عَنْهم أوْ بَدَلِيَّةٌ ﴿وآمَنَهم مِن خَوْفٍ﴾ [قريش: ٤] أيْ: مِمّا يَخافُ مِنهُ مَن لَمْ يَكُنْ مِن أهْلِ الحَرَمِ مِنَ الغاراتِ والحُرُوبِ والقِتالِ والأُمُورِ الَّتِي كانَتِ العَرَبُ يَخافُ بَعْضُها بَعْضًا؛ فَأمِنُوا مِن ذَلِكَ لِمَكانِ الحَرَمِ وقَرَأ: ﴿أوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهم حَرَمًا آمِنًا يُجْبى إلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [القصص: ٥٧] ونَظِيرُهُ أيْضًا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أوَلَمْ يَرَوْا أنّا جَعَلْنا حَرَمًا آمِنًا ويُتَخَطَّفُ النّاسُ مِن حَوْلِهِمْ﴾ [العنكبوت: ٦٧]
(p-٦٢٧١)تَنْبِيهٌ:
زَعَمَ بَعْضُ النّاسِ أنَّ اللّامَ في "لِإيلافِ" مُتَعَلِّقٌ بِما قَبْلَهُ، أيْ: ﴿فَجَعَلَهم كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ﴾ [الفيل: ٥] ﴿لإيلافِ قُرَيْشٍ﴾ قالَ الشِّهابُ: وعَلى هَذا لا بُدَّ مِن تَأْوِيلِهِ، والمَعْنى: أهْلَكَهم ولَمْ يُسَلِّطْ عَلى أهْلِ حَرَمِهِ لِيَبْقَوْا عَلى ما كانُوا عَلَيْهِ، أوْ أهْلَكَ مَن قَصَدَهم لِيَعْتَبِرَ النّاسُ ولا يَجْتَرِئَ عَلَيْهِمْ أحَدٌ، فَيَتِمُّ لَهُمُ الأمْنُ في الإقامَةِ والسَّفَرِ. أوْ هي لامُ العاقِبَةِ. انْتَهى.
ولا يَخْفى ما فِيهِ مِنَ التَّكَلُّفِ؛ ولِذا قالَ ابْنُ جَرِيرٍ في رَدِّهِ: وأمّا القَوْلُ الَّذِي قالَهُ مَن حَكَيْنا قَوْلَهُ أنَّهُ مِن صِلَةِ قَوْلِهِ: ﴿فَجَعَلَهم كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ﴾ [الفيل: ٥] فَإنَّ ذَلِكَ لَوْ كانَ كَذَلِكَ لَوَجَبَ أنْ يَكُونَ "لِإيلافِ" بَعْضَ "ألَمْ تَرَ"، وأنْ لا تَكُونَ سُورَةً مُنْفَصِلَةً مِن "ألَمْ تَرَ"؛ وفي إجْماعِ جَمِيعِ المُسْلِمِينَ عَلى أنَّهُما سُورَتانِ تامَّتانِ، كُلُّ واحِدَةٍ مِنهُما مُنْفَصِلَةٌ عَنِ الأُخْرى، ما يُبَيِّنُ عَنْ فَسادِ القَوْلِ الَّذِي قالَهُ مَن قالَ ذَلِكَ. ولَوْ كانَ قَوْلُهُ: ﴿لإيلافِ قُرَيْشٍ﴾ مِن صِلَةِ قَوْلِهِ: ﴿فَجَعَلَهم كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ﴾ [الفيل: ٥] لَمْ تَكُنْ "ألَمْ تَرَ" تامَّةً حَتّى تُوصَلَ بِقَوْلِهِ: "لِإيلافِ قُرَيْشٍ"، لِأنَّ الكَلامَ لا يَتِمُّ إلّا بِانْقِضاءِ الخَبَرِ الَّذِي ذُكِرَ. انْتَهى.
{"ayahs_start":1,"ayahs":["لِإِیلَـٰفِ قُرَیۡشٍ","إِۦلَـٰفِهِمۡ رِحۡلَةَ ٱلشِّتَاۤءِ وَٱلصَّیۡفِ","فَلۡیَعۡبُدُوا۟ رَبَّ هَـٰذَا ٱلۡبَیۡتِ","ٱلَّذِیۤ أَطۡعَمَهُم مِّن جُوعࣲ وَءَامَنَهُم مِّنۡ خَوۡفِۭ"],"ayah":"ٱلَّذِیۤ أَطۡعَمَهُم مِّن جُوعࣲ وَءَامَنَهُم مِّنۡ خَوۡفِۭ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق